طقس أبريل يميل إلى الكوميديا في مصر والرعب في أميركا

هل منع «فأر» ديزني «فيل» تيم بيرتون من الطيران؟

من فيلم «مقبرة الحيوانات»
من فيلم «مقبرة الحيوانات»
TT

طقس أبريل يميل إلى الكوميديا في مصر والرعب في أميركا

من فيلم «مقبرة الحيوانات»
من فيلم «مقبرة الحيوانات»

حكاية الفيل الطّائر لم تطر بعيداً في عروضه الأميركية. الارتفاع عن أرض الواقع كان عالياً، لكنّ ارتفاع الفيلم عن إيرادات سواه كان عادياً إلى منخفض.‬
اسم الفيل «دمبو»، وهو عنوان الفيلم المأخوذ عن فيلم كرتوني طويل أنتجته «ديزني» سنة 1941، عندما كانت معنية بصنع أفلام للصّغار فعلاً. احتوى على 64 دقيقة من حكاية ذلك الفيل الصغير الذي يطير والحيوانات الأخرى التي تستنجد به لحل أزماتها.
حينها، تقول مجلة «ذا فيلم دايلي»، في عددها الصّادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 1941، «كل دقيقة تحمل بهجة صرفة». وتضيف مجلة «فارايتي» في نقدها له: «شركة ديزني تعود إلى البهجة التي أثارها (فيلمها السابق) (سنو وايت)، والنتيجة مُحكمة بحيث سيكون من الخطأ تفويت مشاهدة ذلك الفيلم».
بعد 78 سنة يبدو الفيلم الجديد خالياً من مفعول التجديد في حكايته، ونضج في استخدام مؤثراته الخاصة. هناك مشاهد يعلو فيها فعل الإدهاش مذكراً بما كان لمخرجه تيم بيرتون من تأثير في منحى السينما الفانتازية، وبقدرته على توظيف خياله بذكاء، لكن المشاهد التي يهبط فيها الفيلم إلى مجرد روتينيات عمل أكثرَ. إنّه كما لو أن «الفأر» الرامز لاستديو «وولت ديزني»، غلب «الفيل» الذي أراده بيرتون. بكلمات أخرى غلبت المؤسسة وطريقتها في التنفيذ مواهب المخرج الذي أراد أن يختلف لكنّه أذعن للتّقليد.
حكاية «لايكا»
هكذا، وبعد دفن 170 مليون دولار في صنعه، انجلت أرقام «الويك إند» الأول للفيلم عن 45 مليون دولار في كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. حتى يطير «الفيل» عالياً، كما يصوّره الفيلم، عليه أن يتجاوز إيراده 550 مليون دولار. إن وصل إليها يكون حقق نجاحاً بسيطاً.
لكنّ «ديزني» لم تخطئ في اختيار الوقت المناسب. فهي أول من يدلي بدلوه بين الاستديوهات الأخرى بالنسبة للأفلام الفانتازية الحية هذا الشّهر. علماً بأنّنا على بعد أيام قليلة فقط من إطلاق شركة صغيرة، ولو أنّها أنجزت نجاحات عدة في العامين الماضيين، اسمها «أنابورنا»، فيلم رسوم متحركة بعنوان «ميسينغ لينك». الفيلم، وقد شوهد في عرض خاص، بارد في إيقاعه، لكنّه قد يجلب الصّغار أفواجاً وراء أفواج بسبب شخصيته المسماة «لايكا» التي تتصرّف بغباء ونبل في الوقت ذاته.
على أنّ معظم أفلام الشّهر الحالي ليست في وارد التوجه للصّغار، وتسليتهم، بل تطرق باب الكبار وتحثهم على زج أنفسهم تحت سماء ضبابية، نظراً لأنّها أفلام تشويق ورعب في غالبها. من بين ما سيعرض هذا الشهر «هلبوي» (Hellboy) الذي هو إعادة صنع لفيلم كان غيير مودل تورو (شكل الماء) حققه سنة 2017، الفيلم الجديد لمخرج جديد اسمه نيل مارشال، ويعد بأن يكون أشرس من الفيلم السابق. ديفيد هاربور يلعب دور المخلوق الذي يجمع الخير والشّر في ذاته مع ميلا جوفوفيتش وإيان ماكشين.
فيلمان سيدخلان معارك الوصول إلى القمة هذا الشّهر. أحدهما فانتازيا من الأكشن والكوميدي أسرت بعض النقاد بعنوان «شازام».
الفيلم الثاني سيعرض قرب نهاية الشّهر بعنوان «أفنجرز: نهاية اللعبة»، وبه ستعاود «ديزني» طرق باب السباق واثقة، هذه المرّة، من فوز كبير. ليس فقط أنّ كل أفلام «أفنجرز» أنجزت ما وعدت به من نجاح، بل لأنّ «ديزني» وصانعي الفيلم يردّدون بأنّ هذا الفيلم، الذي يتحدث عن أم المعارك بين أهل الأرض وأهل الفضاء، سيكون الأخير في السلسلة.
مقبرة ستيفن كينغ
هناك حزمة كبيرة من أفلام الرّعب ستتسلّل إلى عروض هذا الشّهر. والوضع هنا أنّ سينما الرّعب الأميركية تماثل، من حيث تعددها كل سنة، ما كانت «سينما الوسترن» تنتجه من أفلام في الأربعينيات والخمسينيات عندما كان كل فيلم منتج من أصل اثنين أو ثلاثة هو فيلم «كاوبوي».
هذا كلّه يبدأ بفيلم آخر من نوع إعادة الصنع هو «مقبرة الحيوانات الأليفة» (Pet Sematary)، وهو الفيلم المبني على خيالات الكاتب الشهير ستيفن كينغ الذي قال عن الرواية التي وضعها في سنة 1983 إنّها «من بين جميع ما كتبت، هي أكثر الروايات التي أرعبتني».
نسخة 1989 أخرجتها ماري لامبرت، وأسندت أدوارها إلى رهط من غير المعروفين باستثناء ستيفن كينغ نفسه الذي أذكر أنّه لعب دوراً صغيراً ككاهن. هذا لم يمنع من نجاحها، بل أيضاً، تحقيق المخرجة جزءاً ثانياً بعد ثلاث سنوات.
غني عن القول إنّه فيلم رعب، وإنّ موضوعه لا يزال النبش في مقبرة حيوانات أليفة. بطل الفيلم (جايسون كلارك) وعائلته ينتقلون للعيش في منزل ويكتشفون شيئين؛ الأول أنّ هناك مقبرة بجانب منزلهم والثاني أنّ أحداً لم يخبرهم المثل العربي الذي يقول «لا تنام بين القبور وتشكو من المنامات الوحشة».
الأفلام المرعبة الأخرى تتكفّل بجوانب مختلفة مما هو مفزع، أو بما هو راغب في الإفزاع، لكنّه يتحوّل غصباً عنه، إلى ضحك ساخر ومكتوم.
في «لعنة لورونا»، حيث الأم الشريرة، وربما المسكونة، تقرّر مواجهة امرأة تعمل في الخدمات الاجتماعية كونها حاولت مساعدتها من ثمّ إنقاذ أطفال مهددين بسببها.
في «شارون تايت الممسوسة» (العنوان الإنجليزي أقرب إلى المعنى المنشود وهو «The Haunting of Sharon Tate»)، يدور حول المجزرة المروعة التي تعرّضت لها الممثلة الصاعدة (في السبعينيات) شارون تايت عندما اقتحم تشارلز مانسون وزبانيته منزلها في لوس أنجليس، وقتلها وجنينها وعدداً من الموجودين الآخرين في البيت. طبعاً هي زوجة رومان بولانسكي، ومن المثير للاهتمام معرفة رد فعله على فيلم لا ريب يريد توظيف المأساة إلى صندوق شباك التذاكر.
ولدينا فيلم رعب رابع بعنوان «الصّمت»، وهو نسخة غير بعيدة عن فيلم جون كازينسكي «مكان هادئ» الذي خرج للعروض في صيف العام الماضي. فالوحوش المخيفة هنا تستدل على ضحاياها عبر الصّمت… ما يضفي قدراً من التلاعب بالصّوت والصّمت طوال الوقت. الفيلم الجديد يجعل ميدان أفلام التشويق والرّعب مليئة بحالات الإعاقة. هو مثل الفيلم السّابق، يحتوي على فتاة في دور رئيسي، لكنّها في «مكان هادئ» لا تتكلّم، وهنا لا تسمع، وفي فيلم «نتفلكس» المعروف «بيرد بوكس» على الناجين ألّا يروا… ربما في غد قريب نجد أن النجاة هي حكر لمن يجمع الصّفات الثلاث العمى والخرس والطّرش.
اللعبة أميركية في مصر
هذا يسحبنا إلى ما تعرضه صالات السينما المصرية من أفلام تعكس حالات.
هل من باب المصادفة أنّ فيلم «122» يقدّم حكاية فتاة خرساء وبكماء؟ وأنّ فيلم «قصة حب» تدور أحداثه حول شاب أعمى؟ ثم هل دارت عجلة هذا النوع من الأفلام بتأثير ما من فيلم «يوم الدين» الذي حققه أبو بكر شوقي وعرضه مهرجان «كان» في السنة الماضية؟
شيء واحد مؤكد، هو أنّ فيلم «يوم الدين» الذي يدور حول رجل كان أصيب بمرض الجذام الذي تركه هشاً ومشوّهاً، كان فيلماً جاداً، في حين يأتي «قصة حب» كعمل عاطفي عن الشّاب الذي فقد البصر، لكنّ هذا لا يمنعه من الحب وتلقي الحب.
«122» و«قصة حب» فيلمان عاطفيان لتمضية الوقت. الأول من تحقيق ياسر الياسري، والثاني من إخراج عثمان أبو لبن.
بعيداً عن الأفلام التي تتعاطى الإعاقات البدنية، نجد أنّ هناك فيلمين آخرين معروضان في القاهرة هذه الأيام يلتقيان عند خاصرة أخرى هما «كفرناحوم» و«قرمط بيتمرمط»؛ الأول للمخرجة نادين لبكي والثاني لأسد فولدكار. الفارق أنّ «كفرناحوم» حكاية لبنانية جادة، والثاني حكاية مصرية كوميدية.
الإقبال على هذين الفيلمين كان عادياً في عمومه، لكنّ هذا ليس غريباً على عاصمة تعرض عدة أفلام عربية (مصرية غالباً) ومتنوعة في كل أسبوع. ومن المثير أنّ باقي الأفلام لا تخلو من أعمال تتراءى، والنّاقد لم يشاهدها بعد واعدة.
هذا الوعد يتبدّى في فيلم «اللعبة الأميركاني» للمخرج مصطفى أبو سيف، وهو ابن المخرج محمد أبو سيف الذي هو ابن أحد أهم مخرجي السينما المصرية الراحل صلاح أبو سيف. الشّائع هنا أنّ الفيلم يتناول، كوميدياً، الوضع الاقتصادي، وما يعانيه شاب وفتاة على أهبة الزواج منه.
فيلم آخر من النوع الطارح لمواضيع اجتماعية - اقتصادية معروض حالياً (بإقبال طفيف) بعنوان «الحلم البعيد».
جرت مشاهدته على أنه دراما اجتماعية مصاغة بأسلوب وثائقي، وإخراجه موزع بين اثنين، المصري مروان عمارة والألمانية جوهانا دومكي. ميزانية صفر مع مزج بين حكاية درامية وشكل تسجيلي يتناول أوقات عاملين في فندق يقع في شرم الشيخ.
حتى سنوات قليلة، كان الفندق (والمنطقة) يعجّ بالسّياح. الآن هناك قليلون بسبب الظّروف الأمنية والحال المضطربة. يتابع الفيلم حياة وأحاديث وبعض أعمال فريق من الموظفين وما يتداولونه من مشكلات واهتمامات. الممثلون غير محترفين والحوار بينهم يجري طبيعياً، لكنّه لا يحتوي على صنعة أو احتراف، كذلك شؤون مختلفة من شؤون العمل السينمائي.
المشاهد ممثلة، لكن الصياغة أو المعالجة تسجيلية. وهذا ما يجعل الفيلم يفقد ناصية الاهتمام به كفيلم روائي من دون أن يكسب وضعه كفيلم تسجيلي. بعض المفادات مطروحة بتكرار واضح والمشاهد، كونها لا تريد أن ترتفع بوتيرة ما، خالية من المواقف الفعلية. نتعرّف على الشّخصيات التي سريعاً ما تنطوي على حالاتها وتفشل في إثارة اهتمام بها أو بالمواضيع التي تطرحها، ولو أنّ الفيلم، في بعض أوجهه، يرمي إلى طرح مسائل إنسانية واجتماعية وبعض ثقافة الوضع الحاضر.
باقي الأفلام المصرية من نوع الأكشن الصّافي أو الممتزج بالنّوع الكوميدي، مثل «عيش حياتك» لتامر بسيوني، و«خط الموت» لمحمد عادل، و- مؤخراً - «حرب كرموز» لبيتر ميمي.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».