البابا فرنسيس في الرباط: الكنيسة تنمو بالاستمالة لا بالتبشير

حض الأقلية المسيحية في المغرب على التعايش

البابا يغادر بعد قداس أقامه في الرباط أمس (أ.ف.ب)
البابا يغادر بعد قداس أقامه في الرباط أمس (أ.ف.ب)
TT

البابا فرنسيس في الرباط: الكنيسة تنمو بالاستمالة لا بالتبشير

البابا يغادر بعد قداس أقامه في الرباط أمس (أ.ف.ب)
البابا يغادر بعد قداس أقامه في الرباط أمس (أ.ف.ب)

ترأس البابا فرنسيس أمس الأحد، في الملعب الرياضي مولاي عبد الله في الرباط، قداساً دينياً حضره نحو 10 آلاف شخص، وذلك في اليوم الثاني لزيارته للمغرب بدعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وأعرب البابا في كاتدرائية الرباط الكاثوليكية عن تأييده للأقلية المسيحية في المغرب. وقال: «المسيحيون أقلية صغيرة في هذا البلد. ومع ذلك، فإنه في رأيي، هذه ليست مشكلة رغم أنني أدرك أن الأمر قد يكون صعبا على بعضكم في بعض الأوقات».
وكثيرا ما يوجه محافظون من الكاثوليك انتقادات لموقف البابا المناهض لبذل جهود منظمة لاستقطاب من يحتمل إدخالهم في المسيحية. وقوبل البابا بالتصفيق عندما قال: «الكنيسة تنمو بالاستمالة لا بالتبشير». وخرج البابا عن نص خطابه المكتوب ليؤكد «رجاء لا تبشير!».
وأضاف: «وهذا يا أصدقائي الأعزاء معناه أن مهمتنا كأفراد معمدين وقساوسة ورجال ونساء نذروا أنفسهم، لا تتحدد في الواقع بعدد أو حجم المساحات التي نشغلها بل بقدرتنا على تحقيق التغيير وإيقاظ الدهشة والرحمة». وقال البابا فرانسيس: «المشكلة ليست عندما يكون عددنا قليلا، ولكن عندما نكون محدودي الأهمية».
ودعا الأقلية المسيحية في المغرب إلى الانخراط في حوار. وذكر أنه «بهذه الطريقة، سوف تقومون بكشف وتعرية كل محاولة لاستغلال الخلافات والجهل من أجل زرع الخوف والكراهية والصراع».
وأوضح البابا فرنسيس أن دور أفراد الأقلية المسيحية في تلك الدولة ليس السعي إلى إدخال جيرانهم في المسيحية بل في التعايش بأخوة مع الأديان الأخرى.
واستغل البابا فرنسيس رحلته التي انتهت أمس للتأكيد على الحوار بين الأديان. كما أيد مساعي الملك محمد السادس للعمل على نشر الاعتدال الديني لتعزيز الحوار بين الأديان ورفض العنف باسم الدين.
يشار إلى أن المسيحيين يمثلون أقلية صغيرة في المغرب، حيث يشكل المسلمون 99 في المائة من السكان البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة.
ويبلغ عدد المسيحيين الكاثوليك في المغرب 23 ألفا أغلبهم من الوافدين من أوروبا وخاصة فرنسا ومن المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ولا تعترف السلطات المغربية بمن يعتنق المسيحية من المغاربة. وكثيرون منهم يمارسون شعائر الدين سرا في بيوتهم. فالتحول عن الإسلام إلى المسيحية ممنوع كما هو الحال في كثير من الدول الإسلامية كما أن القانون يعاقب على ممارسة التبشير بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وحث البابا فرنسيس العالم السبت على تغيير موقفه إزاء المهاجرين، حيث هلك الآلاف في السنوات الأخيرة أثناء محاولاتهم للوصول إلى أوروبا. وقال إنه يجب النظر إلى المهاجرين «كأشخاص وليس كأرقام»، ولا بد أن يتمتعوا بحقوقهم وكرامتهم في الحياة اليومية وفي القرارات السياسية.
والتقى البابا فرنسيس أمس بالرباط بكهنة مسيحيين وراهبات في كاتدرائية القديس بطرس.
وحيا البابا بحرارة، في بداية اللقاء، الراهب جون بيير شوماخر (94 سنة)، آخر الناجين من حادث مقتل رهبان دير تيبحيرين بالجزائر، والذي يقطن حاليا بدير «سيدة الأطلس» بمدينة ميدلت. وقبل كل منهما يد الآخر، وسط تصفيقات الحضور.
وبعد الاستماع لشهادتين لكاهن (الأب جرمان) وراهبة (الأخت ماري)، ألقى البابا فرنسيس كلمة أشاد فيها بتوفر الأجواء المناسبة بالمغرب للمسيحيين من أجل ممارسة شعائرهم في أفضل الظروف، وهو ما من شأنه تعزيز الحوار والتعاون والصداقة، بين المسلمين والمسيحيين، داعياً، من جهة أخرى، إلى نبذ الحقد والنزاع، لكونهما يشكلان تهديدا للاستقرار.
واعتبر البابا فرنسيس أنه يمكن ضمان استمرار الحوار باسم «الأخوة الإنسانية التي تجمع البشر جميعا، وتوحدهم وتنشر المساواة بينهم، رغم سياسات التعصب والتفرقة، التي تعبث بمصائر الشعوب، وليس بالعنف والحقد والهيمنة العرقية والدينية والاقتصادية»، مسلطاً الضوء على أهمية الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين لتقوية ثقافة اللقاء والتعايش والأخوة.
إثر ذلك، حيا البابا فرنسيس بطريقة رمزية الراهبة والكاهن الأكبر سناً في الأبرشية، قبل أن يترأس صلاة خاصة.
وحضر هذا اللقاء مسلمون ومسيحيون من عدة دول عربية وأفريقية وأوروبية، تكريسا لتمازج الثقافات وتعايش الأديان منذ قرون بالمملكة المغربية، واستمرار هذا التعايش، بفضل مبادرات الملك محمد السادس على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، ما يجعل منه بلد الانفتاح والتعددية والتنوع في إطار الوحدة الوطنية.
وقال أغريلو مارتينيز أسقف مدينة طنجة، في تصريح صحافي بهذه المناسبة: «أود أن يسمع جميع المسيحيين والمسلمين في ربوع العالم أننا أولا إخوة ولسنا متنافسين، كما أننا نعمل معا في أرض المغرب من أجل بناء عالم تسوده العدالة والسلام».
وفي تصريحات مماثلة، أعرب الكثير من الرهبان والكهنة أن حضور البابا بكاتدرائية القديس بطرس يكتسي أهمية بالغة بالنظر للدلالات العميقة والرسائل القوية التي بعثها للعالم من خلال الخطاب الذي ألقاه قداسته بهذه المناسبة.
والتقى البابا أمس الأحد بتمارة (ضواحي الرباط)، عددا من أعضاء ومتطوعي المركز القروي للأعمال الاجتماعية الواقع بقرية مرس الخير.
ولدى وصوله إلى المركز، الذي تشرف على إدارته راهبات من إسبانيا، استقبل البابا من طرف عامل (محافظ) الصخيرات - تمارة، يوسف اضريس، قبل أن يطلع قداسته على الأعمال الخيرية والتطوعية للمركز، والتي تشمل تقديم خدمات الرعاية الصحية ودروس محو الأمية للأطفال والبالغين.
ويقدم هذا المركز أيضا، مساعدة طبية قيمة للمواليد الجدد، وكذا في الطب النفسي بدعم من اختصاصيين في المجال.
إثر ذلك، زار البابا مختلف مرافق المركز التي تشمل أربع بنايات، هي مستوصف خاص بالنساء والأطفال، وقاعة مخصصة لدروس محو الأمية لفائدة الأطفال والبالغين، وقاعة للإطعام، إلى جانب بناية مخصصة للراهبات المشرفات على المؤسسة.
بعد ذلك، التقى البابا الذي كان مرفوقا بوفد مهم يتألف من شخصيات مرموقة من الفاتيكان، وسفير الفاتيكان في الرباط المونسينيور فيتو رالو، بعدد من الأطفال في وضعية إعاقة، كما استمع إلى شهادات أوليائهم الذين أعربوا عن امتنانهم للراهبات اللائي يدرن المركز. كما تابع البابا والوفد المرافق عرضا غنائيا شمل باقة من الأناشيد الترحيبية أداه أطفال المركز.
وفي ختام الزيارة، قدم البابا فرنسيس للمركز «أيقونة دينية منحوتة للعائلة المقدسة»، كما تلقى عدة هدايا عبارة عن مجموعة من أعمال الطرز المغربي مقدمة من طرف مسؤولي المركز.
يشار إلى أن المركز القروي للأعمال الاجتماعية، مفتوح في وجه كل من يرغب في القيام بأعمال تطوعية، كما أن الكثير من الممرضات والأطباء يقدمون خدماتهم في مجال الرعاية الصحية مجانا بالمركز، الذي يشكل مثالا ملموسا لقيم الانفتاح والحوار والتسامح.
وكان البابا قد التقى مساء السبت بالرباط، مهاجرين نظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء بمقر الجمعية الخيرية «كاريتاس». وركز البابا في كلمة ألقاها خلال هذا اللقاء، على أهمية توفير الضيافة والحماية والتعزيز والإدماج لفائدة المهاجرين، لتمكين كل من يرغب في تقديم المساعدة، من جعل هذا الالتزام ملموساً وحقيقياً، معتبرا أن تقدم المجتمعات لا يمكن أن يقاس فقط من خلال التطور التكنولوجي أو الاقتصادي، بل يتوقف على القدرة على التأثر والتعاطف.
وأبرز البابا فرنسيس أنه لا يمكن التفكير في استراتيجيات واسعة النطاق، قادرة على منح الكرامة بمجرد الاقتصار على أعمال رعاية اجتماعية تجاه المهاجر، مؤكدا ضرورة انخراط المهاجرين في هذا الإطار.
وأضاف بابا الفاتيكان «هنا، نجد مسيرة نقوم بها معا، كرفاق سفر حقيقيين، سفر يلزم الجميع، مهاجرين ومحليين، في بناء مدن مضيافة، تعددية ومتنبهة لعمليات تجمع الثقافات، قادرة على تقييم غنى الاختلافات في اللقاء مع الآخر»، مسجلا أن الكثير من المهاجرين يمكن أن يشهدوا بمدى أهمية الالتزام في هذا الإطار.
وأكد البابا، خلال اللقاء، الذي تخللته لوحة فولكلورية قدمها أطفال مهاجرون يستفيدون من خدمات جمعية «كاريتاس» بالمغرب، أن توسيع قنوات الهجرة النظامية يعد أحد الأهداف الرئيسية للميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي تم اعتماده في ديسمبر (كانون الأول) الماضي خلال المؤتمر الأممي الحكومي الدولي الذي استضافته مراكش، معتبرا أن هذا الميثاق يشكل خطوة مهمة بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يواجه، ولأول مرة، المسألة على المستوى متعدد الأطراف.
يذكر أن الملك محمد السادس، وبابا الفاتيكان السبت بالرباط، قاما بزيارة لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات. وشاهد ملك المغرب وبابا الفاتيكان شريطا وثائقيا حول أهداف المعهد ومهامه ومختلف إنجازاته، قبل أن يلقي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق كلمة بحضور العاهل المغربي ورئيس الكنيسة الكاثوليكية، أكد فيها أن تكوين الأئمة والمرشدات، وهي المهمة التي من أجلها أنشأ الملك محمد السادس هذا المعهد، يقع في صميم ما هو منوط بالملك من حماية الدين.
وأضاف الوزير أنه، ومن أجل حماية الدين، أمر العاهل المغربي، منذ اعتلائه العرش، بسلسلة من الإصلاحات الهيكلية لتدبير هذا الشأن، وبإدخال حيوية قائمة على التوافق بين الصيغ المؤسساتية الحديثة في التدبير وبين مقاصد الدين في مختلف الجوانب.
وسلم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية البابا فرنسيس «دليل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات»، وكذا بعض إصدارات المعهد ذات الصلة بالديانة المسيحية باللغتين العربية والإنجليزية.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».