تتطلب جميع عمليات التطهير الجيدة الاستعانة برجل شرير؛ لكن جو هارت يستحق أن يتذكره التاريخ في صورة أكبر من مجرد عبارة هامشية في واحدة من فترات الازدهار. هل تتذكرون الأيام الغابرة المظلمة الإنجليزية الاستثنائية؟ هل تذكرون الجيل الذهبي، والصورة التي بدا عليها لاعبو إنجلترا، وكأنهم ينهارون ويتداعون تحت أشعة الشمس؟
هل تذكرون مشهد ديفيد بيكام وهو يجلس خلف مدربه فابيو كابيلو في جنوب أفريقيا، مرتدياً سترة مميزة تنتمي للطراز الفيكتوري، بينما تفترس ألمانيا المنتخب الإنجليزي، وبدت عليه علامات الحيرة، وكان أشبه بصورة كارتونية لفأر ماهر للغاية ووسيم للغاية، يعيش داخل قصر كبير، ويرتدي ساعة مزودة بسلسة؛ لكنه أدرك في تلك اللحظة فقط أنه لا يستطيع الحديث أو الوقوف أو قيادة سيارة؟
ودعونا ننتقل سريعاً إلى المنتخب الإنجليزي الحالي، وحجم التغيير الهائل الذي طرأ عليه، ليس فقط فيما يتعلق باللاعبين الذين يبدون اليوم أكثر ارتياحاً واسترخاءً على كثير من الأصعدة، وإنما كذلك البيئة والضجة المحيطة بهم. ومن بين أفضل السمات التي يتميز بها المنتخب اليوم، الشعور الكبير بالتواضع. في الواقع، لقد أثبتت الأيام أن أحد العناصر المحورية التي كانت تنقص المنتخب الإنجليزي، الشعور بالتواضع. ويبدو أننا اتخذنا قراراً بالاختلاء بأنفسنا بعض الوقت، وإعادة التفكير في كل ما عايشناه، ونظرنا طويلاً إلى أنفسنا في المرآة، وأخيراً اتخذنا قراراً بتقليل شعورنا بالزهو والخيلاء بأنفسنا.
بدلاً عن ذلك، أصبحت إنجلترا متواضعة، وأصبحت من أفضل الفرق في إظهار التواضع. ويتميز لاعبو الجيل الحالي باللياقة والذوق في التعامل ولطف المعشر، في الوقت الذي تقوم فيه رؤية المدرب على فضائل التقشف والجدية والخشونة.
واليوم، يبدو المنتخب فخوراً بتواضعه، في وقت يتمتع بمهاجم ممتاز، ويسعى باستمرار لضم لاعبين صاعدين موهوبين.
الآن ومع مرور عام على نجاح الحارس جوردون بيكفورد في ترسيخ وجوده، باعتباره الخيار الأول للمنتخب الإنجليزي في مركز حارس المرمى، يمر عام منذ مشاركة الحارس جو هارت الأخيرة والنهائية مع المنتخب الإنجليزي. من يذكر هارت اليوم؟ ذكر هذا الاسم اليوم ربما سيثير هزة كتف توحي باللامبالاة، أو ربما ضحكة مكتومة. في الواقع، جميع عمليات التطهير الكبرى تتطلب رجلاً شريراً. وخلال العام الأخير، تحول هارت إلى الاسم المتكرر عند الحديث عن العصر الجديد، وبدا هدفاً سهلاً للساعين نحو عقد مقارنات.
وعندما جرى تكريم غاريث ساوثغيت خلال مأدبة عشاء العام الماضي، ظهر اسم هارت على نحو متكرر في الأحاديث التي حاولت توضيح حجم الاختلاف والتجديد الذي أصبح عليه المنتخب الإنجليزي، وكذلك حجم التواضع. وخلال الفترة السابقة لمباراتي جمهورية التشيك ومونتينيغرو، حذر لاعب سابق بالمنتخب الإنجليزي بيكفورد من ضرورة أن يحرص على عدم «التحول إلى جو هارت». أو بمعنى آخر، ألا يبالغ في تقدير ذاته وأهميته، وهو واحد من الدروس المستفادة التي يجري تكرارها عن حقبة ما قبل التواضع.
إلا أنه في واقع الأمر، تبدو قصة هارت أكثر إثارة من ذلك بكثير، خصوصاً أن التحول في مسيرته المهنية كان صادماً. خلال السنوات الثلاث الماضية، استغنى عن هارت كل من مانشستر سيتي والمنتخب الإنجليزي ووست هام يونايتد، والآن بيرنلي هذا الموسم. خسر بيرنلي 13 من إجمالي 19 مباراة في الدوري، شارك خلالها هارت. واخترقت شباكه ثلاثة أهداف أو أكثر تسع مرات، وسقط 13 مرة أمام كرات انطلقت من خارج منطقة المرمى.
وعندما ننظر إلى أبعد من ذلك في ملحمة هارت، نجد أن الأمر يتحول إلى ما يشبه لغزاً أو محاولة لفك «شفرة دافنشي» المتعلقة بحالة الفزع التي سيطرت على المنتخب الإنجليزي في تلك الفترة.
خلال الفترة بين عامي 2010 و2016، شارك هارت في أربع بطولات، كانت كل واحدة منها تجربة مؤلمة على نحو فريد. وقد شارك في المباراة التي انتهت بالهزيمة أمام أوروغواي وكذلك الهزيمة أمام آيسلندا. وخلال المباراتين، كان لافتاً أنه بدلاً من صد الكرات المصوبة باتجاه مرماه، بدا هارت مكتفياً بالسقوط قريباً من الكرة.
وجاءت مواجهة أمام إيطاليا في كييف في دور الثمانية بكأس الأمم الأوروبية، لتنقله إلى نقطة جديدة تماماً، ذلك أن هارت لمس الكرة في تلك الليلة 85 مرة، بينما بدا أن لاعبي إنجلترا كانوا يفرون منها في هلع. وخلال المباراة، عمد هارت إلى استفزاز والسخرية من اللاعبين الإيطاليين الذين لعبوا ركلات الترجيح. وبذلك، ارتبط اسم هارت بالغطرسة الإنجليزية، وأصبح سفيراً لجيل خلا سجله من الإنجازات. اليوم، يقترب أبناء هذا الجيل من الـ30 أو تجاوزها بقليل، وينظر إليهم الناس باعتبارهم مجموعة الفتية الضائعين الذين شاركوا في «يورو 2012» ويملكون أرصدة بنكية متخمة بالملايين.
اليوم، من السهل تحويل هؤلاء اللاعبين إلى شخصيات كارتونية وقصص من حقبة ما قبل التنوير، تستوحي منها الأجيال الأصغر العبرة؛ لكن الحقيقة تظل أنهم لاعبونا، ونحن من صنعنا هالة الفراغ وغياب الرعاية التي نموا داخلها. والحقيقة أن هارت على وجه التحديد، وبالنظر إلى فوزه بجائزة القفازات الذهبية من قبل، وتحقيقه أعلى رقم قياسي في تاريخ إنجلترا بحفاظه على شباكه نظيفة لأكثر من 50 مباراة دولية، يستحق منا جميعاً أفضل من ذلك، ويستحق منا أن نتذكره بصورة أفضل.
الحارس هارت وزملاؤه... جيل ذهبي تميّز بالغطرسة
الحارس هارت وزملاؤه... جيل ذهبي تميّز بالغطرسة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة