حافلة إلكترونية عامة تجوب شوارع القاهرة

مزودة بخدمة الإنترنت ووسائل ترفيهية

الحافلة الجديدة من الداخل
الحافلة الجديدة من الداخل
TT

حافلة إلكترونية عامة تجوب شوارع القاهرة

الحافلة الجديدة من الداخل
الحافلة الجديدة من الداخل

بعد سلسلة من الأتوبيسات من أشهرها، «المكيف» و«الموحَّد» و«النهري» و«أبو دورين»، حل ضيف جديد على منظومة النقل العام في العاصمة المصرية القاهرة، وهو الأتوبيس «الإلكتروني».. وبحسب المسؤولين، فإن الوافد الجديد عبارة عن حافلة صغيرة «ميني باص» مزودة بخدمة الإنترنت ووسائل ترفيهية تجذب الركاب.
إبراهيم جمال، وهو شاب في الثلاثينات، يتابع أخبار الأتوبيس الجديد بمزيد من اللهفة والتشوق ويقول: «الآن أستطيع تصفح بريدي الإلكتروني ومتابعة آخر مستجدات الأخبار وأنا في طريقي إلى العمل»، معربا عن سعادته بطرح أول أسطول حافلات صغيرة تحتوي على خدمة الإنترنت اللاسلكي (واي فاي)، بجانب خدمات ترفيهية تسمح لك بأن تستمتع بجو من الهدوء والسكينة».. ويتابع هو ينتظر الحافلة الجديدة: «لا شك أنها تجربة فريدة من نوعها في البلاد».
ومع حلول العام الجديد بدأت هيئة النقل العام مشروع إحلال وتجديد خطوط المواصلات العامة، وطرح أول أساطيلها من الحافلات الصغيرة المزودة بأحدث أنظمة التكنولوجيا العالمية والتقنيات الرقمية الحديثة. ويقول المتحدث الإعلامي باسم محافظة القاهرة خالد مصطفي لـ«الشرق الأوسط» إنه «في سياق المشروع الجديد، جرى طرح 24 ميني باص دفعة أولى، ضمن خطة (شركة القاهرة للنقل الجماعي)، وهي واحدة من 13 شركة تابعة للهيئة، بتجديد أسطولها كل ست سنوات، وهذه الدفعة من أصل 200 ميني باص تعمل على كل الخطوط الموجودة بالمحافظة» مضيفا: «الأسطول الجديد بلغت تكلفته ثمانية ملايين جنيه، وهو مزود بخدمة الإنترنت اللاسلكي المجاني، وشاشات عرض لخط السير للجمهور، وشاشات عرض ترفيهية تعرض بعض الإعلانات، وبرامج التوعية السلوكية، إلى جانب خدمة صوتية للتنبيه بأسماء المحطات للركاب، بجانب إمكانية دفع قيمة التذكرة نقدا أو بكارت ذكي مدفوع مقدما يجري شراؤه من محطات الأتوبيسات».
ويأتي طرح الأسطول الجديد ضمن خطة للارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين، وتشجيعهم على استخدام المواصلات العامة بدلا من سياراتهم الخاصة التي تعد أحد أهم الأسباب للتكدس المروري بالعاصمة، حيث تشير الإحصاءات الأخيرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد السيارات الخاصة المرخصة في القاهرة وصل إلى 3.10 مليون سيارة وهو يعد أكبر عدد مقارنة بالمحافظات الأخرى، بما يفسر ظاهرة التكدس المرور التي بات يعاني منها الجميع.
كما يقول محمد سامي 35 عاما (مهندس مدني): «أعتقد أن خطة تطوير المواصلات العامة خطوة على طريق حل مشكلة التكدس المروري بالعاصمة التي باتت صداعا لا شفاء منه، فالأسطول الجديد مزود بكل الوسائل الترفيهية والخدمية، كما أنه أسرع وأكثر راحة من التنقل بالسيارة الخاصة، حيث أعاني كثيرا من القيادة في الزحام».
ويأتي مشروع إحلال وتجديد الحافلات العامة بعد قرار الهيئة العامة للنقل العام بالامتناع عن تجديد الرخصة للحافلات الصغيرة للنقل الجماعي التي مر عليها أكثر من ست سنوات، لذا كان يتعين على شركة القاهرة للنقل الجماعي إحلال وتجديد أسطولها، وهو ما ستفعله بالتبعية الـ12 شركة الأخرى التابعة للهيئة عندما تنتهي فترة السنوات الست، كما يقول اللواء هشام عطية رئيس هيئة النقل العام التابعة لمحافظة القاهرة، مشيرا إلى أن الحافلات الصغيرة (الميني باصات) مكيفة الهواء بجانب الخدمات الترفيهية الأخرى وستسير بشوارع العاصمة في خطوط مختلفة.
ولم يسلم مشروع الحافلات الجديد من انتقادات المصريين، فرغم أن البعض يرى أنها خطوة على الطريق الصحيح، فإن كثيرين يرون أن هذا المشروع مجرد ترفيه، في وقت لا مجال فيه للترفية، خاصة أن البلد يعاني مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية شائكة كان ينبغي الالتفات لحلها أولا، كما يقول محمد شعراوي (32)عاما، الذي أضاف: «لا شك أن طرح أسطول مواصلات عامة بهذا الشكل شيء جيد، ولكن ليس هذا وقته، فهناك مشكلات أخرى حساسة وتمثل أولوية بالنسب لأغلب المواطنين، وكان يجب على الدولة حلها للمواطن قبل التفكير في تزويد مواصلاته العامة بخدمة إنترنت لاسلكي.. ثم إن عدد المستفيدين من هذه الخدمة لن يكون كبيرا، حيث إن أغلبية الشعب المصري ينتمون للطبقة الكادحة التي ربما لا تعرف كيف تستخدم الإنترنت من الأساس». لكن المسؤولين بهيئة النقل العام بالقاهرة يؤكدون أن الأسطول الجديد يأتي تدعيما للعربات القديمة البالغ عددها 200 عربة، ويعمل على الخطوط القديمة نفسها دون استحداث أو تجديد. وبحسب مصدر بالهيئة نفسها لـ«الشرق الأوسط»، فإن «الـ200 ميني باص التي سيجري طرحها لا تعمل على خطوط جديدة؛ بل على الخطوط القديمة نفسها التي تغطي كل أنحاء المحافظة، مضيفا: «يبلغ سعر تذكرة الميني باص الجديد جنيهين ونصف الجنيه، وتعمل الدفعة الأولى من الأسطول بخطوط شبرا – المطار، وشبرا - المظلات، على أن تقوم الشركة (القاهرة للنقل الجماعي) بطرح باقي الأساطيل التي ستعمل على الخطوط القديمة نفسها في الأشهر القليلة المقبلة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».