الإبداع لا حدود له، ينبش في الطبيعة الزاخرة، من قاع البحر إلى رمل الصحراء. يطوع كل شيء لينتهي الأمر بتصميم فريد، سواء كان حُلياً أو لوحة فنية أو قطعة ملابس، أو حتى حقيبة.
وصحيح أن العالم العربي مليء بالمبدعين من المصممين الشباب، إلا أن القليل منهم من يستطيع أن يصل بأفكاره إلى مساحات غير مطروقة من قبل. وربما يكون من هؤلاء المصرية دينا الشيخ، التي وقعت في غرام الصدف. ألهمها وميضه بفكرة تصميم حقائب تمزج بين نفحات الطبيعة وبين حرفية الأيدي الماهرة.
التقت «الشرق الأوسط» بالمصممة المصرية دينا الشيخ، مؤسسة علامة «صَدَفة» لتروي حكاياتها مع الصدف. فن التصميم لم يكن بعيداً عن دينا الشيخ، فهي تخرجت عام 2005 من الجامعة الأميركية بعد دراسة التصميم، وصقلت دراستها بالسفر إلى ميلانو، والالتحاق بمعهد «بورجو» الإيطالي للتصميم والموضة. تقول: «مارست تصميم الأزياء وتنسيقها لسنوات، فأنا أعشق الموضة المعاصرة وجنونها، وفي الوقت ذاته يأسرني التراث المصري، لذلك بحثت عن خط يلتقي فيه هذا التراث مع الاتجاهات العصرية».
ومن الموضة إلى تصميم المجوهرات، تقترب دينا الشيخ أكثر إلى مفهوم الحرف اليدوية؛ حيث التحقت بمعهد «عزة فهمي» للحُلي، وهناك تعلمت فن تصميم المجوهرات. تقول: «في ذلك الوقت كنت منغمسة في عدد من فنون التصميم، وبشكل موازٍ أمارس هواية التصوير في شوارع مصر القديمة، وهنا كانت الصُدفة وراء إطلاق علامة (صَدفة). فكل مصري يعشق الفن والتصميم يجد بغيته في الأحياء القديمة، الزاخرة بالمعمار الإسلامي، وصوت ورش الحرفيين المصريين. عندما تابعتُ أنامل الحرفيين عرفتُ أن بدايتي الحقيقية ستكون من هنا»؛ لكن من ناحية أخرى كان لديها انجذاب فطري للبحر، وترى في قاعه كنوزاً لم تُكتشف بعد.
وتقول عن الصدف: «يزداد وهج الصدف كلما تعرض للضوء والألوان. شعرت بأنه قطعة حُلي أهدتها الطبيعة للمرأة».
في ربيع 2016، أطلقت دينا علامة «صَدَفة» رسمياً. تقول عن البدايات: «كل خطوة كانت صُدفة، من دراسة التصميم والحلي، ثم حب التصوير، وشغفي بالتراث والحضارة المصرية، وولعي بالموضة والخطوط العصرية، وصولاً إلى وهج الصدف. كل هذه العناصر تضافرت لتخرج علامة (صَدفة) إلى النور».
أما عن الحرفية والتقنيات التي استخدمتها، فتشرح بأن «الصَّدف أنواع بحسب البحر الذي يعيش فيه؛ حيث هناك عوامل بيئية تشكل لونه وجودته، ومنها تيار البحر، ودرجة الملوحة، ودرجة الحرارة. ففي البحر الأحمر على سبيل المثال يميل إلى اللون الأبيض بفضل الحرارة ودرجة الملوحة المرتفعة، أما في نيوزيلندا فهو أقرب إلى الأزرق المعروف باسم (paua)، وفي أستراليا يغلب الأبيض المُطعم بظلال خضراء، بينما يميل في عُمان إلى الوردي».
العملية بالنسبة لدينا الشيخ تبدأ بجمع الصدف على اختلاف أنواعه، لتبدأ في تحويله إلى خامة يمكن أن تدخل في تصميم الحقائب. أما عن التصاميم التي تأخذ شكل صناديق فهي إرث من التراث المصري، توارث صنعها الحرفيون أباً عن جد. ورغم أن صناعة صندوق المجوهرات من الصدف والأرابيسك تراجعت، فإنه لا يزال في مصر من يحفظ أسرار صنعها. مع هؤلاء تعاونتْ لإعادة تقديم هذا الإرث بأسلوب عصري.
ولا تخفي الشيخ أن علامة «صَدَفة» تقوم بخطوات تجريبية؛ خصوصاً أن «تصميم حقيبة من الصدف بالنسبة لي يختلف عن الطريقة التقليدية. فأنا مثلاً لا أحدد التصميم بشكل مُسبق. في المقابل أركز على الصدف، أُكسِّره، ومن شكله أبدأ عملية الإبداع، فيما يُشبه لعبة ممتعة تنتهي دائماً بخروج قطعة لا تعترف بزمن؛ بحيث يمكن توريثها لأجيال قادمة، من دون أن يسرق الزمن شيئاً من وميضها».
أكثر ما تحرص عليه، أن تأتي كل قطعة بشكل يناسب كل زمان ومكان، إضافة إلى تركيزها على مفهوم «صُنع في مصر». «فمنذ إطلاق (صَدَفة)، أسعى أنا وفريقي إلى أن نقدم منتجاً مصرياً، لا سيما بعد قرار تحرير سعر الصرف منذ أكثر من عامين تقريباً، وهو ما أسفر عن تراجع الجنيه مقابل الدولار، وانعكس على ارتفاع أسعار الخامات المستوردة. كان لا بد أن نختار هذا المفهوم حتى نستمر، لذلك فكل الخامات والمواد مصنوعة بالكامل في مصر يدوياً؛ بداية من العلبة الداخلية المصنوعة من الخشب عالي الجودة، وصولاً إلى الملحقات الخارجية، مثل السلسلة المعدنية».
استوحت أول مجموعة طرحتها من التراث الإسلامي. زينتها بشعارات ونجوم من العمارة الإسلامية. أما المجموعة الثانية فتقول دينا الشيخ إنها تعكس نشأتها في كوت ديفوار. فقد استوحتها من الأزياء الأفريقية بألوانها الساطعة. لم تخلُ بالطبع من الحامض النووي المصري.
سنوات قليلة مرت على انطلاق علامة «صَدَفة»، إلا أن نجمها بزغ بين النجمات والمشاهير. تقول دينا الشيخ: «منذ إطلاقها وحقائب (صدفة) تنال إعجاب نجمات، مثل ليلى علوي، وهند صبري، ويسرا، وأمينة خليل، وبسمة، وريهام عبد الغفور، وعلا رشدي؛ لكن ظهور حرم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السيدة انتصار السيسي، بواحدة من حقائب (صدفة) خلال مؤتمر الشباب العام الماضي، كان بمثابة رسالة مبطنة بدعم حقيقي لشباب المصممين المصريين».
7:57 دقيقة
دينا الشيخ... مصرية تُطوع الصَّدف في حقائب تحضن أسرار كل الأزمنة
https://aawsat.com/home/article/1653351/%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%8F%D8%B7%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%91%D9%8E%D8%AF%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%AA%D8%AD%D8%B6%D9%86-%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D9%86%D8%A9
دينا الشيخ... مصرية تُطوع الصَّدف في حقائب تحضن أسرار كل الأزمنة
- القاهرة: إيمان مبروك
- القاهرة: إيمان مبروك
دينا الشيخ... مصرية تُطوع الصَّدف في حقائب تحضن أسرار كل الأزمنة
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة