«حراس الدين»... مزيج متطرف

هيكله التنظيمي مُعقد ومستقبله غامض

مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)
مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«حراس الدين»... مزيج متطرف

مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)
مقاتلون من «حراس الدين» في سوريا (الشرق الأوسط)

مر ما يقارب العام على ظهور تنظيم «حراس الدين» الإرهابي شمال غربي سوريا، وعلى الرغم من مخاوف الخبراء الأمنيين من أن التنظيم الوليد سوف يشكل خطراً على استقرار الأوضاع الأمنية في سوريا والعراق، خصوصاً أنه مزيج من تنظيمات متطرفة مختلفة مثل «القاعدة»، و«جبهة النصرة»، و«داعش»، «وطالبان»، فإن مختصين في الحركات الأصولية أكدوا أن نشاط «حراس الدين» ضعيف جداً بالمقارنة بـ«جبهة النصرة» المنشق عن «القاعدة»... وأن انضمام عناصر من «داعش» إليه وارد جداً، خصوصاً مع تشظي التنظيم الداعشي، عقب هزائمه في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية.

أكد مراقبون أن «حراس الدين» يمتلك بنية هيكلية وتنظيمية مُعقدة جداً، تعد من أكثر البنى تعقيداً، وتدير التنظيم شخصيات تحمل من الحنكة والخبرة الكثير، خصوصاً على الصعيد الأمني... فتراكم خبرات قيادات التنظيم الذين كانوا جزءاً من «القاعدة»، و«داعش»، و«جبهة النصرة»، أسهم في ظهور هذه البنية المعقدة.
ويشار إلى أن التقسيمات الداخلية لـ«حراس الدين» تشكل قوة وضعفاً للتنظيم في آن واحد، حيث ساهمت الانقسامات السابقة في التنظيمات الموالية لـ«القاعدة» إلى حد كبير في الحفاظ على سرية العمل لدى «حراس الدين»، ومنحته قدرة تمويه جديدة على تحركات قياداته ومناطق وجودهم؛ لكنها شكّلت في ذات الوقت خوف القيادات بعضها من بعض، نتيجة الطمع في القيادة.
وقال المختصون لـ«الشرق الأوسط» إن «حراس الدين» كشف عن عمق الخلافات داخل «القاعدة». مرجحين أن التنظيم الوليد لن يذهب إلى مكان آخر، ومستقبله غامض.

كيان جديد

أعلن «حراس الدين» عن نفسه في فبراير (شباط) عام 2018، وزعم التنظيم عبر حسابه على موقع التواصل «تليغرام» حينها، أنه «تنظيم إسلامي من رحم الثورة السورية، يسعى للعدل بين المسلمين». ورغم عدم الإشارة إلى ارتباطه بـ«القاعدة»، فإنه مكون قاعدي بشكل كبير، خصوصاً مع إعلان مؤسسة «السحاب» التابعة لـ«القاعدة» عن ظهور كيان في سوريا يدعى «حراس الدين».
المراقبون قالوا إن «التنظيم الجديد جذب لصفوفه عناصر أجنبية من بقايا (جبهة النصرة)، و(تحرير الشام) المحسوبين على (القاعدة)، بالإضافة إلى تشكيلات عسكرية عدة، أبرزها (جند الملاحم، وجيش الساحل، وجيش البادية، وسرايا الساحل، وسرية كابل، وجند الشريعة)».
وفي مطلع مارس (آذار) الجاري، شن عناصر من «أنصار التوحيد» وهي مجموعة يقال إنها موالية لـ«حراس الدين»، هجوماً على نقاط عسكرية شمال حماة بوسط سوريا، أسفر عن مقتل 21 شخصاً.
وقال نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» المصري، المختص في شؤون الحركات الأصولية، إن نشاط «حراس الدين» ضعيف جداً بالمقارنة بـ«النصرة»، فجميع التنظيمات الصغيرة، الموالية لـ«القاعدة» عندما تحصل على فرصة للتمويل الخارجي وتستأثر بها تنفصل عن التنظيم الأم... فمثلاً «النصرة» عندما استأثروا بالأموال غادروا «القاعدة».
دراسات وتقارير عربية ودولية أكدت أن «حراس الدين» يجمع بين استراتيجية «القاعدة» التقليدية في قتال العدو البعيد، وقتال العدو القريب لـ«داعش» في آن واحد، ويستخدم تكتيك «حرب العصابات» التي تتناسب مع الأعداد القليلة لعناصره... وقوام التنظيم يضم مقاتلين من «داعش»، وعدداً من العناصر الإرهابية القديمة التي شاركت بالقتال في العراق وأفغانستان... وتتمتع هذه العناصر بمهارات كبيرة في الحرب، وعلى الأرجح في جمع المعلومات الاستخبارية، وقد ساهمت تجارب التنظيم بأفغانستان في تعزيز روابطه مع قيادة «القاعدة» المركزية، فضلاً عن شبكة من الولاءات والعلاقات الشخصية ضمن أقسام أخرى من التنظيم. لكن «داعش»، الذي عانى من هزائم كبيرة في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية، هاجم «حراس الدين» واصفاً عناصره بالكفر –على حد تعبير التنظيم. وحذر من الانضمام إلى التنظيم والتبرؤ منه. ووصفت مجلة «النبأ» الأسبوعية التابعة لـ«داعش»، تنظيم «حراس الدين» بأنها مجموعة انشقت عن جبهة «الجولاني» وهيئة «تحرير الشام»، وأظهروا انتماءهم لحركة «طالبان» بعد ذلك.

دعم «القاعدة»

ورجح أحمد زغلول، المختص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، انضمام عناصر من «داعش» لـ«حراس الدين»، خصوصاً مع تشظي «داعش» في سوريا والعراق لينجذبوا إلى «حراس الدين» كمجموعات متطرفة مثل التي كانت موجودة في «القاعدة»، وانفصلت وانضمت إلى «داعش»، لافتاً إلى أن «هذا هو حال جماعات العنف، كل فترة تظهر مجموعة أو تنظيم بأفكار جديدة».
لكن نعيم أشار إلى أن «حراس الدين» ليس له تاريخ، وعناصر «داعش» لن يذهبوا إليه، بسبب أفول نجم «داعش» نتيجة خسائره الأخيرة.
وأكد المراقبون أن «حراس الدين» يعمل على استقطاب معظم المقاتلين الأجانب، وينشط في جلب العناصر المحلية بسوريا والعراق، ويتمتع بدعم وإسناد قيادة «القاعدة» المركزية وفروعها الإقليمية، ويحظى بشرعية جهادية من معظم منظري الجهادية العالمية القاعدية.
وأوضح المراقبون أن «حراس الدين» كشف عن عمق الخلافات داخل «القاعدة» في سوريا، حيث كانت البداية إعلان أبو محمد الجولاني، أمير «جبهة النصرة» في يوليو (تموز) عام 2016، فك ارتباط «جبهة النصرة» بـ«القاعدة»، وتغيير اسمها لـ«جبهة فتح الشام»، وفك الارتباط أدى إلى وقوع انشقاقات داخلية كبيرة لدى الجبهة، وعزوف كثير من عناصرها وقادتها العسكريين والشرعيين عن العمل، وبعضهم انتقل لمناطق سيطرة «داعش»، والبعض الآخر فضّل البقاء في مناطق سيطرة الجبهة مع بعض الفصائل الأخرى.
مصادر أمنية في العراق قالت إن «حراس الدين» ينشط في مناطق في صلاح الدين ونينوى وكركوك، لا سيما طوزخورماتو والشرقاط التي كانت نفسها مسرحاً لظهور ما سمي في وقتها «أهل الرايات البيض» بعد إعلان العراق هزيمة «داعش» عسكرياً.
وأكد زغلول أن «التنظيمات المحلية التي تنشأ في الدول يتحدد مستقبلها بالدول الخارجية التي تدعمها، وطبيعة الأزمة السياسية في هذه الدول، ودائماً ما تلعب هذه التنظيمات على ورقة «أنهم جاءوا لرفع الظلم –على حد زعمهم»، مثل «داعش» من قبل، بعد ذلك تتضخم هذه التنظيمات في ظل وجود صراع إقليمي، مثل «داعش» الذي نشأ توسع على أطلال «القاعدة».

مستقبل غامض

الدراسات والتقارير العربية والدولية أشارت أيضاً إلى أنه يوجد في «حراس الدين» مجلس أعلى يسمى «شورى القاعدة»، وهو صاحب القرار في التنظيم، وهذا المجلس حلقة الوصل بين التنظيم في سوريا وقيادات «القاعدة» بالخارج، ومن أهم الأسماء التي ظهرت في قيادة التنظيم سمير حجازي الملقب بأبي الهمام السوري، وهو القائد العسكري السابق لـ«جبهة النصرة» قبل انشقاقه عنها، ومن الأردن سامي العريدي، وخالد العاروري، وأبو قتادة الألباني المقرب من القيادات الجهادية في سوريا، إضافة إلى أبي مصعب الليبي، وأبي حمزة اليمني، وجميعهم يمثلون القيادة الرئيسة للتنظيم في سوريا... ويردد البعض أن من يقود العمل ضمن التنظيم بشكل رئيسي مع «القاعدة» هو أبو عبد الكريم المصري، صاحب الدور الرئيسي في إطلاق الجولاني لقيادات «القاعدة» المنشقين عن «جبهة النصرة» عقب توقيفهم نهاية عام 2017.
وحول كون «حراس الدين» قدماً أساسية لـ«القاعدة» في سوريا والعراق، قال نعيم، إن «التنظيمات الموالية ليس لها وضع محدد عند تنظيم (القاعدة)، فـ(جبهة النصرة) كانت ضد (داعش) ومع ذلك انشقوا عن (القاعدة)، فمن يستطيع أن يترك (القاعدة) من هذه التنظيمات عندما يأتي له تمويل مستقل يفعل ذلك، فجميع التنظيمات والميليشيات يتم دعمها، وبالتالي تظهر تنظيمات جديدة من وقت لآخر، لو لم تنفذ ما يُطلَب منها من أعمال عنف وقتل وترويع، يتم سحب التمويل منها».
وذكرت الدراسات والتقارير العربية والدولية في هذا الصدد أن التقسيمات الداخلية لـ«حراس الدين» تُشكل قوة وضعفاً للتنظيم في آن واحد، فالانقسامات السابقة ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على سرية العمل لدى التنظيم، ومنحته قدرة تمويه جديدة على تحركات قياداته ومناطق وجودهم؛ لكنها في الوقت نفسه شكّلت خوف القيادات بعضها من بعض، كون هذه القيادات تعلم أن كل مجموعة تسعى لقيادة التنظيم في النهاية، وهذا ما جعلها تنعزل في مناطق مُتباعدة، وهو ما تمكن ملاحظته تماماً في توزيع «حراس الدين»، فشق يوجد في مناطق ريف حلب الجنوبي، وريف إدلب الشرقي، وشق آخر يوجد في ريف جسر الشغور، وقسم ثالث من السوريين في جبل الزاوية، وكل جزء من هذه الأجزاء يسعى لإدارة منطقته بنفسه.
وحول مستقبل «حراس الدين» ومقاصده الجديدة في الدول، أكد نبيل نعيم أن «التنظيم مستقبله غامض وقد يختفي، ولن يذهب إلى مكان آخر؛ بل سيظل يقوم بعمليات خاطفة في سوريا والعراق، لأن مثل هذه التنظيمات مرتبطة بشكل كبير بتنظيم (القاعدة)، وبزعيمه أيمن الظواهري، وباختفائه أو مقتله سوف يقسم (القاعدة) إلى تنظيمات صغيرة متناحرة ومشتتة».


مقالات ذات صلة

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».