شعراء وكتاب مصريون ينعون رحيل سميح القاسم

كان صديقا لهم وعايشوه عن قرب ولهم معه ذكريات لا تنسى

والقراء الفلسطينيون والعرب تعرفوا عليه في قصيدة قال فيها للعدو أو للمحتل «يا عدو الشمس»
والقراء الفلسطينيون والعرب تعرفوا عليه في قصيدة قال فيها للعدو أو للمحتل «يا عدو الشمس»
TT

شعراء وكتاب مصريون ينعون رحيل سميح القاسم

والقراء الفلسطينيون والعرب تعرفوا عليه في قصيدة قال فيها للعدو أو للمحتل «يا عدو الشمس»
والقراء الفلسطينيون والعرب تعرفوا عليه في قصيدة قال فيها للعدو أو للمحتل «يا عدو الشمس»

نعت الأوساط الأدبية العربية أمس الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم الذي توفي عن عمر يناهز (75 سنة) بعد صراع طويل مع مرض السرطان في مستشفى في مدينة صفد.
ويعد القاسم من أبرز الشعراء الفلسطينيين الذين ارتبطت أعمالهم، مثل محمود درويش وتوفيق زياد ومعين بسيسو وغيرهم، بالقضية الوطنية.
جال القاسم خلال حياته الكثير من العواصم العربية وأقام علاقات صداقة مع العشرات من الشعراء العرب. وكان قد شغل القاسم منصب رئيس اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين في فلسطين منذ تأسيسهما. ورأس تحرير الفصلية الثقافية «إضاءات»، كما أسس صحيفة «كل العرب» في الناصرة.
صدر له أكثر من 80 كتابا في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدرت أعماله في 7 مجلدات عن دور نشر عدة في القدس وبيروت والقاهرة. وترجمت الكثير من أعماله وقصائده إلى الكثير من اللغات.
كتب أثناء مرضه سيرته الذاتية تحت عنوان «إنها مجرد منفضة»، كما أصدر ديوانا قبل 5 أشهر بعنوان «كولاج». ويخاطب الشاعر نفسه في نهاية سيرته قائلا: «ها هو رمادك يتساقط في منفضة العالم، منفضة الحياة الدنيا.. ها هو رمادك يتهاوى في منفضتك. وإلا فماذا ظننتَ يا أخي وصديقي؟ ماذا ظننتَ دنياك أيها الإنسان الذي أراد أن يكون شاعرا وأيها الشاعر الذي أراد أن يكون إنسانا؟ ماذا ظننت؟ هل فاتك أن دنياك ليست سوى منفضة، بلى إنها منفضة إنها مجرد منفضة».
كتب قبل أن يموت محاورا الموت: «أنا لا أحبك يا موت - لكنني لا أخافك - أعلم أني تضيق عليّ ضفافك - وأعلم أن سريرك جسمي - وروحي لحافك - أنا لا أحبك يا موت - لكنني لا أخافك».
ولد القاسم، وهو متزوج وأب لـ4 أولاد هم (وطن ووضاح وعمر وياسر)، في مدينة الزرقاء الأردنية في 11 من مايو (أيار) عام 1939 لعائلة عربية فلسطينية من قرية الرامة، وتعلم في مدارس الرامة والناصرة، وانضم مبكرا إلى «الحزب الشيوعي» قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.

في مصر، استقبل الشعراء والكتاب المصريون نبأ رحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم بالصدمة والأسى البالغ، فمعظمهم يعرفونه وكان صديقا لهم، وعايشوه عن قرب، ولهم معه ذكريات لا تنسى، سواء في أمسيات بالقاهرة وغيرها من مدن مصر التي طالما عشقها سميح وعدها بمثابة وطنه الكبير.
وبنبرة أسى قال الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي: «أشعر بالحزن لرحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، لأن المقاومة الفلسطينية بعد أن خسرت محمود درويش خسرت سميح ولكن كلماتهما باقية معنا تذكرنا بهما دائما».
أضاف حجازي: سميح القاسم سيظل وجها مشرقا في فضاء الشعر الفلسطيني والمقاومة بشكل خاص والشعر العربي بشكل عام. ولفت حجازي إلى الدور الذي قام به القاسم في حركة المقاومة وشعر المقاومة إلى جانب محمود درويش وهارون هاشم وغيرهما، مؤكدا أن هذا الدور أنشأ للمقاومة وجودا معنويا حيا إلى جانب الوجود المادي الذي أنشأه المقاومون بالسلاح. كما لعب سميح القاسم دورا مهما في التعبير عن وحدة الشعب الفلسطيني، والتحذير من شرور التقسيم والطائفية التي أصبحت تهدد الكثير من بلداننا العربية. وأكد حجازي أن سميح القاسم جعل الانتماء الإنساني، الأكثر رحابة وتجسيدا لطموحات وأشواق الإنسان.
ونعى اتحاد كتاب مصر رحيل سميح القاسم، وقال رئيسه الكاتب محمد سلماوي: «لقد جمعتني به علاقة ممتدة عبر السنين، ووجدت فيه رمزا للشعر العربي الحديث ورمزا للقضية الفلسطينية في الوقت نفسه». وأكد سلماوي أن سميح القاسم كان محبا لمصر، ويؤمن بأن القضية الفلسطينية لن تنتصر إلا بمصر، وقد نزل ضيفا أكثر من مرة على اتحاد كتاب مصر.
وتابع سلماوي قائلا: «أتذكر يوم أن قررنا منحه جائزة نجيب محفوظ للكاتب العربي، فكان سميح القاسم سعيدا للغاية، وجاء إلى القاهرة رغم مرضه ليتسلم الجائزة»، مضيفا: «وما زالت ترن في أذني كلماته في هذه المناسبة، حيث قال في حفل تكريمه (أنا أوفر حظا من نجيب محفوظ فقط فزت بجائزة تحمل اسم رجل من أنبل الرجال وروائي عبقري ساهم في تشكيل وجدان جيل كامل من العرب)».
وعد الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل، رحيل سميح القاسم، بمثابة الخسارة الكبيرة للشعر العربي، مؤكدا أن إبداعه سيظل دائما متألقا في سماء القضايا العربية. وقال فضل في تصريحات صحافية أمس إن سميح أحد كبار الشعراء الفلسطينيين، وتميز بتجربته الفلسطينية منذ صداقته المبكرة ورفقته الشبابية مع رفيق عمره الشاعر محمود درويش، حتى اختلفت بهما السبل فبقي سميح داخل الأرض المحتلة وخرج درويش ليحمل على كتفه مسؤولية القضية الفلسطينية في المنافي العربية.
ولفت فضل إلى تنوع تجربة سميح الشعرية، مشيرا إلى أنها لعبت على أوتار القصيدة الغنائية والدرامية والمسرحية، وكان نفسه طويلا لإبداعه الشعري وتميزه وحرصه على إعلاء قيم العروبة.
ونعى حزب الكرامة المصري في بيان له رحيل سميح القاسم، مشيدا بمواقفه النضالية من أجل الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني، وتحرير كامل تراب الوطن الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، وأيضا مناصرته للقضايا العربية.
وقال الحزب في بيانه: إن حزب الكرامة إذ يتقدم بخالص العزاء لأسرة الشاعر الراحل وأصدقائه ومحبيه في الأراضي الفلسطينية، ومصر وكافة أنحاء الوطن العربي، فإنه يثمن الدور النضالي للشاعر الكبير الذي يعد أحد أهم الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل الأراضي المحتلة عام 48. إضافة إلى رصيده الوافر من العمل الصحافي، والعمل السياسي بين صفوف الحركات والأحزاب اليسارية. وتابع الحزب: إن الأمة العربية وهي تودع واحدا من أكبر مناضليها وشعرائها، لا شك تفقد رمزا كبيرا ظل مع رفاقه من الشعراء والكتاب والمثقفين الفلسطينيين والعرب حراسا أمينين على الثوابت الوطنية والهوية العربية، ودافعوا عنها حتى آخر نفس في حياتهم، دون أن يحيدوا عن الدرب أو يسيروا عكس إرادة الشعوب.
واستطرد البيان: سيظل سميح القاسم بنضاله وشعره، حيا في قلوب محبيه، وستظل القضية الفلسطينية التي دافع عنها طيلة حياته، هي القضية المركزية للعرب.
وقال الشاعر فريد أبو سعدة: حزني على سميح القاسم، مضاعف ومر، خاصة في هذه اللحظة العصيبة التي تمر بها المقاومة الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وما يحدث من نوافير الدم في عدد من بلداننا العربية الحبيبة.
وتابع أبو سعدة: لقد عرفت سميح القاسم، غنينا وسهرنا معا، وأنشدنا الشعر معا، في أمسيات بالقاهرة والإسكندرية، كان دمث الروح بسيطا ومتواضعا، يتمتع بقلب طفل، عاشقا للحياة، غيورا على قضايا وطنه وجرحه الفلسطيني، جرحنا جمعيا، مهموما بكل ما يؤرق الإنسان العربي.
واختتم أبو سعدة وصوته يكاد يجهش بالبكاء: «قلبي أصبح مليانا بشواهد قبور. قلب تحول إلى مآتم، فوداعا يا سميح القاسم، يا فتى الشعر المقاوم النبيل».
وكتب الشاعر أحمد مرتضى على صفحته بـ«فيسبوك»، مرثية طويلة لسميح القاسم: قال فيها. كأني أسمع مرسيل خليفة وهو يترنم بكلماته التي كانت تعويذة الثورة الفلسطينية في فترة الوهج السبعيني، ونحن نرددها مع زملائنا الفلسطينيين في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية:
«منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي».
وتابع مرتضى: رحل سميح القاسم بعد صراع ثلاث سنوات مع المرض اللعين «سرطان الكبد» والذي جعله يترجم قصيدته لواقع محسوس، رحل سميح القاسم صاحب الـ80 كتابا من دواوين الشعر والنثر والأعمال المسرحية الشهيرة.
وبمرارة الفقد تساءل مرتضى هل حمل «حزام الورد الناسف» إلى رحلته السرمدية الأخيرة وهو يؤكد لنا أنه أخبرنا بذلك من قبل في «سأخرج من صورتي ذات يوم»، أم أنه سعيد بلقاء سابقه في السرمدية محمود درويش حين نعاه بـ«بلا بنفسج.. في حضرة غياب محمود درويش»، أم أن مثلث الشعر الفلسطيني بضلعيه السابقين: بسيسو – درويش، يكتمل الآن؟!



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».