«حراس الدين»... مزيج متطرف

هيكله التنظيمي مُعقد ومستقبله غامض

مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)
مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«حراس الدين»... مزيج متطرف

مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)
مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)

مر ما يقارب العام على ظهور تنظيم «حراس الدين» الإرهابي شمال غربي سوريا، وعلى الرغم من مخاوف الخبراء الأمنيين من أن التنظيم الوليد سوف يشكل خطراً على استقرار الأوضاع الأمنية في سوريا والعراق، خصوصاً أنه مزيج من تنظيمات متطرفة مختلفة مثل «القاعدة»، و«جبهة النصرة»، و«داعش»، «وطالبان»، فإن مختصين في الحركات الأصولية أكدوا أن نشاط «حراس الدين» ضعيف جداً بالمقارنة بـ«جبهة النصرة» المنشق عن «القاعدة»... وأن انضمام عناصر من «داعش» إليه وارد جداً، خصوصاً مع تشظي التنظيم الداعشي، عقب هزائمه في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية.

أكد مراقبون أن «حراس الدين» يمتلك بنية هيكلية وتنظيمية مُعقدة جداً، تعد من أكثر البنى تعقيداً، وتدير التنظيم شخصيات تحمل من الحنكة والخبرة الكثير، خصوصاً على الصعيد الأمني... فتراكم خبرات قيادات التنظيم الذين كانوا جزءاً من «القاعدة»، و«داعش»، و«جبهة النصرة»، أسهم في ظهور هذه البنية المعقدة.
ويشار إلى أن التقسيمات الداخلية لـ«حراس الدين» تشكل قوة وضعفاً للتنظيم في آن واحد، حيث ساهمت الانقسامات السابقة في التنظيمات الموالية لـ«القاعدة» إلى حد كبير في الحفاظ على سرية العمل لدى «حراس الدين»، ومنحته قدرة تمويه جديدة على تحركات قياداته ومناطق وجودهم؛ لكنها شكّلت في ذات الوقت خوف القيادات بعضها من بعض، نتيجة الطمع في القيادة.
وقال المختصون لـ«الشرق الأوسط» إن «حراس الدين» كشف عن عمق الخلافات داخل «القاعدة». مرجحين أن التنظيم الوليد لن يذهب إلى مكان آخر، ومستقبله غامض.

كيان جديد

أعلن «حراس الدين» عن نفسه في فبراير (شباط) عام 2018، وزعم التنظيم عبر حسابه على موقع التواصل «تليغرام» حينها، أنه «تنظيم إسلامي من رحم الثورة السورية، يسعى للعدل بين المسلمين». ورغم عدم الإشارة إلى ارتباطه بـ«القاعدة»، فإنه مكون قاعدي بشكل كبير، خصوصاً مع إعلان مؤسسة «السحاب» التابعة لـ«القاعدة» عن ظهور كيان في سوريا يدعى «حراس الدين».
المراقبون قالوا إن «التنظيم الجديد جذب لصفوفه عناصر أجنبية من بقايا (جبهة النصرة)، و(تحرير الشام) المحسوبين على (القاعدة)، بالإضافة إلى تشكيلات عسكرية عدة، أبرزها (جند الملاحم، وجيش الساحل، وجيش البادية، وسرايا الساحل، وسرية كابل، وجند الشريعة)».
وفي مطلع مارس (آذار) الجاري، شن عناصر من «أنصار التوحيد» وهي مجموعة يقال إنها موالية لـ«حراس الدين»، هجوماً على نقاط عسكرية شمال حماة بوسط سوريا، أسفر عن مقتل 21 شخصاً.
وقال نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» المصري، المختص في شؤون الحركات الأصولية، إن نشاط «حراس الدين» ضعيف جداً بالمقارنة بـ«النصرة»، فجميع التنظيمات الصغيرة، الموالية لـ«القاعدة» عندما تحصل على فرصة للتمويل الخارجي وتستأثر بها تنفصل عن التنظيم الأم... فمثلاً «النصرة» عندما استأثروا بالأموال غادروا «القاعدة».
دراسات وتقارير عربية ودولية أكدت أن «حراس الدين» يجمع بين استراتيجية «القاعدة» التقليدية في قتال العدو البعيد، وقتال العدو القريب لـ«داعش» في آن واحد، ويستخدم تكتيك «حرب العصابات» التي تتناسب مع الأعداد القليلة لعناصره... وقوام التنظيم يضم مقاتلين من «داعش»، وعدداً من العناصر الإرهابية القديمة التي شاركت بالقتال في العراق وأفغانستان... وتتمتع هذه العناصر بمهارات كبيرة في الحرب، وعلى الأرجح في جمع المعلومات الاستخبارية، وقد ساهمت تجارب التنظيم بأفغانستان في تعزيز روابطه مع قيادة «القاعدة» المركزية، فضلاً عن شبكة من الولاءات والعلاقات الشخصية ضمن أقسام أخرى من التنظيم. لكن «داعش»، الذي عانى من هزائم كبيرة في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية، هاجم «حراس الدين» واصفاً عناصره بالكفر –على حد تعبير التنظيم. وحذر من الانضمام إلى التنظيم والتبرؤ منه. ووصفت مجلة «النبأ» الأسبوعية التابعة لـ«داعش»، تنظيم «حراس الدين» بأنها مجموعة انشقت عن جبهة «الجولاني» وهيئة «تحرير الشام»، وأظهروا انتماءهم لحركة «طالبان» بعد ذلك.

دعم «القاعدة»

ورجح أحمد زغلول، المختص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، انضمام عناصر من «داعش» لـ«حراس الدين»، خصوصاً مع تشظي «داعش» في سوريا والعراق لينجذبوا إلى «حراس الدين» كمجموعات متطرفة مثل التي كانت موجودة في «القاعدة»، وانفصلت وانضمت إلى «داعش»، لافتاً إلى أن «هذا هو حال جماعات العنف، كل فترة تظهر مجموعة أو تنظيم بأفكار جديدة».
لكن نعيم أشار إلى أن «حراس الدين» ليس له تاريخ، وعناصر «داعش» لن يذهبوا إليه، بسبب أفول نجم «داعش» نتيجة خسائره الأخيرة.
وأكد المراقبون أن «حراس الدين» يعمل على استقطاب معظم المقاتلين الأجانب، وينشط في جلب العناصر المحلية بسوريا والعراق، ويتمتع بدعم وإسناد قيادة «القاعدة» المركزية وفروعها الإقليمية، ويحظى بشرعية جهادية من معظم منظري الجهادية العالمية القاعدية.
وأوضح المراقبون أن «حراس الدين» كشف عن عمق الخلافات داخل «القاعدة» في سوريا، حيث كانت البداية إعلان أبو محمد الجولاني، أمير «جبهة النصرة» في يوليو (تموز) عام 2016، فك ارتباط «جبهة النصرة» بـ«القاعدة»، وتغيير اسمها لـ«جبهة فتح الشام»، وفك الارتباط أدى إلى وقوع انشقاقات داخلية كبيرة لدى الجبهة، وعزوف كثير من عناصرها وقادتها العسكريين والشرعيين عن العمل، وبعضهم انتقل لمناطق سيطرة «داعش»، والبعض الآخر فضّل البقاء في مناطق سيطرة الجبهة مع بعض الفصائل الأخرى.
مصادر أمنية في العراق قالت إن «حراس الدين» ينشط في مناطق في صلاح الدين ونينوى وكركوك، لا سيما طوزخورماتو والشرقاط التي كانت نفسها مسرحاً لظهور ما سمي في وقتها «أهل الرايات البيض» بعد إعلان العراق هزيمة «داعش» عسكرياً.
وأكد زغلول أن «التنظيمات المحلية التي تنشأ في الدول يتحدد مستقبلها بالدول الخارجية التي تدعمها، وطبيعة الأزمة السياسية في هذه الدول، ودائماً ما تلعب هذه التنظيمات على ورقة «أنهم جاءوا لرفع الظلم –على حد زعمهم»، مثل «داعش» من قبل، بعد ذلك تتضخم هذه التنظيمات في ظل وجود صراع إقليمي، مثل «داعش» الذي نشأ توسع على أطلال «القاعدة».

مستقبل غامض

الدراسات والتقارير العربية والدولية أشارت أيضاً إلى أنه يوجد في «حراس الدين» مجلس أعلى يسمى «شورى القاعدة»، وهو صاحب القرار في التنظيم، وهذا المجلس حلقة الوصل بين التنظيم في سوريا وقيادات «القاعدة» بالخارج، ومن أهم الأسماء التي ظهرت في قيادة التنظيم سمير حجازي الملقب بأبي الهمام السوري، وهو القائد العسكري السابق لـ«جبهة النصرة» قبل انشقاقه عنها، ومن الأردن سامي العريدي، وخالد العاروري، وأبو قتادة الألباني المقرب من القيادات الجهادية في سوريا، إضافة إلى أبي مصعب الليبي، وأبي حمزة اليمني، وجميعهم يمثلون القيادة الرئيسة للتنظيم في سوريا... ويردد البعض أن من يقود العمل ضمن التنظيم بشكل رئيسي مع «القاعدة» هو أبو عبد الكريم المصري، صاحب الدور الرئيسي في إطلاق الجولاني لقيادات «القاعدة» المنشقين عن «جبهة النصرة» عقب توقيفهم نهاية عام 2017.
وحول كون «حراس الدين» قدماً أساسية لـ«القاعدة» في سوريا والعراق، قال نعيم، إن «التنظيمات الموالية ليس لها وضع محدد عند تنظيم (القاعدة)، فـ(جبهة النصرة) كانت ضد (داعش) ومع ذلك انشقوا عن (القاعدة)، فمن يستطيع أن يترك (القاعدة) من هذه التنظيمات عندما يأتي له تمويل مستقل يفعل ذلك، فجميع التنظيمات والميليشيات يتم دعمها، وبالتالي تظهر تنظيمات جديدة من وقت لآخر، لو لم تنفذ ما يُطلَب منها من أعمال عنف وقتل وترويع، يتم سحب التمويل منها».
وذكرت الدراسات والتقارير العربية والدولية في هذا الصدد أن التقسيمات الداخلية لـ«حراس الدين» تُشكل قوة وضعفاً للتنظيم في آن واحد، فالانقسامات السابقة ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على سرية العمل لدى التنظيم، ومنحته قدرة تمويه جديدة على تحركات قياداته ومناطق وجودهم؛ لكنها في الوقت نفسه شكّلت خوف القيادات بعضها من بعض، كون هذه القيادات تعلم أن كل مجموعة تسعى لقيادة التنظيم في النهاية، وهذا ما جعلها تنعزل في مناطق مُتباعدة، وهو ما تمكن ملاحظته تماماً في توزيع «حراس الدين»، فشق يوجد في مناطق ريف حلب الجنوبي، وريف إدلب الشرقي، وشق آخر يوجد في ريف جسر الشغور، وقسم ثالث من السوريين في جبل الزاوية، وكل جزء من هذه الأجزاء يسعى لإدارة منطقته بنفسه.
وحول مستقبل «حراس الدين» ومقاصده الجديدة في الدول، أكد نبيل نعيم أن «التنظيم مستقبله غامض وقد يختفي، ولن يذهب إلى مكان آخر؛ بل سيظل يقوم بعمليات خاطفة في سوريا والعراق، لأن مثل هذه التنظيمات مرتبطة بشكل كبير بتنظيم (القاعدة)، وبزعيمه أيمن الظواهري، وباختفائه أو مقتله سوف يقسم (القاعدة) إلى تنظيمات صغيرة متناحرة ومشتتة».


مقالات ذات صلة

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».