نجوم الطقس .. مشاهير أميركا الجدد

موجة البرد الشديد زادت شهرة مذيعي ومذيعات الطقس

آل بوكر (تلفزيون إن بي سي) و جنجر زي (تلفزيون إيه بي سي)
آل بوكر (تلفزيون إن بي سي) و جنجر زي (تلفزيون إيه بي سي)
TT

نجوم الطقس .. مشاهير أميركا الجدد

آل بوكر (تلفزيون إن بي سي) و جنجر زي (تلفزيون إيه بي سي)
آل بوكر (تلفزيون إن بي سي) و جنجر زي (تلفزيون إيه بي سي)

مع موجة البرد القارس في الولايات المتحدة، صار مذيعو ومذيعات الطقس في القنوات التلفزيونية الأميركية من أشهر الشخصيات في أميركا. وزاد بعضهم شهرة، مثل الأسود العملاق الفكاهي ألان روكار، في تلفزيون «إن بي سي»، ويعد عميد مذيعي الطقس في الولايات المتحدة. ومنذ عشرين سنة، يظل يطل كل صباح على الأميركيين في برنامج «توداي» (اليوم). وينافسه بوب رايان الذي عمل لثلاثين سنة مع تلفزيون «إن بي سي»، ثم انتقل أخيرا إلى تلفزيون «إيه بي سي».
وهناك مايك بيتيز، وجيم كانتور. يعمل الأخيران في «وذار تشانيل» (قناة الطقس) التي تتخصص في كل شيء له صلة بالطقس. مثل: تنبؤات، كوارث، خلفيات تاريخية، دروس أكاديمية، أفلام.
وخلال السنوات القليلة الماضية، زاد عدد مذيعات الطقس. وصارت لهن مواقع في الإنترنت، ومعجبون ومعجبات، واقتراحات زواج «في يوم طقسه رائع».
ها هي الشقراء ألكساندرا ستيل، المذيعة في قناة الطقس. وكما يقول عنها معجبوها: «جمعت الجمال والذكاء»، وذلك لأنها حصلت على ماجستير من كلية الصحافة في جامعة نورث ويستيرن (ولاية إلينوي)، وتعمل للحصول على الدكتوراه في صحافة الطقس.
وها هي صاحبة الشعر الأسود داغمار ميدكاب، في تلفزيون في أتلانتا (ولاية جورجيا). وها هي صاحبة الشعر الأسمر دومينيكا دافيس، في تلفزيون «فوكس». ويقال إنها اشتهرت، أيضا، لأنها واحدة من سمراوات قليلات في هذه القناة اليمينية المحافظة التي تركز على المذيعات الشقراوات. (يقال إنها تفعل ذلك عمدا، لأسباب سياسية، وآيديولوجية).
ومع زيادة التعددية والتنوع في المجتمع الأميركي، كان لا بد أن تظهر مذيعات طقس لاتينيات، وسوداوات. مثل جاكي غوريدو، في تلفزيون «يونيفيشان» الأميركي الناطق بالإسبانية. والسوداء هارييت كاميرون، في تلفزيون محلي في واشنطن العاصمة.
وفي عصر الإنترنت، ظهرت قنوات طقس خاصة تذيع فيها مذيعات يجمعن التنبؤات، ثم ينشرنها. غير أن بعضهن واجه حملات نقد في «فيس بوك» و«تويتر»، وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك لميل المذيعات نحو الإثارة أكثر من الطقس: مذيعة ترتدي فستانا قصيرا جدا، وأخرى ترتدي «بكيني» سباحة عندما يكون الطقس «استوائيا».
في كل المجالات، ومع موجة البرد الشديد هذا الأسبوع، زادت شهرة مذيعي ومذيعات الطقس. وفجأة صار صحافيون وصحافيات مثل نجوم التلفزيون والسينما، تجرى معهم مقابلات صحافية بواسطة صحافيين آخرين، مثل راكيل لوبتزت، في صحيفة «واشنطن بوست».
قال لها جون هويلار، في تلفزيون في فارغو (ولاية نورث داكوتا)، إن هذا ليس وقت الشهرة، لكنه وقت العمل. ونفى أن شهرته بسبب «الأخبار السيئة» التي ينقلها للمشاهدين. وقال إنه، أحيانا، بل في كثير من الأحيان، ينقل أخبار طقس رائع.
كيف الطقس في نورث داكوتا هذه الأيام؟ أجاب: «أبرد من القطب الشمالي».
وقال جون زيغلار، في تلفزيون دلوث (ولاية منيسوتا): «47 درجة فهرناهيت تحت الصفر. نعم، أحس بالألم وأنا أقول ذلك للمشاهدين».
وقال آدم كلارك، أيضا في دلوث: «أحيانا، أتعب من تكرار كلمات مثل (بارد جدا) و(صقيع) و(لا يصدق)، وأنصح المشاهدين بأن يحذروا البرد الشديد، وأن يرتدوا ملابس ثقيلة عندما يخرجون من منازلهم».
ولأن أخبار الطقس البارد مكررة، يلجأ البعض إلى لقطات مثيرة. مثل المذيعة التي أحضرت قهوة ساخنة جدا من «ستارباك»، ورشتها أمام الكاميرا، فتجمدت القهوة في الحال. ومثل التي فقست بيضة وكأنها تريد أن تقليها، فتجمد البيض في الحال. (عادة، يفعل مذيعو التلفزيون هذا عندما يكون الحر شديدا: يفقسون البيض فوق شارع الإسفلت، فينضج في الحال).
وقال المذيع هويلار: «أحس وكأنني طبيب. أقل من خطورة الأخبار السيئة. وأشجع الناس على أن غدا سيكون أفصل. وبدلا من أن أنصحهم بتناول أدوية، أنصحهم بأن يرتدوا ملابس ثقيلة عندما يخرجون من منازلهم».
وقللت المذيعة جين كارفاغنو، في تلفزيون الطقس، من أهمية سؤال عن زيادة الإقبال (خاصة من جانب الرجال) على المذيعات الجميلات خلال أيام البرد القاسي، لكن قالت: «نعم، يزيد عددنا، ونحن فخورون بذلك».
وأخيرا، نشرت صحيفة «بيزنس تايمز»، وهي اقتصادية، قائمة أجمل عشر مذيعات طقس في الولايات المتحدة. وكتبت: «يوما بعد يوم يزيد عدد مذيعات الطقس، ويوما بعد يوم يزيد جمالهن». ونشرت إحصائيات أن بعضهن صار أكثر شهرة من مذيعي ومذيعات نشرات الأخبار المسائية الرئيسية في القنوات الهامة في الولايات المتحدة. وعلقت في خبث: «سيأتي يوم يكون فيه الطقس ساخنا دائما وكل يوم». استعملت كلمة «هوت» (تعني «ساخن»، وتعنى، أيضا، وسط الجيل الجديد «فتاة مثيرة»).



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)