الصين تقدم مقترحات «غير مسبوقة» لحل أزمة التجارة مع أميركا

واشنطن تغازل بكين برفع بعض الرسوم... وترمب يتوقع إبرام «اتفاق جيّد»

الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر لدى وصوله إلى بكين أمس (أ.ف.ب)
الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر لدى وصوله إلى بكين أمس (أ.ف.ب)
TT

الصين تقدم مقترحات «غير مسبوقة» لحل أزمة التجارة مع أميركا

الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر لدى وصوله إلى بكين أمس (أ.ف.ب)
الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر لدى وصوله إلى بكين أمس (أ.ف.ب)

قال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو، أمس (الخميس)، إن الولايات المتحدة قد ترفع بعض الرسوم الجمركية عن الصين وتُبقي البعض الآخر سارياً في إطار آلية لتنفيذ اتفاق تجاري بين البلدين، فيما أشار مسؤولون أميركيون إلى أن الصين قدمت «مقترحات غير مسبوقة» خلال المحادثات التجارية.
وأدلى كودلو بتعليقاته للصحافيين على هامش المؤتمر السنوي لبنك التصدير والاستيراد الأميركي، بينما تتفاوض الصين والولايات المتحدة على اتفاقية للتجارة لتخفيف ثمانية أشهر من التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، إن الولايات المتحدة ستبرم اتفاقاً تجارياً «جيداً للغاية» مع الصين. بينما وصل الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر، ووزير الخزانة ستيفن منوتشين، إلى بكين أمس، لحضور جولة جديدة من محادثات التجارة مع مسؤولين صينيين. وستعقب هذه المحادثات جولة جديدة في واشنطن الأسبوع القادم.
وقال منوتشين للصحافيين في فندق بالعاصمة الصينية: «لايتهايزر وأنا مسروران بالعودة إلى هنا في بكين ونتطلع لعقد اجتماعات مثمرة».
من جانبها، قالت وزارة التجارية الصينية أمس، إن ليو هي، نائب رئيس الوزراء، سيعقد محادثات تجارية الليلة (أمس) مع لايتهايزر ومنوتشين. وقال قاو فنغ المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، في إفادة صحافية، إنه من المتوقع أن تستمر المحادثات ليوم كامل، اليوم (الجمعة). وأضاف أن «الجانبين حققا بعض التقدم خلال محادثات هاتفية سابقة، لكن ما زال هناك الكثير من العمل لإنجازه».
من ناحية أخرى، قال مسؤولون أميركيون لـ«رويترز»، مساء أمس (الأربعاء)، إن الصين قدمت مقترحات «غير مسبوقة» بشأن عدد من القضايا تذهب إلى مدى أبعد مما عرضته في السابق، بما في ذلك النقل القسري للتكنولوجيا.
وقال مسؤول في الإدارة الأميركية، من بين أربعة مسؤولين بارزين تحدثوا إلى «رويترز»، إن الصين قدمت مقترحات خلال المحادثات كانت أكثر إيجابية مما سبق، بما في ذلك مقترحات تتعلق بنقل التكنولوجيا. وأضاف أن المفاوضين حققوا تقدماً فيما يتعلق بتفاصيل الاتفاقات المكتوبة التي صيغت لتهدئة المخاوف الأميركية.
لكنه أشار إلى أن المحادثات «لم تصل بعد إلى المنطقة التي يستهدفونها»، مضيفاً أن المفاوضين الصينيين «يتحدثون عن النقل القسري للتكنولوجيا بطريقة لم تحدث من قبل من حيث النطاق والتفاصيل». وقال إن المحادثات ستستمر ما دام هناك تقدم يتحقق في القضايا الرئيسية.
وأضاف مسؤول آخر بالإدارة: «قد تستمر حتى مايو (أيار) أو يونيو (حزيران)، لا أحد يعلم. قد يتم ذلك في أبريل (نيسان)... لا نعلم»، مشيراً إلى أن الجانبين ما زالت بينهما خلافات بشأن حقوق الملكية الفكرية وكيفية تنفيذ أي اتفاق.
وقال المسؤول الثاني إن «بعض الرسوم الجمركية ستظل مفروضة... سيكون هناك تخفيف في هذا المجال لكن لن نتخلص من كل الرسوم الجمركية. لا نستطيع». وقال المسؤول الأول إن دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومجتمع الأعمال لموقف ترمب المتشدد من الصين أكسبه جرأة في الدفع لإبرام اتفاق يتناول كل المشكلات القائمة منذ فترة طويلة في التجارة مع بكين.
وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رسوماً جمركية إضافية على واردات صينية بنحو 250 مليار دولار العام الماضي، في خطوة لحمل الصين على تغيير الطريقة التي تدير بها تجارتها الخارجية وعلى فتح اقتصادها أمام الشركات الأميركية.
ومن بين مطالب ترمب أن توقف بكين ممارسات تقول واشنطن إنها تؤدي إلى سرقة ممنهجة لحقوق الملكية الفكرية الأميركية والنقل القسري للتكنولوجيا إلى الشركات الصينية.
وأعلن رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، أمس، أن بكين ستخفف من حجم القيود التي تحكم عملية الوصول إلى الأسواق، مع مراجعة القائمة السلبية للاستثمارات الأجنبية.
وخلال كلمته ومشاركته في منتدى «بواو» الآسيوي المنعقد في بلدة «بواو» بمقاطعة هاينان جنوبي الصين تحت عنوان «المستقبل المشترك والعمل المتضافر والتنمية المشتركة»، قال «لي» إنه بنهاية شهر يونيو المقبل، ستقوم الصين بمراجعة أخرى للقائمة السلبية للاستثمار الأجنبي وإصدار اللائحة المُحدَّثة، وذلك في إطار التزامها بوعدها للانفتاح بشكل أكبر. وأضاف أن اقتصاد الصين يشهد منذ بداية العام الجاري ظهور تغييرات إيجابية وتحسُّن فيما يتعلق بتوقعات السوق.
وأكد أن الصين لن تلجأ إلى التحفيز الاقتصادي الضخم لتعزيز النمو، ولكنها ستواصل الانفتاح والابتكار لتعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد.
وكان المجلس التشريعي الوطني الصيني قد وافق في وقت سابق من الشهر الجاري على قانون الاستثمار الأجنبي الذي سيصبح سارياً في أول يناير (كانون الثاني) عام 2020، والذي يوفر دعماً قانونياً أفضل لحماية وجذب الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن تنظيم السلوكيات الحكومية.
ويشار إلى أن الاجتماع السنوي لمنتدى «بواو» الآسيوي لعام 2019 انطلق، الثلاثاء، بمشاركة أكثر من ألفي ضيف من نحو 60 دولة، لتبادل الخبرات والسعي إلى التوافق في الآراء حول قضايا الحوكمة العالمية والإقليمية والقوة المحركة للابتكار.


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو المستجدات الإقليمية والموضوعات المشتركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي خلال لقاء جمعهما على غداء عمل في باريس (واس)

وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات غزة ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي جان نويل، الجمعة، التطورات في قطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (باريس)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».