دبابات الحرب العالمية الثانية تعود إلى شوارع باريس احتفالا بسبعينية تحريرها

الأرمني دكران كان أول من قاد المقاومين إلى قلب العاصمة

دبابات الحرب العالمية الثانية تعود إلى شوارع باريس احتفالا بسبعينية تحريرها
TT

دبابات الحرب العالمية الثانية تعود إلى شوارع باريس احتفالا بسبعينية تحريرها

دبابات الحرب العالمية الثانية تعود إلى شوارع باريس احتفالا بسبعينية تحريرها

بعد أن شاهدوا الحدث الواقعي عشرات المرات على الشاشة، عاش الباريسيون وقائع مستعادة من ذلك اليوم التاريخي الذي مرت ذكراه الـ70، أمس، وفيه دخلت القوات الفرنسية لتحرير مدينتهم الجميلة من الاحتلال الألماني وغزو القوات النازية في الحرب العالمية الثانية.
واستيقظ المقيمون والسائحون في العاصمة، أمس، على دبابات قديمة ترابط عند مفارق الشوارع ومداخل الأحياء المختلفة، وفيها جنود يرتدون البزات العسكرية للزمن الماضي، ويحملون البنادق البدائية، ويقودون دراجات نارية من النوع المزود بكرس جانبي لراكب ثان، وهي تفاصيل لم يرها أبناء الجيل الجديد سوى في أفلام السينما. وطوال النهار، توالت الاحتفالات في كافة مراكز العاصمة لتنتهي بسهرة كبرى في ساحة مبنى البلدية التاريخي المطل على نهر السين، في قلب باريس، مع خطاب لرئيس الجمهورية، فرنسوا هولاند، يليه استعراض بالصوت والضوء.
وفي اثنين عطلة استثنائي تمتع به الباريسيون، كانت قنوات التلفزيون ومحطات الإذاعة تبث وتكرر العبارة الشهيرة للجنرال شارل ديغول، يوم عاد إلى عاصمته منتصرا انتصار الفاتحين، قاصدا قوس النصر: «باريس غاضبة، باريس معذبة، لكن باريس محررة».
وقد أفردت الصحف الفرنسية وقنوات التلفزيون صفحات وبرامج كثيرة للجهد البشري الذي كان وراء تحرير المدينة، التي توصف بأنها الأجمل في العالم، فقد حرص كل من الغزاة والأهالي والجيش وقوات المقاومة الشعبية على الحفاظ على التراث المعماري والفني المتميز والتاريخي لها، وقد دامت معركة تحرير باريس 7 أيام، قُتل فيها 901 مقاوما و76 مجندا من الكتيبة المدرعة الثانية ونحو من 2800 مدني. ومن الجانب الألماني بلغ عدد القتلى 3200 عسكريا، وجرى أسر 12 ألف مجند من العدو.
تحية خاصة، أدتها الصحافة لمقاوم أرمني كان من بين الجنود المجهولين الذين لعبوا دورا مهما في التحرير، فقد كان دكران لورنيان (35 سنة) صاحب دراجة يقوم بنقل اللوازم ما بين المستشفيات والسجون ومراكز الشرطة، وقد استغلت المقاومة حريته في التنقل من دون إثارة الشبهات ومراقبة تجمعات الألمان، وعشية يوم التحرير طلب جاك شابان دلماس، الذي كان يومها قائدا للكتيبة المدرعة الثانية، من دكران أن يقود قافلة الكتيبة عبر الطرقات الخالية من قوات العدو، وقد نجح في مهمته، وبفضله عبرت مجموعة من المقاتلين الإسبان الجمهوريين إلى العاصمة من مدخلها الجنوبي، وكانت أول الداخلين لتحريرها، ووصلت القوة إلى قلب المدينة 24 من أغسطس (آب)، قبل 70 عاما.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».