متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية يحتفي بمقتنيات نادرة لسعد زغلول

في الذكرى المئوية لثورة 1919

نظارة سعد زغلول بالمعرض
نظارة سعد زغلول بالمعرض
TT

متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية يحتفي بمقتنيات نادرة لسعد زغلول

نظارة سعد زغلول بالمعرض
نظارة سعد زغلول بالمعرض

يحتفي متحف الفنون الجميلة في مدينة الإسكندرية (شمال مصر)، بمئوية ثورة 1919 المصرية، بعرض مقتنيات نادرة لزعيم الثورة سعد زغلول، إلى جانب تسليط الضوء على رموز الثورة غير المعروفين، في معرض «ثورة 19 في مائة عام (رؤية جديدة - حقائق منسية - أحداث لم تُنشر).
واجتذبت مقتنيات معرض «ثورة 19» عدداً كبيراً من جمهور المدينة الساحلية، خاصة من المشاركين في مسابقة الكاريكاتير حول أحداث الثورة من طلاب المدارس.
واعتمد المتحف الذي يستمر حتى العاشر من شهر مايو (أيار) المقبل، على سرد بصري مُختلف برؤية تشكيلية لأهم أحداث «ثورة 19» ضد الاحتلال الإنجليزي قادها بشكل رئيسي سعد زغلول ورفاقه واتسمت بمشاركة شعبية واسعة، وظهور لافت للأقباط والمرأة.
يكشف المعرض للمرة الأولى عن مقتنيات خاصة بأسرة الزعيم المصري سعد زغلول، تم الحصول عليها من أكثر من هيئة ثقافية مصرية في العاصمة المصرية القاهرة.
يقول علي سعيد، مدير «متحف الفنون الجميلة» في الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»: «استغرق الإعداد للمعرض شهوراً للحصول على مقتنيات جديدة، حيث حصلنا على قطع أصلية من جهات عدّة أبرزها متحف بيت الأمة في القاهرة، ومتحف محمود مختار، ومكتبة البلدية بالإسكندرية، التي حصلنا منها على مجلّدات أصلية وأخبار الثورة منذ مائة عام».
وأضاف سعيد: «نظراً لطبيعة متحف الفنون الجميلة الذي يعرض القطع الإبداعية والنادرة، قرّرنا الاستعانة ببعض المتعلقات الشّخصية لقائد الثورة، الزعيم سعد زغلول، مع الأعمال الفنية التي رصدت أحداث الثورة».
يضم المعرض جناحين... الأول متعلق بتوثيق أحداث الثورة بداية من سيرة ذاتية لسعد زغلول من مولده حتى وفاته، بالإضافة إلى صور توثق أحداث الثورة وجانب خاص بمشاركة المرأة ودورها في أحداث الثورة، عبر عرض صور للسيدات اللاتي شاركن في الثورة، فضلاً عن تقديم عرض معلوماتي عن أيام الثورة منذ انطلاقها، وينتهي بمجموعة من الرسوم الكاريكاتيرية التي رصدت تلك الأحداث.
ويضم الجناح الأول في المعرض مجموعة من الدّوريات والمجلات الصادرة خلال تلك الحقبة تم الاستعانة بها من مكتبة البلدية في الإسكندرية، بالإضافة إلى عرض 100 رسم كاريكاتير نشرت خلال فترة الثورة وما تلاها وجزء مخصص لصور للمشاركين في أحداث الثورة، وصورة أول شهيد سقط خلال المواجهات مع الاحتلال الإنجليزي».
أمّا الجناح الثاني، في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، التابع لقطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية، فيضم مجموعة من التماثيل البرونز للنّحات المصري محمود مختار لسعد زغلول، والفنان سيد درويش، بالإضافة إلى بعض المتعلقات الشّخصية لسعد زغلول مثل العصا العاج الشهيرة التي كان يظهر بها، والطربوش الأحمر المميز، والبالطو الأسود الخاص به، ونظارة شمسية، ونتيجة يدوية، بالإضافة إلى العلم الذي لف به جثمانه بعد وفاته، فضلاً عن مجموعة من المقتنيات الخاصة بزوجته صفية زغلول، مثل سجادة صلاة، وبالطو، وحذاء. وقال مدير المتحف: «المعروضات الجديدة لسعد زغلول باشا، كانت محفوظة في مخزن (بيت الأمة في القاهرة)، ولم تعرض من قبل، وحين شاهدتها، وجدت حالتها ممتازة وشعرت بفخر شديد لرؤيتها، وقرّرنا عرض 20 قطعة منها في متحف الفنون الجميلة».
من جانبه، قال الدكتور إسلام عاصم، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر في المعهد العالي للسياحة وترميم الآثار، وأحد المشاركين في تنظيم المعرض لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «المعرض هو رحلة في مائة عام مضت، مليئة بالمعلومات التاريخية والفن، مقدمة بطريقة تجذب الزائرين من مختلف الأعمار، لتعريف جميع الفئات بثورة 1919 وأهميتها وتضحيات الشّعب فيها».
وأضاف: «يكفي أن نكشف عن أن الأمير عمر طوسون، هو صاحب فكرة إرسال وفد مصر للمطالبة بالاستقلال، إضافة إلى عرض مسار الثّوار في الإسكندرية، وصورة المعتدي على سعد زغلول خلال أحداث الثورة، وصور أول شهيد وأول شهيدة، خلال أحداث الثورة في القاهرة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)