واشنطن تجد التعاطي مع ملف إيران أسهل من قضية حدودها مع المكسيك

عمال أميركيون يشيّدون جداراً على الحدود مع المكسيك (رويترز)
عمال أميركيون يشيّدون جداراً على الحدود مع المكسيك (رويترز)
TT

واشنطن تجد التعاطي مع ملف إيران أسهل من قضية حدودها مع المكسيك

عمال أميركيون يشيّدون جداراً على الحدود مع المكسيك (رويترز)
عمال أميركيون يشيّدون جداراً على الحدود مع المكسيك (رويترز)

قبل أشهر من نيله جائزة نوبل للسلام في عام 1906، كتب الرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت يقول: «السلم بين الأمم مقصور على الشعوب المتحضّرة، ولا يعدو كونه حالة استثنائية بين الدول البربرية. أما الحرب فهي أمر طبيعي جداً بين الحضارة والبربرية. والبربري قد يكون الهندي الأحمر على حدود الولايات المتحدة، أو الأفغاني على تخوم الهند البريطانية، أو التركماني عند نهايات سيبيريا، لكن النتيجة واحدة. فالإنسان المتحضر يدرك مع مرور الوقت أن لا سبيل لصون السلم سوى بإخضاع جاره الهمجي الذي لا يفهم سوى لغة القوة، والتوسّع الحضاري الذي هو غلبة القانون والنظام والعدالة هو في مصلحة العالم أجمع، قبل أن يكون في مصلحة الدولة المتوسّعة».
يستحيل على صاحب مثل هذا القول اليوم أن يعبر بوّابة نوبل أو حتى أن يدنو منها، فالنظام الدولي أصبحت تحكمه مجموعة كبيرة من القوانين والمعاهدات والممارسات التي رسّخت مبادئ حقوق الإنسان والحرّيات الفردية والتعاون واحترام الأقلّيات، ونصّت على عقوبات واضحة في حق منتهكيها والمعتدين عليها. لكن من يرى اليوم الحدود الجنوبية للولايات المتحدة أو أي حدود أخرى، ويتابع ما يعتمل على امتدادها منذ أشهر، يدرك أن الدول لم تغير كثيراً في نظرتها إلى الحدود الفاصلة بين الشعوب، التي غالباً ما خضع رسمها لمشيئة الأقوياء ومصالحهم ومطامعهم، وأن ما تبدّل هي الأساليب في إعمال الأفكار التي كان يحملها روزفلت المتحدر من عائلة هولندية حطّت رحال هجرتها في نيويورك مطالع القرن السابع عشر هرباً من الفقر والعنف والاضطهاد في أوروبا.
وليس أوضح من الولايات المتحدة كمثال على الدول التي تولّدت حصراً من تدفقات المهاجرين الذين نزحوا من مناطق الفقر وبؤر العنف والنزاعات، ثم تضافروا، بعد حروب، وتوافقوا على بناء القوة الاقتصادية والعسكرية الأكبر في تاريخ البشرية. لكن هذه القوة بالذات هي التي صارت اليوم تخشى على «نقائها» وتخاف على رفاهها من «البرابرة» الذين يتكبدون كل أنواع المشقّات ويركبون المخاطر للعبور إلى خيراتها الموعودة فيما تسمّيه جامعة أكسفورد «هجرة البقاء»، التي لم يعرف التاريخ الحديث بمثل سرعتها وكثافتها.
كان الكاتب الأميركي ديفيد فوستر دالاس، الذي يُعتبر ألمع المفكرين الذين استشرفوا مستقبل المجتمع الغربي الحديث، يقول: «الحدود هي الخصم الحقيقي، والعدو ليس وراءها بل هو من يشاركك رقصة الحياة اليومية. الحدود وُجدت لنعبرها، ولكي نمحوها... ونبكيها». والولايات المتحدة اليوم تجد صعوبة أقل في التعاطي مع ملف العلاقات التجارية مع الصين أو الملف الإرهابي مع إيران، من معالجة ظاهرة الهجرة التي تتدفّق عبر حدودها مع المكسيك وتعجز الأجهزة الأميركية عن ضبطها. هجرة تتدفّق من البلدان التي كانت لعقود مستعمرات غير معلنة لواشنطن تفرض عليها مشيئتها السياسية والاقتصادية في خدمة مصالح القوة العظمى. وقد اضطرت إدارة الرئيس ترمب إلى إعلان حالة الطوارئ الوطنية وسيلةً أخيرةً للحصول على الموارد المالية اللازمة لبناء الجدار الشهير، لكن بعد أسبوعين فقط كرّت سبحة التنحيات والاستقالات في رئاسات الأجهزة الأمنية، فيما كان ترمب يهدّد بإقفال الحدود مع المكسيك ويقطع المساعدات عن هندوراس وسالفادور وغواتيمالا التي يقيم 3 ملايين من سكّانها في الولايات المتحدة ويحوّلون إلى عائلاتهم 20 مليار دولار سنويّاً تشكّل 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلّي، وتساهم في خفض الفقر بنسبة 15 في المائة، وانعدام الأمن الغذائي بنسبة 40 في المائة.
الأمم المتحدة التي جهدت منذ تأسيسها لبناء العمارة القانونية التي أرست الإطار العام لتحديد صلاحيات الدول وواجباتها تجاه المهاجرين وحقوقهم، والتي تمكّنت أخيراً، بعد مخاض عسير، من إنجاب الميثاق العالمي للهجرة الذي تحفظّت عنه دول كثيرة، تراقب عاجزة كيف تتهافت الحكومات والأحزاب على تبدية ما تعتبره مصالحها القومية في معالجة موضوع الهجرة، وإقفال الحدود التي كان هتلر يقول إن «المدافع هي أفضل القدّيسين لحمايتها».
العقول المستنيرة في الغرب الخائف من الأعداد تواصل صرختها في البرية وتؤكد، بالأرقام والقرائن العلمية والشواهد التاريخية، أن الهجرة ضرورة اقتصادية يستحيل الاستغناء عنها، ومادة أساسية لتخصيب مسار الدول نحو الابتكار والتقدّم، وظاهرة لم يعد بوسع أحد الوقوف بوجهها. لكن الآذان ما زالت تصغي إلى تراويح اللعب على أوتار المشاعر القومية والدينية، وتطرب للخطاب السياسي الذي يشعل الغرائز تحقيقاً لمكاسب انتخابية سريعة.



ربع قرن على عرش الكرملين

أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
TT

ربع قرن على عرش الكرملين

أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)

مع حلول نهاية عام 2024، يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد قضى 25 سنة كاملة على عرش الكرملين. تغيرت خلالها كثيراً ملامحُ روسيا، كما تغير العالم من حولها. والرئيس الذي تسلم تركة ثقيلة، عندما عُيّن في عام 1999 رئيساً للوزراء من قبل الرئيس بوريس يلتسين، وجد نفسه أمام استحقاقات صعبة، ودخلت البلاد معه منعطفات حاسمة، وواجهت صعوبات كبيرة، لكنها استعادت قدرتها ورسخت مكانتها مجدداً بين الكبار في العالم.

أعلن يلتسين عن استقالته في 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 1999 خلال خطاب ألقاه بمناسبة رأس السنة، وأصبح بوتين رئيساً بالنيابة. وفي شهر مارس (آذار) عام 2000 فاز أول مرة في انتخابات الرئاسة.

تولى بوتين قيادة البلاد منذ ذلك الحين، باستثناء المدة من عام 2008 إلى عام 2012، عندما كان ديميتري ميدفيديف رئيساً وكان بوتين رئيساً للوزراء. ويلاحظ كثير من الخبراء أنه حتى في ذلك الحين كان هو الذي اتخذ القرارات الرئيسية بشأن قضايا السياسة الداخلية والخارجية، وكان المقصود من انتخاب ميدفيديف احترام متطلبات الدستور الروسي، الذي لا يسمح لشخص واحد بأن يكون رئيساً أكثر من ولايتين متتاليتين.

بوريس يلتسين (يمين) يصافح بوتين (يسار) خلال حفل الكرملين في موسكو في ديسمبر 1999 (أ.ف.ب)

بوتين في ربع قرن

ربع قرن مدة طويلة إلى حد ما، وعدد محدود من القادة في التاريخ الروسي بقوا في السلطة لمدة أطول. لذا؛ فمن المنطقي أن نلخص النتائج لحكم فلاديمير بوتين.

لقد ورث دولة تعاني من كثير من المشكلات الداخلية، فالعواقب التي خلفها التخلف عن سداد الديون في عام 1998، والتحركات الانفصالية، والبطالة، والفقر... كانت مجرد قائمة صغيرة من التحديات التي كان على فلاديمير بوتين أن يواجهها على الفور.

في عام 1999، قبل أشهر قليلة من استقالة يلتسين، اندلعت حرب الشيشان الثانية في شمال القوقاز. تمكن الزعيم الروسي الجديد من إنهاء العمليات القتالية في أبريل (نيسان) عام 2000. ومع ذلك، باتت الحركة الإرهابية السرية تعمل في الشيشان لسنوات عدة أخرى.

فقط في عام 2009 رُفع نظام عمليات مكافحة الإرهاب هناك، وهو ما عُدَّ نهاية للحرب. والآن الشيشان هي محافَظة مستقرة وآمنة ومزدهرة ضمن الأراضي الروسية، ويزورها كثير من السياح كل عام للتعرف على التقاليد المحلية والتاريخ والمأكولات.

أيضاً، وفي بداية عهد فلاديمير بوتين، أضيفت حوادث طارئة مختلفة إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن العمليات العسكرية في شمال القوقاز. وكان أكثرها صدى في أغسطس (آب) 2000، عندما غرقت الغواصة النووية «كورسك»، وأودت هذه الكارثة بحياة 118 بحاراً، وكانت صدمة لروسيا بأكملها. بالنسبة إلى فلاديمير بوتين، أصبح ذلك تحدياً حقيقياً، وواجه حينها انتقادات لعدم استجابته بشكل كافٍ للحادثة.

تضاف إلى هذه الأحداث المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الخطرة التي كان على رئيس الدولة حلها. أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فرغم أن موسكو لا تزال عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنه حينها لم يكن لها أي دور مهم في الشؤون الدولية. لقد كان العالم أحادي القطب لمدة طويلة؛ في الواقع، كانت الولايات المتحدة منخرطة في غالبية العمليات على المسرح العالمي.

سيدة تبيع قطعة لحم كبيرة وسط حشود من الناس على أمل التغلب على أزمة النقص وارتفاع الأسعار في موسكو خلال الحقبة السوفياتية (غيتي)

«خطاب ميونيخ»

نقطة التحول كانت في عام 2007 عندما ألقى فلاديمير بوتين خطابه الشهير خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن»، وذكر فيه تهديدات صادرة من توسع حلف «الناتو»، كما أشار إلى عدم قبول الحالة أحادية القطب أو تجاهل القانون الدولي.

في الوقت نفسه، أشار الزعيم الروسي إلى أن موسكو ستتبع سياسة خارجية مستقلة، وإلى أن تطورات الأحداث على الساحة العالمية، بما في ذلك استخدام القوة، يجب أن تستند فقط إلى ميثاق الأمم المتحدة.

كان على روسيا أن تثبت هذه الأقوال بالأفعال في وقت قريب جداً. في أغسطس عام 2008 أرسلت جورجيا قواتها إلى أوسيتيا الجنوبية وقصفت قاعدة لقوات حفظ السلام الروسية هناك. وخلال الحرب التي استمرت 8 أيام، تمكنت موسكو من هزيمة تبيليسي، واعترفت بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا دولتين مستقلتين.

مع هذا، فإنه لم يتبع ذلك هدوء طويل الأمد. في نهاية عام 2010، اندلع ما يسمى «الربيع العربي» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في السنوات الأولى، لعبت روسيا دوراً سياسياً ودبلوماسياً في هذه الأحداث، وعملت بنشاط على منصة مجلس الأمن، لكن كما معروف، كان على موسكو لاحقاً أن تثبت قوة أسلحتها.

قبل ذلك، بدأت حالة التوتر في أوكرانيا. في عام 2014، على خلفية الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن، وقع انقلاب في كييف. أسقط ممثلو ما تسمى «المعارضة»، بدعم من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وذلك على الرغم من الاتفاقات لحل النزاعات وإجراء الانتخابات الرئاسية. وعارض سكان دونباس وشبه جزيرة القرم تطور الأحداث هذا.

في النهاية، أُجري استفتاء في القرم حول الانضمام إلى أراضي روسيا في مارس عام 2014، وأيد هذا القرار أكثر من 96 في المائة من الناخبين. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شبه جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية.

كان دونباس أقل حظاً؛ إذ استمر لسنواتٍ القتالُ المسلح بين متطوعي هذا الإقليم من جهة؛ والقوات الأوكرانية من جهة أخرى، وكان القتال بدأ في ربيع عام 2014، وأودى بحياة آلاف الأشخاص؛ بينهم نساء وأطفال.

وحتى على الرغم من توقيع «اتفاقيات مينسك» في عامي 2014 و2015، التي كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار وتسوية وضع دونباس، فإن قصف نظام كييف لم يتوقف حتى عام 2022. ورغم ذلك؛ فإن كثيرين بدأوا ينظرون إلى انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا بوصفه تحدياً من موسكو للولايات المتحدة ومحاولة روسية قوية للعب دور بارز على الساحة الدولية.

قوات جورجية تطلق النار فوق جدار على الجبهة في شمال غرب جورجيا أثناء الحرب الأهلية في يوليو 1993 (غيتي)

سوريا ونفوذ روسيا

أثبتت روسيا هذا بشكل أقوى في عام 2015، عندما بدأت العملية العسكرية في سوريا. آنذاك تمركز مقاتلو المعارضة ومجموعات إرهابية في ضواحي دمشق. كان هناك وضع حرج يتطور بالنسبة إلى السلطات المركزية في دمشق. ومع ذلك، فقد أدى القصف الجوي الروسي المكثف إلى وقف تقدم المتطرفين، ودفعهم إلى الوراء، وبدء تحرير المناطق الرئيسية بالبلاد التي جرى الاستيلاء عليها تقريباً منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011.

وأظهرت العملية العسكرية قدرات روسيا ونفوذها في الشرق الأوسط. فهذا النفوذ لم يعزز موقف موسكو في المنطقة فحسب؛ بل سمح أيضاً لفلاديمير بوتين بتقديم نفسه مدافعاً عن الاستقرار الدولي ضد التهديدات الإرهابية.

لكن سوريا لم تصبح نقطة أخيرة في تعزيز مواقف روسيا على الساحة الدولية. وعادت موسكو إلى أفريقيا، حيث كانت غائبة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي عدد من الحالات، تمكن فلاديمير بوتين من طرد فرنسا والولايات المتحدة. حدث هذا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى.

تقليدياً، يُنظر إلى روسيا على أنها تعارض الاستعمار، أو بشكل أكثر دقة: الاستعمار الجديد. وهذا ما يؤتي ثماره. فقد تمكنت موسكو من بناء تعاون اقتصادي وعسكري مع الدول الأفريقية على أساس الاحترام المتبادل ودون التضحية بمصالحها الخاصة.

ولكن ربما كان التحدي الرئيسي الذي واجهه فلاديمير بوتين هو قرار إجراء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، التي بدأت في فبراير (شباط) 2022. ويستمر القتال لحماية سكان دونباس، فضلاً عن نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا، حتى يومنا هذا.

تمكنت روسيا من تحرير مناطق كبيرة وإنشاء ما يسمى «الجسر البري» إلى شبه جزيرة القرم. بالإضافة إلى ذلك، توسعت حدود البلاد بسبب الاستفتاءات التي أُجريت في جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وكذلك في منطقتَي خيرسون وزابوروجيا.

أوكرانيون يعبرون مساراً تحت جسر مدمر أثناء فرارهم من ضواحي كييف في مارس 2022. (أ.ب)

علاقات بديلة

ومع ذلك، أصبح على روسيا أن تدفع ثمناً كبيراً مقابل السياسة السيادية والمستقلة. ورغم عدم وجود تصريحات رسمية حالياً بشأن عدد الخسائر في صفوف الجيش الروسي، فإن الأدلة غير المباشرة من المسؤولين الروس تشير إلى أنها تجاوزت خسائر الاتحاد السوفياتي في حربه بأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت موسكو لعقوبات وحشية وضغوطات سياسة واقتصادية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحلفائها.

في جوهره، كان الأمر يتعلق بمحاولة عزل روسيا سياسياً واقتصادياً ومالياً. ومع ذلك، لم تستطع الدول الغربية تحقيق ذلك. تمكنت موسكو من بناء علاقات تجارية بديلة، والحفاظ على اتصالات وثيقة مع الدول الآسيوية؛ بما فيها دول الشرق الأوسط. وبشكل عام، فإن الاقتصاد الروسي، رغم كل التوقعات، لم يَنْهَرْ، بل يظهر نمواً.

كانت السنوات الخمس والعشرين التي قضاها فلاديمير بوتين في السلطة بمنزلة حركة تقدمية للخروج من حفرة الأزمات التي وجدت روسيا نفسها فيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، نحو الاستقرار الداخلي وإحياء موسكو بوصفها لاعباً قوياً على الساحة الدولية.

وكما يعترف كثير من أولئك الذين ينتقدون سياسات فلاديمير بوتين، فإن شعب روسيا لم يَعِشْ بمثل هذا الثراء من قبل، ولم يَحْظَ سابقاً بمثل هذه الفرص للتنمية... سيارة شخصية، ورحلات إجازات في داخل البلاد وخارجها، وفرص شراء السلع الاستهلاكية دون أي قيود، والحصول على التعليم، وخلق مهنة في أي مجال... كل هذا أصبح ممكناً بالنسبة إلى كثير من سكان روسيا، رغم أنه قبل وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة لم يكن من الممكن تصور أي شيء كهذا.

في الوقت نفسه، أصبحت مسألة من سيحل محل بوتين، عندما تنتهي الفرصة التي يوفرها الدستور للاحتفاظ بالمنصب الرئاسي، ملحة بشكل متنامٍ، ولعل «اختيار مثل هذا الشخص وإعداده» هو التحدي الأهم الذي لم يواجهه فلاديمير بوتين بعد.

* كاتب روسي