في موسم المدارس: الصيدليات تدخل المنافسة على جيوب الطلبة

في حين يستعد أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة في السعودية لبداية العام الدراسي

الأسبوع الأخير من الإجازة الصيفية يعتبر الفترة الماسية لمحلات بيع أدوات القرطاسية
الأسبوع الأخير من الإجازة الصيفية يعتبر الفترة الماسية لمحلات بيع أدوات القرطاسية
TT

في موسم المدارس: الصيدليات تدخل المنافسة على جيوب الطلبة

الأسبوع الأخير من الإجازة الصيفية يعتبر الفترة الماسية لمحلات بيع أدوات القرطاسية
الأسبوع الأخير من الإجازة الصيفية يعتبر الفترة الماسية لمحلات بيع أدوات القرطاسية

مع دخول موسم «العودة إلى المدارس» في السعودية، تتوجه الأعين عادةً إلى محلات بيع أدوات القرطاسية ومتاجر الزي المدرسي، لكن يبدو أن كعكة الموسم الدسمة قد جذبت نشاطات غير مألوفة تحاول أخذ حصة من هذه الكعكة، مثل الصيدليات ومتاجر الأجهزة الإلكترونية ومحلات المفروشات؛ التي أعلنت إطلاق عروض تحت اسم «مهرجان العودة للمدارس»، في محاولة طريفة لجذب جيوب المستهلكين المخصصة هذه الفترة لشراء الاحتياجات المدرسية.
وتحاول الصيدليات السعودية الدخول إلى بوابة «العودة للمدارس» عبر وضع هذا الشعار في عروضها المقدمة على معقمات اليد والكريمات الواقية من الشمس ومنظفات الأسنان وأنواع الصابون السائل، من خلال عرض صورة لطالب يحمل حقيبته استعدادا للذهاب إلى المدرسة أمام هذه المنتجات، على اعتبار أنها تمثل أحد الاحتياجات الضرورية للعودة إلى الدراسة.
ويعلق على ذلك محمد محفوظ، وهو صيدلي بمدينة الدمام، قائلا: «حملة (العودة إلى المدارس) نسعى فيها إلى تذكير الأهالي بضرورة شراء هذه الأغراض لأبنائهم، فهي حملات تذكيرية وليست تعريفية، لأن معظم هذه المنتجات يجري شراؤها بصورة دورية من قبل الأسرة، لكن قد ينسونها في زحمة التحضير لأغراض العودة للمدارس».
وتبدو القصة مختلفة لدى محلات المفروشات، التي وضعت مجسمات لأطفال يرتدون الزي المدرسي ويقفون خلف عبارة «العودة إلى المدارس»، لتكون هذه الأجواء بمثابة التسويق لتجهيز غرف نوم الأطفال، بما في ذلك مفارش السرير وقطع السجاد ومصابيح الإنارة المكتبية، وتأتي هذه القطع بألوان زاهية تنسجم مع ذوق الأطفال، بينما تحمل بعضها رسومات لشخصيات عالم الكارتون الشهيرة، حيث وضع أحد المتاجر عبارة تقول «تتوافر لدينا منتجات ديزني ومارفل الأصلية».
أما محلات متاجر الأجهزة الكهربائية، فهي تحاول كذلك الاستفادة من موسم «العودة للمدارس» على طريقتها، حيث تقدم العروض على ساعات التنبيه بأنواعها، على اعتبار أنها مهمة لإيقاظ الطالب صباحا، إلى جانب أكواب حفظ الحرارة التي تأتي بتشكيلة واسعة جدا، في تعزيز لعادة أن يأخذ الطالب معه كوبا من المشروب الساخن في طريقه إلى المدرسة، إلى جانب تسويق هذه المتاجر للمصابيح المكتبية والأرضية، ومعدات العناية بالشعر التي تستخدمها الفتيات، وأجهزة الحواسيب المحمولة. ولم يعد دخول متاجر السوبرماركت والهايبرماركت لسباق العودة إلى المدارس أمرا مستغربا، حيث أصبحت تضع هذه العروض بصورة سنوية، في تسويقها لبيع الحقائب المدرسية وأدوات القرطاسية في قسم مخصص وبارز لعملائها، على اعتبار أنها متاجر كبيرة وتبيع كل ما تحتاج إليه الأسرة، في حين تفضل بعض الأسر السعودية من ذوي الدخل المحدود التبضع منها، في اعتقاد سائد بأن أسعار هذه المنتجات أرخص من نظيراتها الموجودة في محلات القرطاسية والأدوات المكتبية.
ويبدو موسم العودة إلى المدارس ملتهبا هذا العام في السعودية، مع انتشار لافتات الطرق الترويجية، ووضع هذا الشعار على الكثير من المحلات والمتاجر الموجودة في المجمعات التجارية، في محاولة لاستثمار ميزانية الأسر المخصصة هذه الفترة لتجهيزات العودة إلى المدارس، الأمر الذي يزيد الضغوط المالية ويضاعف من الالتزامات الأسرية لمواجهة هذا السيل الجارف من العروض والإعلانات الترويجية. يأتي ذلك في حين يستعد أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة في السعودية للعودة إلى نحو 34 ألف مدرسة، تنتشر في جميع مناطق ومحافظات البلاد، في حين يمثل الأسبوع الأخير من الإجازة الصيفية الفترة الماسية لمحلات بيع أدوات القرطاسية، التي يتضاعف حجم الإقبال عليها بنسبة تفوق 800 في المائة، بحسب ما يفيد أصحابها، وهو ما يعني ضخ ملايين الريالات في هذا القطاع.
من ناحيتها، ترى نجوى فرج، وهي اختصاصية اجتماعية في مستشفى قوى الأمن بالرياض، أن هذه الفترة تمثل ضغطا كبيرا على ميزانية الأسر السعودية التي تجد نفسها تواجه طوفانا من العروض وأشكالا تسويقية من الصعب مقاومتها، قائلة: «كثير من الأسر قضت إجازاتها في السفر والسياحة المكلفة ماديا، ثم تعود لتدخل مباشرة في مصاريف المدارس وتجهيزات الطلاب، وهذا يسبب ارتباكا للكثيرين».
وتابعت فرج حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «يفترض على الأسر الواعية أن تكون قد خصصت ميزانية معينة لتجهيزات العودة إلى المدارس، بعيدا عن الانسياق وراء العروض التجارية البراقة، وكثير من الناس بدأوا فعليا في ذلك والتخطيط المسبق لهذه الفترة، حتى لا تمر الأسرة بأي مشكلات مادية». وأوضحت فرج أن ضغوطات هذه الفترة من العام تختلف بحسب الوضع المادي للأسرة وعدد الطلاب فيها.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة سابقة قدرت حجم سوق التعاملات المكتبية بنحو 7 مليارات ريال، تتصاعد سنويا بما لا يقل عن 8 في المائة في المكتبات والمحال المتخصصة والمقدر عددها بأكثر من 5 آلاف محل، وكشفت الدراسة التي أجرتها مجموعة «المكتبة» المتخصصة في بيع الأدوات المكتبية، عن أن الأثاث المكتبي في السعودية يحتل المرتبة الأولى بنحو 4 مليارات ريال سنويا، تليه الأجهزة الإلكترونية بنحو ملياري ريال، وتأتي أخيرا القرطاسيات والأدوات المدرسية بنحو مليار ريال سنويا.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)