أسبوع الأردن للموضة يحقق أحلام شباب متعطش لمنصة تُعرّف بهم

رسّخ قدميه محلياً في دورته الأولى تحضيراً للمستقبل

من عرض علامة «زاي»  -  من عرض سارة منصور  -  من تصاميم اللبناني جون لوي صبجي
من عرض علامة «زاي» - من عرض سارة منصور - من تصاميم اللبناني جون لوي صبجي
TT

أسبوع الأردن للموضة يحقق أحلام شباب متعطش لمنصة تُعرّف بهم

من عرض علامة «زاي»  -  من عرض سارة منصور  -  من تصاميم اللبناني جون لوي صبجي
من عرض علامة «زاي» - من عرض سارة منصور - من تصاميم اللبناني جون لوي صبجي

لم تكن الشوكولاته التي صاغتها أنامل العاملين في شركة «ليندت» السويسرية على شكل حقائب يد وأحذية وأحمر شفاه وفساتين، ولا مستحضرات العناية بالبشرة من شركة «لو غيفاج» الأردنية، وحدها من بعثت إحساساً بالسعادة والراحة في نفوس وسائل الإعلام لدى وصولهم إلى فندق كامبنسكي في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، بقدر ما كان ترقبهم للطبق الذي سيقدمه أسبوع الأردن للموضة في دورته الأولى. أطباق الشوكولاته وغيرها من الإغراءات كانت مجرد لفتات تشير إلى اهتمام شيرين رفاعي، مؤسسة الأسبوع وراعيته، بأدق تفاصيله.
كان من المفترض أن ينطلق الأسبوع في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي بمنطقة البحر الميت، لكن بسبب السيول التي أودت بحياة عدد من الناس، تم تأجيله.
فقد كان لا بد من التعامل مع المأساة بحساسية. مرت أشهر، ولم يتغير التوقيت فحسب بل أيضاً المكان. ففي 30 من شهر مارس الماضي، وفي عمان هذه المرة، رأى الأسبوع النور وأصبح حقيقة، من خلال احتضانه عروضاً متنوعة لـ18 مصمم أزياء أردنياً ومن دول أخرى قدموا تصميماتهم على مدى يومين. كان لسان حالهم يقول إنهم يستحقون منبراً يعرف بهم، حتى إن لم يُخرجهم إلى العالمية، فعلى الأقل يجذب انتباه الزبون المحلي إليهم. وربما يُلخص تصريح المصممة الأردنية الروسية تاتيانا أسيفا، التي قدمت تشكيلة موجهة للمساء في غاية الأناقة والرومانسية، الوضع بقولها: «منذ سنوات طويلة وأنا أعمل في هذا المجال، وكنت أفتقد منصة من هذا النوع. لم يكن لدينا أي شيء مماثل بما في ذلك عارضات محترفات، وأخيراً حان الوقت لكي نبني صناعة تظهر أعمالنا للعالم... والحقيقة أن أقصى ما كنت أتمناه أن يكون منظماً، لكن النتيجة فاقت كل توقعاتي وآمالي...لقد كان أكثر من رائع».
ما يُحسب لشيرين رفاعي، القوة الدافعة وراءه، أنها لم تتردد عندما شعرت أن الوقت قد حان ليكون للأردن منبر خاص به. لم تنتظر تأسيس منظمة موضة، تتكون من عدة أعضاء كما الحال بالنسبة لمعظم أسابيع الموضة العالمية. كانت هذه العملية ستأخذ وقتاً طويلاً، وربما تجاذباً في البداية، وهو ما لم يكن وارداً بالنسبة لها. اعتمدت على نفسها وعلى علاقات بنتها طوال فترة عملها في مجالي الموضة والإعلام. فقد سبق لها العمل سفيرة لبعض العلامات العالمية، كما لا تزال صديقة لعلامات أخرى. تقول إنه كان يحز في نفسها «كلما حضرت أسبوع باريس للموضة ألا يكون في الأردن فعالية مماثلة». كانت تعرف أن عدد المصممين الشباب في تزايد وأن أحلامهم كبيرة تحتاج إلى من يحتضنها ويتبناها، والأهم من هذا «من يأخذ بيدهم فيما يتعلق بتوفير اللوجيستيات الضرورية لبناء صناعة متكاملة من كل الجوانب».
بعد مخاض دام سنوات، حققت المبتغى. وحسب قول المصمم اللبناني جون إيلي صباجي، الذي افتتح الأسبوع: «إنها امرأة حديدية... نحتاج مثلها في كل بلد عربي».
درست شيرين رفاعي الحقوق لكنها اكتشفت بعد التخرج مدى حبها للموضة والإعلام. لم تتردد في أن تتبع ما يمليه عليها قلبها، وهكذا ترأست مجموعة من المجلات النسائية المتخصصة في الموضة، قبل أن تصبح من المؤثرات في ساحة الموضة الأردنية، لا سيما مع تنامي أهمية المؤثرات في العالم العربي. ساعدها في ذلك أناقتها المميزة من جهة، وحسها التجاري من جهة ثانية. بعد 15 سنة، قررت أن تستغل ما اكتسبته من خبرة وعلاقات و«ترد الجميل إلى الأردن»، كما تقول، بأن تساعد المصممين الصاعدين على فهم أهمية الموضة كصناعة قائمة بذاتها تحتاج إلى الابتكار والتسويق في الوقت ذاته. بعد تعاملها معهم وملامسة مدى حماسهم وقدراتهم الإبداعية لم تعد الاستشارات وحدها كافية. ومن هنا جاءتها فكرة تأسيس أسبوع موضة بالأردن يتعدى التعريف بمواهبهم ليشمل في المستقبل تأسيس بنية تحتية قوية ومستدامة، تبدأ بدعم مصانع الإنتاج واليد العاملة وتكوين عارضات محليات وغيرها من الأمور التي لا تقتصر فقط على تصميم أزياء أنيقة تعتمد على الخطوط والألوان، كما هو مترسخ في أذهان كثير ممن دخلوا مجال الموضة من باب الموهبة والهواية. أملها أن تنخرط صناعات أخرى في هذا المشروع. ففي الدول النامية، مثل تركيا وجورجيا والبرازيل والأرجنتين وغيرها، تستعمل أسابيع الموضة للترويج لنفسها مراكز لصناعة الأقمشة أو الدباغة وغيرها من الصناعات المحلية، التي تطمح إما لتصديرها أو لجذب مستثمرين إليها، وأحياناً تستعملها لمجرد الترويج السياحي.
تقول شيرين رفاعي إنها تُدرك جيداً أن تنظيم أسبوع موضة «لا يعني استضافة حضور مهتم بالأناقة، أو ترؤس فعالية تنتهي بإسدال الستار وإطفاء الأنوار فحسب، بل هو صناعة مستمرة من شأنها أن تخلف تأثيرات إيجابية طويلة المدى على المصممين وعلى باقي الصناعات الأخرى. الحضور مثلاً يجب أن يشمل زبونات متفاعلات، ومشترين من محلات كبيرة، تكون لهم الصلاحية لاختيار تصاميم من يتوسمون فيهم التميز وعرض تصاميمهم في المحلات التي يمثلونها، إضافة إلى وسائل الإعلام التي من شأنها أن تسلط الأضواء على أعمالهم لتصل إلى شريحة لم تتمكن من حضور الفعالية».
وهذا لا يقتصر على عمان وحدها، فمنذ أن بدأت فكرة تنظيم أسابيع موضة في العواصم العالمية، من باريس ونيويورك إلى ميلانو ولندن، والأساس الذي تقوم عليه واحد. قد تتغير التفاصيل والبهارات والنكهة لكن يبقى الهدف، إلى جانب الاحتفال بالفنية والإبداع، هو تحريك عملية البيع. ما تجتهد شيرين في شرحه للمصممين الشباب أنه لا بأس من أن يقدموا تشكيلات فانتازية على منصة العرض، على أمل جذب انتباه الإعلام وفتح جدل فكري أو فني، لكنها تؤكد ضرورة التخفيف من فانتازيتها عندما تبدأ عملية الإنتاج حتى تجد طريقها إلى خزانات شرائح أكبر من الزبائن. لم يكن الأمر سهلاً، وتطلب عدة جلسات وندوات لإيصال فكرتها إلى شباب كان يعتمد أولاً وأخيراً على الموهبة والشغف. فبعضهم لم يدرس فن التصميم بشكل أكاديمي، وأغلبهم من أبناء جيل وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أنهم يعتمدون على هذه الوسائل للوصول إلى زبائنهم والتسويق لمنتجاتهم بثقافة «الآن وليس غداً». قد يدركون أن عروض الأزياء، التي قد لا تطول لأكثر من 20 دقيقة في الغالب، تؤثر على نظرة المتلقي للموضة وذوقه في اللاشعور، إلا أن إمكاناتهم لحد الآن لم تكن تسمح بالمشاركة فيها خارج الأردن في ظل افتقادهم منصة محلية. لكسبهم وتمكينهم من المشاركة، جندت شيرين رفاعي كل علاقاتها وخبرتها في العلاقات العامة للحصول على تمويلات خارجية، من وزارة السياحة مثلاً وجهات أخرى، لكي تُعفيهم من أي مصاريف. وكانت المفاجأة أنهم لم يخيبوا ظنها. فما قدموه على مدى يومين، أكد ما لمسته فيهم من موهبة منذ البداية. أغلبهم، إن لم نقل كلهم، ابتعدوا عن الفولكلور، وركزوا على تصاميم عصرية، سواء تعلق الأمر بالأشكال الحديثة أو الأقمشة الغريبة مثل البلاستيك أو إعادة استعمال خامات من أجمل موضة مستدامة مثل التشكيلة التي قدمها المصمم الشاب فادي زيموت واعتمد فيها الخامات نفسها التي تستعملها شركة «ريشبوند» في صناعة الأسرة والكنبات والدينم. المصمم إبراهيم البدارين من علامة «جو! كريياتفيز»، وهي علامة تدمج التطريز البدوي التقليدي مع الدينم في جماليات حديثة تخاطب الشباب، قال في هذا الصدد إنه من المهم أن يحتفي المصمم بماضيه وتاريخه بكل ما يعنيه من عمق ثقافي، لكن من دون أن يغرق فيه ويغرف منه بشكل حرفي. تستمع إليه شيرين رفاعي بفخر واعتزاز وعيونها لا تتوقف عن الدوران وهي تتابع كل صغيرة وكبيرة تجري في عين المكان. فهي التي وضعت كل التفاصيل واختارت المشرفين على الإضاءة والماكياج والموسيقى والإخراج والمؤثرات. وبالفعل سار كل شيء كما رسمت وخططت، وتوضح أن هذا ضروري، «فالبداية مهمة ويجب أن تكون قوية لأننا ننوي أن نُحول المناسبة إلى مظاهرة سنوية تنعش حركة الإبداع ككل».
تستشف من كلامها وحماسها أنها تقتدي بأسابيع موضة أخرى سبقتها إلى ذلك مثل المكسيك وكولومبيا وطوكيو ونيجيريا وغيرها. فرغم أن هذه العواصم حديثة العهد بالموضة، ولا ترقى إلى العواصم العالمية الأربع التي لها باع وتاريخ طويلان، فإنها نجحت في التأثير على المخيلة المحلية بأن جعلت السكان يفخرون بأبنائهم، ويُقبلون على تصاميمهم بدل التصاميم العالمية. والسبب أنها اكتسبت في أعينهم جرعة حلاوة أكبر بعد عرضها على منصات بتأثيرات موسيقية مبهرة وبعد أن تداولتها المجلات ووسائل التواصل الاجتماعي. وغني عن القول أن هذا انعكس على المشترين العالميين أيضاً، الذين سهلت عليهم هذه الأسابيع عملية البحث عن ماركات غير معروفة لكن مميزة؛ أحياناً من خلال صور المجلات وأحياناً عبر «إنستغرام». وهذا ما يزيد من نموها الاقتصادي، فحسب دراسة نشرتها «ماكنزي أند كومباني»، فإن فرصة البلدان التي تشجع على صناعة الموضة بأن تصبح وجهة مهمة، أكبر من غيرها. وجاء في التقرير أن «العشر مدن الأكثر نمواً ما بين عامي 2015 و2025، هي عواصم الموضة، مثل شانغهاي، وشينغن الصينية، ومكسيكو سيتي، ودلهي، فيما تحافظ العواصم العالمية مثل نيويورك وطوكيو ولندن على مكانتها بحكم تاريخها وحجم صناعتها».
ولا يخفى على أحد أن المنافسة كبيرة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك نحو 52 أسبوع موضة في العالم حالياً. بعض الدول لا تكتفي بأسبوع واحد بل تُحفز المنافسة بين مدنها حتى تقتطع لها حصة أكبر من الكعكة العالمية، مثل مدريد وبرشلونة في إسبانيا، وساو باولو وريو دي جانيرو في البرازيل، وملبورن وسيدني في أستراليا، وشانغهاي وبكين في الصين، ونيويورك ولوس أنجليس في الولايات المتحدة. ورغم أن بعضها لا يزال غضاً وخجولاً، فإن الحكومات تُسنده بكل قواها بعد أن فهمت اللعبة وبأنه الطريق إلى إنعاش سياحي واقتصادي طويل المدى.
> افتتح المصمم اللبناني الشاب جون لوي صبجي الأسبوع بتشكيلة تحمل كل بصماته الأنثوية المعهودة. فهذا المصمم الشاب الذي تخرج من أكاديمية دوموس بميلانو ينتمي لعائلة تعشق الموضة وامتهنتها منذ عقود، ما يجعله يعرف ما تريده المرأة من أناقة تجمع الكلاسيكية بالجرأة، وهو ما كان واضحاً في كل قطعة تهادت بها عارضاته على ممشى فندق الكامبنسكي. وكان مسك الختام من نصيب الإيطالي سيلفيو جياردينا الذي ضخ في الأسبوع نكهة إيطالية لذيذة.
من المصممين المشاركين في الأسبوع أيضاً زينب الكيسناوي، وهي فلسطينية برازيلية كبرت في أبوظبي وتركز على فساتين السهرة والعرائس. وهذا يعني طبعاً الفخامة والفساتين المطرزة.
شارك في الأسبوع أيضاً كل من ميس الفاتح وفادي زيموت، وسارة منصور التي درست الموضة في لندن قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة لإكمال دراستها، وليث معلوف الذي تدرب في مدرسة إيلي صعب، وهو ما انعكس على تصاميمه بشكل واضح، إضافة إلى مجموعة أخرى لا تقل موهبة، بعضهم على منصات العرض وبعضهم الآخر في المعرض الذي احتضنته قاعة ضخمة في المكان نفسه.
> أهمية أسابيع الموضة اقتصادياً:
- إلى جانب تحريك عملية البيع، تُنعش صناعات أخرى مثل الفنادق والمطاعم ووسائل المواصلات، فضلاً عن تسليط الضوء على مواقع ومآثر سياحية.
- تدر صناعة الموضة على نيويورك وحدها أكثر من 540 مليون دولار أميركي، نحو 40 مليون دولار منها تذهب لصالح المطاعم، و30 مليون دولار لسائقي التاكسيات وإيجار السيارات الخاصة وباقي وسائل النقل، و56 مليون دولار للفنادق.
- أسبوع لندن أعلن أن الموضة تضاهي صناعة السيارات قوة إن لم تتفوق عليها. فهي تدر 28 مليار جنيه إسترليني سنوياً على الاقتصاد البريطاني.
- أسبوع طوكيو الذي انطلق حديثاً يحقق حالياً نحو 93 مليون يورو للاقتصاد الياباني، بينما يحقق أسبوع شانغهاي 90.5 مليون يورو. أما أسبوع مدريد فيحقق دخلاً إجمالياً قدره 104.5 مليون يورو. فرغم أنه أقل من ميلانو أو باريس من حيث عدد المشاركين فيه والضجة الإعلامية، فإنه يتفوق عليهما تجارياً.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.