الصعود الصيني التحدي الأكبر لليابان

مع انتقال مركز الثقل الاقتصادي في العالم إلى الجنوب الشرقي من القارة الآسيوية

اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة واليابان في واشنطن أمس. من اليمين وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شانهان ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخارجية الياباني تارو كونو ووزير الدفاع تاكيشي ايوايا (إ.ب.أ)
اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة واليابان في واشنطن أمس. من اليمين وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شانهان ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخارجية الياباني تارو كونو ووزير الدفاع تاكيشي ايوايا (إ.ب.أ)
TT

الصعود الصيني التحدي الأكبر لليابان

اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة واليابان في واشنطن أمس. من اليمين وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شانهان ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخارجية الياباني تارو كونو ووزير الدفاع تاكيشي ايوايا (إ.ب.أ)
اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة واليابان في واشنطن أمس. من اليمين وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شانهان ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخارجية الياباني تارو كونو ووزير الدفاع تاكيشي ايوايا (إ.ب.أ)

يقع الأرخبيل الياباني عند نقطة تلاقي أربعة من الفوالق الأرضية الضخمة التي، من فترة لأخرى، يتسبّب تحرّك أحدها بزلازل هائلة غالباً ما أحدثت دماراً كبيراً وأوقعت خسائر بشرية فادحة. هذا الواقع الجيولوجي ينطبق أيضاً على الوضع الجيوسياسي التي تعيشه اليابان منذ عقود، وتتفاقم خطورته مع صعود المارد الصيني والتهديدات النووية اليائسة من كوريا الشمالية، وتكاثر نقاط الاحتكاك بين واشنطن وموسكو على امتداد الطوق الآسيوي.
منذ سنوات والخبراء الاستراتيجيون يجمعون على أن المنطقة الأكثر سخونة في الصراع بين القوى الكبرى خلال القرن الحادي والعشرين ليست الشرق الأوسط وأزماته المعمّرة والمستعصية، بل الجنوب الشرقي من القارة الآسيوية الذي انتقل إليه مركز الثقل الاقتصادي في العالم؛ فالصين قد أصبحت لاعباً رئيسيّاً في سباق التسلّح على صهوة نمو اقتصادي جامح منذ أواخر القرن الماضي، تتحرّك واثقة في مواجهة اليابان جارتها اللدود منذ قرون، والولايات المتحدة التي لا تفوّت مناسبة كي تعرض جبروتها العسكري في المنطقة للتأكيد على تفوّقها العالمي، في حين تبقى العلاقات اليابانية مع روسيا المتراصّة عسكرياً على عهد بوتين لغزاً بالنسبة لطوكيو التي لم توقّع بعد معاهدة سلام مع موسكو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب النزاع على الجزر، كل ذلك على مرمى حجر من كوريا الشمالية التي لا تتحدّث إلا بلغة الصواريخ الباليستية والترسانة النووية.
بالنسبة لليابان، يبقى الصعود الصيني هو التحدّي الأكبر على المدى الطويل، وتسعى الحكومة اليابانية الحالية منذ سنوات للمحافظة على علاقات ثنائية ودّية مع بكين بعد فترة طويلة من التوتر. وتعتبر طوكيو أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء شينزو آبي إلى بكين في خريف العام الماضي، وهي الأولى منذ عام 2011، قد أعادت العلاقات إلى مسارها الطبيعي. ويرى مسؤولون هنا أن العلاقات مع الصين، رغم أهميتها الاستراتيجية، لا يمكن أن توازن العلاقات مع الولايات المتحدة «لأن التحالف مع واشنطن هو الركيزة الأساسية لسياستنا الخارجية، لكنه لا يحول دون إقامة علاقات جيدة مع بكين»، كما يقول تاكيشي أوسوغا الناطق بلسان وزارة الخارجية، في محاضرة ألقاها، الثلاثاء الماضي، بمعهد الدراسات الآسيوية التابع لجامعة طوكيو. ويضيف أوسوغا: «الخلافات العديدة حول الحدود البرية والبحرية في المنطقة أشبه ببرميل بارود، ويقلقنا ما تقوم به بكين من تعديلات أحادية للوضع القائم في المناطق الشرقية والجنوبية من بحر الصين».
وتسعى اليابان منذ فترة لتنفيذ مشروع بعنوان «الهندي - الهادئ الحر والمفتوح»، يعتبره المراقبون الرد الياباني على مشروع طريق الحرير الجديدة «مبادرة الطوق والطريق» الصينية. ويقول أوسوغا: «رؤيتنا ليست موجهة ضد أحد، ولا تشكل رداً على أي مبادرة. فكرتها الأساسية هي أن النظام البحري القائم يواجه تحديات كثيرة تقتضي منا التركيز على ثلاثة أهداف: ضمان حرية الملاحة وسيادة القانون في المجال البحري، وتعزيز المواصلات في المنطقة البحرية عن طريق الموانئ والبنى التحتية، وتقديم المساعدة اللازمة لبناء قدرات البلدان في مجال الأمن البحري».
ولا يخفي المسؤولون في طوكيو مباعث قلقهم من الصين، وفي طليعتها النمو الاقتصادي المتسارع وانعكاساته على الإنفاق العسكري الذي يفتقر إلى الشفافية. وتعترف طوكيو بأن الصين قد بلغت مستوى تكنولوجياً عالياً لا يُستبعد أن يكون قد تجاوز اليابان في بعض المجالات، وتخشى من مخاطر التأثير على الرأي العام عبر التلاعب باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ولا ينسون مخاطر الاحتكاك المتزايد بين الصين وتايوان التي صعّدت أخيراً في مواقفها الاستقلالية، وقابلتها بكين بزيادة الضغوط العسكرية وتحذير الدول الأخرى من إقامة علاقات معها.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التحالف مع واشنطن يشكل عماد السياسة الأمنية لليابان التي يلزمها الدستور السلمي الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية حصر الإنفاق العسكري بالأهداف الدفاعية، مما يجعل مواردها الحربية دون مستوى القوة الاقتصادية الثالثة في العالم. ويجمع المسؤولون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في العاصمة اليابانية على أن العلاقات الثنائية الجيدة بين رئيس الوزراء شينزو آبي والرئيس الأميركي دونالد ترمب تلعب دوراً مهمّاً باتجاه التهدئة في مرحلة يواجه فيها حلفاء واشنطن صعوبات متعددة في التعامل معها.
يُذكر أن طوكيو كانت الأكثر تجاوباً حتى الآن مع دعوات ترمب للحلفاء إلى زيادة الإنفاق العسكري والمساهمة في تكاليف انتشار القوات الأميركية على أراضيهم. ولا تخفي الأوساط الرسمية هنا ارتياحها لما تتضمنه الوثائق الاستراتيجية الرسمية الصادرة عن «البنتاغون» من تشدد في المواقف حيال الصين وروسيا، إلى جانب الزيادة في الإنفاق العسكري الأميركي للسنوات المقبلة.
يبلغ عدد القوات الأميركية المنتشرة في اليابان 54 ألف جندي موزعين على إحدى عشرة قاعدة، أهمها تلك التي توجد في جزيرة أوكيناوا الاستراتيجية حيث تقوم حملة شعبية منذ سنوات ترفض وجود القوات الأميركية على أراضيها. وتسعى الحكومة اليابانية منذ سنوات إلى خفض التوتر الشعبي، لكن مع المحافظة على الوجود العسكري لحليفتها في الجزيرة.
التحدي النووي من كوريا الشمالية هو أيضاً أحد مصادر القلق الرئيسية بالنسبة لطوكيو التي أعربت عن ارتياحها لوقف التجارب النووية، بعد القمة الأولى بين واشنطن وبيونغ يانغ، وللموقف الأميركي في القمة الثانية التي انتهت من غير تنازلات. ويؤكد المسؤولون اليابانيون، خلافاً لما يُشاع عن استياء طوكيو من كون المبادرة الأميركية لم تراعِ الموقف الياباني، أن التنسيق بين واشنطن وطوكيو لم ينقطع منذ اللحظة الأولى من المفاوضات. ولا يغيب عن البال أن العلاقات ما زالت معقّدة بين اليابان وكوريا الجنوبية بسبب التباين حول بعض جوانب الملف النووي والمطالب الكورية بشأن الممارسات اليابانية خلال فترة الاستعمار.
العلاقات مع الاتحاد الروسي ما زالت تتعثر بسبب النزاع حول جزر كوريل التي ضمها الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي يقطنها بضعة آلاف من الروس حالياً.
وما زال هذا النزاع يحول دون توقيع معاهدة سلام بين البلدين، رغم استئناف المفاوضات بينهما في الفترة الأخيرة. وكانت الحكومة اليابانية قد خففت من مطالبها أخيراً، عندما قبلت بالتفاوض على أساس إعلان مشترك صدر في عام 1956 يشير إلى إعادة الجزر الجنوبية فقط من الأرخبيل، لكن رغم القمم العشرين التي عقدها آبي مع بوتين حتى الآن، لم تغير موسكو موقفها.

عدد القوات الأميركية في اليابان: 54 ألفاً
عدد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية: 23 ألفاً
ميزانية الدفاع الأميركية: 609 مليارات دولار
ميزانية الدفاع الصينية: 228 مليار دولار
ميزانية الدفاع الروسية: 66 مليار دولار
ميزانية الدفاع اليابانية: 45 مليار دولار
ميزانية الدفاع الكورية الجنوبية: 39 مليار دولار

ترمب سيكون أول زعيم أجنبي يلتقي إمبراطور اليابان الجديد
> سيتوجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى اليابان في 25 مايو (أيار) ليكون «أول ضيف رسمي أجنبي» بعد تنصيب ولي العهد ناروهيتو (59 عاماً) على العرش الإمبراطوري في الأول من مايو. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز في بيان إن ترمب سيتوجه إلى اليابان، وسيعقد أيضاً محادثات مع رئيس الوزراء شينزو آبي الذي سيقوم أيضاً بزيارة إلى واشنطن أواخر الشهر الحالي. وأضافت ساندرز: «اللقاء بين ترمب ورئيس الوزراء آبي سيعيد التأكيد على التحالف الأميركي الياباني كحجر زاوية للسلام والاستقرار والرخاء»، في منطقة المحيط الهادي وحول العالم. وسيعود ترمب إلى اليابان في يونيو (حزيران) لحضور قمة مجموعة العشرين في أوساكا.
ومن جانب آخر، سيتوجه إمبراطور اليابان أكيهيتو والإمبراطورة ميتشيكو لزيارة ضريح «شينتو» في وسط اليابان، في آخر رحلة له خارج طوكيو قبل تخليه عن العرش في 30 أبريل (نيسان). ويرمز الضريح إلى إلهة الشمس في اليابان (أماتيراسو أوميكامي)، التي تشير الأساطير اليابانية إلى أنها مؤسسة السلالة الإمبراطورية. وفي منتصف مارس (آذار)، بدأ الإمبراطور سلسلة من المراسم والطقوس تمهيداً لتنازله المقرَّر عن العرش، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك باليابان خلال قرنين. وأصبح أكيهيتو الإمبراطور الـ125 لليابان في 7 يناير (كانون الثاني) 1989، عندما كان عمره 55 عاماً، بعد وفاة والده الإمبراطور هيروهيتو. وكان أكيهيتو قال في رسالة فيديو نادرة، في أغسطس (آب) 2016، إنه يرغب في التنحي. وقال إنه قلق من أن تدهور صحته سيجعل من الصعب عليه القيام بواجباته.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.