خطط لاستغلال تراث رشيد في الترويج السياحي بمصر

تضم 39 أثراً إسلامياً فريداً

كورنيش مدينة رشيد (الشرق الأوسط)
كورنيش مدينة رشيد (الشرق الأوسط)
TT

خطط لاستغلال تراث رشيد في الترويج السياحي بمصر

كورنيش مدينة رشيد (الشرق الأوسط)
كورنيش مدينة رشيد (الشرق الأوسط)

تتميز مدينة رشيد بمحافظة البحيرة شمالي القاهرة، بضم عشرات المباني الأثرية والتراثية، إضافة إلى كونها نقطة التقاء نهر النيل (فرع رشيد) بالبحر الأبيض المتوسط.
وحالياً يجري العمل بشكل لافت على تحويل المدينة إلى وجهة سياحية وحضارية، عبر ترميم الآثار الإسلامية المتنوعة، وتطوير البنية الأساسية للمدينة؛ تمهيداً لضمها إلى البرامج السياحية لمدينتي القاهرة والإسكندرية. وفق ما ذكره المشاركون في ندوة «التراث الحضاري لمدينة رشيد عبر العصور»، التي أقامها متحف آثار مكتبة الإسكندرية، أمس (الاثنين).
من جهته، قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»: «منذ توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2017 بتطوير مدينة رشيد؛ لوضعها على خريطة السياحة المصرية والعالمية باعتبارها أهم روافد الحضارة شمالي الدلتا، والعمل على تحقيق هذا التوجه يجري على قدم وساق». وأضاف: «تم ترميم بعض المباني والمساجد الأثرية وتطوير المرافق الأساسية لتحويل بعض شوارع المدينة إلى متحف مفتوح، على غرار بعض المناطق الأثرية بالقاهرة الإسلامية».
من جهته، قال الدكتور محمد عبد اللطيف، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة، ومساعد وزير الآثار السابق: إن «رشيد تعد المدينة الثانية في مصر بعد القاهرة في عدد الآثار الإسلامية القائمة بها حتى الآن، حيث يوجد بها 39 أثراً إسلامياً غاية في الروعة والجمال».
وأضاف عبد اللطيف خلال ندوة «التراث الحضاري لمدينة رشيد عبر العصور»، بالملتقى الثقافي الرابع، الذي ينظمه متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مركز دراسات الحضارة الإسلامية بالمكتبة: إن «عوامل الجذب المميزة لمدينة رشيد تؤهلها لتكون مستقبل مصر الأثري والسياحي، حيث تنفرد بتاريخها الوطني وتراثها المعماري والزخرفي الفريد، وتعتبر متحفاً كبيراً مفتوحاً للعمارة الإسلامية، إلى جانب موقعها الفريد بين النهر والبحر والظهير الزراعي والحدائق، وتميزها بالصناعات اليدوية والبيئية، وصناعة اليخوت والمراكب».
وتحتوي رشيد على نماذج من كل أنواع العمائر، مثل العمارة الدينية الممثلة في المساجد وعددها 10 مساجد وزاويتان، والعمارة المدنية، حيث يوجد بها 21 منزلاً أثرياً رائعاً، إضافة إلى طاحونة لطحن الغلال، وهي طاحونة «أبو شاهين» الملحقة بمنزل عثمان أغا الأمصيلي، وكذلك حمام عام، وهو حمام عزوز.
كما تضم المدينة بين طياتها نماذج من العمارة الدفاعية التي تتمثل في مجموعة كبيرة من الطوابي أو الحصون الصغيرة العسكرية الممتدة على ساحل البحر المتوسط، ويبلغ عدد الطوابي الواقعة في الحدود الإدارية لرشيد 9 طوابي، بالإضافة إلى قلعة قايتباي الثانية في رشيد، وتسمى بتلك التسمية تمييزاً لها عن قلعة قايتباي الأولى والكبرى في مدينة الإسكندرية.
في السياق نفسه، أوضحت محافظ البحيرة السابق، نادية عبده، أنه «تم الانتهاء من أعمال تطوير منطقة أبو مندور الأثرية، وتطوير منطقة كورنيش النيل، بجانب إقامة 3 مراسٍ على النيل مع تطوير المراسي القديمة وتشغيل أتوبيس نهري لخدمة السياحة الداخلية، إضافة إلى إنارة الكورنيش بالكامل مع تركيب الأعمدة الديكورية التي تضفي شكلاً جمالياً.
وأضافت: «المشروع يشمل تطوير كافة الشوارع والمنازل التاريخية بقيمة 90 مليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، بالإضافة إلى تطوير منطقة الكسارة العشوائية بالكامل، وإنشاء 116 وحدة سكنية لقاطنيها بتكلفة 22 مليون جنيه». ولفتت إلى أن «مشروع تطوير المدينة لا يقتصر على ترميم الآثار فقط بل يمتد إلى إنشاء ميناء جديد للصيد ومصانع للثلج». موضحة أن التكلفة المبدئية لمشروع تطوير مدينة رشيد تبلغ أكثر من مليار و500 مليون جنيه مصري، ومن المقر الانتهاء منه العام المقبل».
جدير بالذكر، أن اللجنة المكلفة تطوير مدينة رشيد طالبت وزارة السياحة بإنشاء هيئة إقليمية للتنشيط السياحي بالمدينة، ووضعها ضمن البرامج السياحية الخاصة بالقاهرة والإسكندرية، وتجديد المرافق السياحية والعمل على تنميتها.


مقالات ذات صلة

سفر وسياحة البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

في مناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، تتنافس بلدات ومدن لبنانية على اجتذاب الزوّار. مدينتا جبيل والبترون كما زغرتا تشكّل وجهات سياحية داخلية محببة.

فيفيان حداد (بيروت)
سفر وسياحة أسواق العيد في فرانكفورت (غيتي)

أسواق العيد الخمسة الأكثر روعة في أوروبا

مع اقتراب عيد الميلاد، قد يكون من السهل الوقوع في أحلام اليقظة حول عطلة شتوية مستوحاة مباشرة من السينما: عطلة تتميز بالطقس الثلجي المثالي، والشوكولاته الساخنة

مادلين فيتزجيرالد (نيويورك)
سفر وسياحة فندق ذا لانغهام جاكارتا (الشرق الأوسط)

أفكار لإقامة تليق بأعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

اكتشفْ سحر موسم الأعياد في فندق إنيالا هاربور هاوس بمالطا

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وزير الثقافة السعودي خلال لقائه الرئيس السيسي (رئاسة الجمهورية المصرية)

تعاون سعودي - مصري في الفنون والثقافة والسياحة وحفظ التراث

في زيارة رسمية أجراها وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود إلى مصر، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)