عندما ظهرت عارضة الأزياء ويني هارلو، المصابة بالبهاق، على ممشى عروض الأزياء العالمية، كان الأمر صادماً في البداية؛ لأن صورة العارضات قبلها كانت دائماً منمقة بلا شوائب؛ لكنها نجحت في خض التابوهات.
ورغم أن تقبل التنوع أصبح مألوفاً في الخارج، فإنه في عالمنا العربي لا يزال في بدايته، فيما يتعلق باحتضان الاختلاف. لهذا أثارت مصممة المجوهرات سُهيلة الشيخ، مؤسسة علامة المجوهرات «ساند بوكس»، كثيراً من الجدل والانتباه، عندما أطلقت حملة ترويجية لمجموعة بعنوان «تيمبر»، ظهرت فيها عارضات مصابات بمشكلات جلدية، مثل البهاق، والمهق، والنمش.
تفسير سهيلة الشيخ لهذه الخطوة، أنها لم تكن بهدف لفت الانتباه أو إحداث ضجة. فمجموعة «تيمبر» تتضمن مفهوماً إنسانياً دغدغ خيالها حتى قبل أن تبدأ في رسم خطوطها على الورق. كان مهماً بالنسبة لها أن تعرض تجارب هؤلاء العارضات، ومعاناتهن، من خلال قطع من الفضة مُصممة بشكل يحاكي بشرتهن.
وتضيف: «صممت قطعاً مكونة من ثلاث طبقات، تحاكي الجلد البشري، ثم استعنت بأحجار طبيعية لها خصائص قريبة من حالتهن. مثلاً استخدمت حجر العقيق الذي يتميز بتغيرات لونية طبيعية، في إشارة إلى مرض البُهاق الذي يصيب الجلد بحالة مشابهة، كذلك استعنت بأحجار لها سطح مُنمش لتعبر عن البشرة المُصابة بالنمش، وهكذا».
النشأة في كنف أكثر من وطن تعزز لدى المرء فكرة التنوع الثقافي والحضاري. فقد كان لنشأة المصممة في المملكة العربية السعودية أثر واضح على فكرها. تقول: «أنا مصرية حتى النخاع؛ لكن نشأتي في المملكة العربية السعودية شكلت كثيراً من شخصيتي، ليس أقلها أنني تقبلت فكرة اختلاف الآخر واحترامه. كان هذا أساسياً في المدرسة الأميركية التي درست فيها في السعودية. ثم إن المجتمع السعودي يوفر بيئة حرة لممارسة كثير من الهوايات، على عكس ما يشاع عنه. فقد مارست مثلاً كرة القدم والرسم، حتى قبل أن أحصل على جوائز رسمية من الولايات المتحدة الأميركية. هذه البدايات شكلتني ووجهت اختياراتي في وقت لاحق». وتضيف سهيلة أن اسم العلامة التي أطلقتها «ساند بوكس» مُستقاة من رمل الصحراء السعودية، ومن طبيعتها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن حب الفن يجري في دم سهيلة، وورثته عن والدتها التي كانت هي الأخرى تهوى تصميم المجوهرات من الفضة والأحجار الكريمة، فيما كان والدها الطبيب يهوى التصوير، وشارك في عدة معارض فنية. تقول سهيلة: «بحكم نشأتي، كان لدي منذ الصغر شغف للفن وقضايا المجتمع، وكان يهمني أن يعبر الفن، أياً كان شكله، عن قضايا إنسانية، وإلا انتفت قيمته الحقيقية».
درست سهيلة فن التصميم بكلية الإعلام والفنون المرئية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وبعد تخرجها كانت لها محاولات هنا وهناك، قبل أن تُطلق «ساند بوكس» في 2016، التي اختارت لها شعاراً مستوحى من الوشم العربي الذي رأته يُزين ذقون نساء البدو، ويرمز إلى الجمال والقوة. وخلال ثلاث سنوات قدمت سهيلة ست مجموعات، وراء كل واحدة منها مفهوم يحارب فكرة سلبية.
وتتذكر سهيلة الشيخ أولى تجاربها الاحترافية التي كانت بعنوان «النهوض من بين الركام». صاغتها من الفضة والأحجار الطبيعية، واستلهمتها حسب قولها: «من المباني المدمرة نتيجة الحرب في سوريا».
أما المجموعة الثانية، والتي حققت مبيعات أكبر، فكانت بعنوان «على طبيعتي»، وتعكس مفهوم التغيُّر، على أساس أنه جزء من تطور الإنسان، استخدمت فيها تقنية جديدة لتطويع الأحجار الطبيعية، بواسطة مادة كيميائية قوية تُستخدم في بناء الكباري، يمكن أن تعيد تماسك الأحجار بعد سحقها وتشكيلها.
لكن اهتمام سهيلة بمشكلات البشرة يتكرر في أعمالها؛ حيث قدمت قبل مجموعتها الأخيرة، مجموعة استوحتها من «حروق الجلد»، أو بالأحرى من حجر موجود في الصحراء السعودية يتشكل نتيجة الطبيعة القاسية والشمس الحارقة، التي تتسبب في النهاية في تشكيل قطعة حجر فريدة، لتستخلص منها أنه من رحم الألم تولد أشياء جميلة تبقى معنا للأبد.
سهيلة الشيخ... مصممة تصوغ من الألم والمعاناة مجوهراتها
سهيلة الشيخ... مصممة تصوغ من الألم والمعاناة مجوهراتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة