جامعة الدول العربية تنظم في موسكو مؤتمراً موسعاً لتعزيز مكانة لغة الضاد

توصيات بإطلاق لجنة مشتركة... وآمال روسية في إحياء علوم الاستشراق

مؤتمر اللغة العربية بموسكو
مؤتمر اللغة العربية بموسكو
TT

جامعة الدول العربية تنظم في موسكو مؤتمراً موسعاً لتعزيز مكانة لغة الضاد

مؤتمر اللغة العربية بموسكو
مؤتمر اللغة العربية بموسكو

نظمت بعثة جامعة الدول العربية في موسكو مؤتمرا علميا موسعا يعد الأول من نوعه في روسيا منذ عقود، شهد حضورا كبيرا ضم ممثلين عن عشرات الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية الروسية التي تضم أقساما لتعليم اللغة العربية.
وعقد المؤتمر الذي حمل عنوان «تعليم اللغة العربية في روسيا: المشكلات والآفاق»، بالتعاون مع كلية الدراسات الشرقية التابعة لجامعة الاقتصاد العليا، ورابطة المغتربين العرب في روسيا «البيت العربي»، ومركز الدراسات الحضارية في بلدان الشرق. وشكل منصة للحوار وصفت من جانب الحضور بأنها «بالغة الأهمية في هذا التوقيت خاصة»، لأنها تلبي متطلبات المرحلة، لا سيما عبر تأسيس أطر علمية تعمل ضمن خطة واضحة، بغية الارتقاء بالمدرسة الروسية لتعليم اللغة العربية إلى مرحلة جديدة، تماشيا مع استعادة العلاقات بين روسيا والبلدان العربية زخمها، وتزايد الاهتمام مجددا باللغة العربية، والطلب المتزايد لدى مؤسسات الدولة والشركات الكبرى على خريجي الجامعات حملة اللغة العربية.
في مستهل المؤتمر ألقى سفير جامعة الدول العربية في موسكو جابر حبيب جابر، كلمة افتتاحية، عبر فيها عن قناعته بأن مستوى الإقبال على المشاركة في المؤتمر من جانب المؤسسات التعليمية والأكاديمية الروسية «يعد مؤشرا واضحا على تزايد الاهتمام باللغة العربية في روسيا المعاصرة». وتوقف عند الروابط الحضارية والثقافية بين روسيا والعالم العربي، وأشار بصورة خاصة إلى دور مدرسة الاستشراق الروسية التي خرجت آلافا من أعلام المستعربين والأكاديميين، فضلا عن «الإسهام الكبير من الجانب العربي الذي قدمه رواد عرب تأثروا بالحضارة الروسية وشكلوا جسرا ثقافيا وتعليميا بين روسيا والعالم العربي»، وقال إن «جامعة الدول العربية عملت منذ سنوات على تطوير آليات التواصل لدعم نشر اللغة العربية والثقافة العربية»، مؤكداً أنها «تولي اهتماما كبيرا لدفع الجهود والمساهمة في إنجاح كل نشاط يعزز آفاق تعليم اللغة العربية».
وأشاد عميد السلك الدبلوماسي العربي في روسيا، السفير المغربي عبد القادر لشهب، في كلمته بمبادرة بعثة جامعة الدول العربية، وقال إن «روسيا كانت بين البلدان التي أولت اهتماما متزايدا بلغة الضاد، منذ أن وصلت إليها عبر الفتوح الإسلامية في القرن السابع الميلادي». وأشار إلى «الاهتمام المتزايد من قبل المجتمع الروسي بمعرفة اللغة العربية وآدابها»، و«الإقبال المطرد على تعلمها، حيث أصبحت تُدرس في أكثر من 30 جامعة في روسيا، وتزايد عدد الطلاب المسجلين في فروع اللغة العربية ثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمس الأخيرة في جامعات موسكو».
في حين توقف السفير الفلسطيني عبد الحفيظ نوفل عند الروابط الكبرى والمجالات الواسعة التي تشكل أساسا لتطوير العلاقات بين روسيا والعالم العربي، مشيرا إلى أن توسيع تعليم اللغة العربية يشكل أساسا لتوفير فرص عمل في مجالات التعاون المختلفة. وأشار إلى أن «العملية متبادلة» كاشفا عن قرار فلسطيني بإنشاء مدرسة روسية في كل مدينة فلسطينية.
من الجانب الروسي، رأى مدير مركز الدراسات الحضارية لبلدان الشرق أندريه تشوبريغين أن الأهمية الخاصة للمؤتمر لا تقتصر على كونه مدخلا لتوسيع وتعزيز اللغة العربية في روسيا، بل لأنه يمنح أول دفعة مهمة من سنوات طويلة لإحياء النقاشات حول علوم الاستعراب عموما في روسيا.
وخلال ورشات العمل قدم أكثر من 30 مشاركاً، يمثلون عشرات الجامعات والمؤسسات التعليمية، أوراق عمل، ناقشها الحضور، بمشاركة أكثر من 60 باحثاً، مثلوا 24 مؤسسة تعليمية عليا من 7 مدن في روسيا. وتوقف المشاركون عند التحديات التي يواجهها تعليم اللغة العربية في روسيا، وبينها الحاجة إلى تعميم برامج تعليم اللغة العربية في المرحلة المدرسية، ووضع مناهج مدرسية محددة للتعليم تحصل على اعتماد رسمي لدى المؤسسات المختصة، فضلا عن وضع «خريطة طريق» لحل مشكلة اعتماد اللغة العربية ضمن نظام الامتحان الموحد للقبول الجامعي. وفي إطار الحلول لمشكلات تواجهها الجامعات، شدد المشاركون على ضرورة دفع الجهود لتنظيم دورات تدريبية للطلاب المستعربين في بلدان المشرق العربي، وتعزيز التعاون مع المؤسسات التعليمية وجامعات البلدان العربية.
وأعد المشاركون وثيقة ختامية للمؤتمر، تضمنت جملة توصيات شددوا فيها على أهمية «تعاون المؤسسات التعليمية الروسية مع المؤسسات الدبلوماسية والأكاديمية والثقافية والاجتماعية للبلدان العربية في روسيا»، وقالوا إن هذا التعاون «يشكل مدخلا مهما وفعالا لحل هذه المشكلات وغيرها من المسائل الملحة في مجال تعليم اللغة العربية»، وبناء عليه اقترح منظمو المؤتمر «تشكيل لجنة روسية - عربية دائمة، تعمل على تعزيز التعاون في مجال تعليم اللغة العربية في روسيا». ويخطط المشاركون لدعوة ممثلي وزارة التربية ووزارة العلوم والتعليم العالي الروسية، للمشاركة في أعمال اللجنة.
كما نصت التوصيات على التعاون مع «المدارس السعودية» في موسكو التي راكمت على مدى سنوات خبرة عملية كبرى في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. وكان للمدرسة السعودية حضور لافت في المعرض الثقافي الذي رافق أعمال المؤتمر، وشارك فيه عدد من دور النشر المهمة التي تخصصت في مجالات اللغة والثقافة العربية، فضلا عن مشاركة السفارات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية العربية فيه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».