موسكو: بيانات الهواتف الجوالة تُسهِم في تطوير التخطيط العمراني

تستفيد منها الاستخبارات الروسية في التجسس

موسكو: بيانات الهواتف الجوالة تُسهِم في تطوير التخطيط العمراني
TT

موسكو: بيانات الهواتف الجوالة تُسهِم في تطوير التخطيط العمراني

موسكو: بيانات الهواتف الجوالة تُسهِم في تطوير التخطيط العمراني

يواصل الإنسان دفع الخصوصيات في حياته اليومية ثمناً لاستفادته من وسائل الاتصال الحديثة، وبصورة خاصة الهواتف الجوالة، التي لعبت منذ دخولها حياة الإنسان وظائف تتعدى بكثير مجرد توفير وسيلة اتصال مريحة، إذ تستفيد منها المؤسسات الأمنية في مختلف دول العالم بالمراقبة والتنصت. وأخيراً كشفت تقارير إعلامية عن استفادة سلطات العاصمة الروسية موسكو وريفها من الهواتف الجوالة في التخطيط العمراني.
وفي تقرير تحت عنوان «كيف تتابع بلدية موسكو تحركات المواطنين؟»، قالت صحيفة «فيدوموستي» إن المسؤولين في موسكو يعرفون أين يعيش ويعمل وإلى أين وكيف يتنقل المواطنون في موسكو بدقة في المكان والزمان، وذلك بفضل تقارير يُطلق عليها «التحليل الجغرافي»، تشتريها البلدية من شركات الاتصالات الكبرى. وتحاول حكومة موسكو الاستفادة من تلك البيانات لتطوير شبكات النقل والبنى التحتية في المدينة.
وتشير معلومات على موقع «مشتريات الدولة» إلى أن سلطات موسكو بدأت منذ عام 2015 بشراء تقارير «التحليل الجغرافي»، التي تعتمد على تسجيل بيانات الشريحة الإلكترونية في الهواتف الجوالة، لتحديد مكان وجود كل شخص في أي ساعة من ساعات اليوم، والوقت الذي يقضيه في هذا الموقع أو ذاك.
ويحصل على تلك البيانات مركز خاص تابع للحكومة، يجمعها من مختلف شركات الاتصالات، ومن ثم تخضع البيانات لمعالجة تقنية ومعلوماتية، وبناءً عليها تُعدّ تقارير لسلطات المدينة بتحركات المواطنين. وقد قُسمت موسكو وريفها إلى مربعات طول ضلع كل منها 500 متر، وبفضل البيانات من شركات الاتصالات تتمكن السلطات من تحديد العدد الفعلي للمواطنين الذين يعيشون ضمن المنطقة المحددة، وعدد العاملين منهم. على سبيل المثال المكان الذي تبقى فيه شريحة الهاتف خلال الليل، هو مكان مبيت صاحب الهاتف، وعندما يتكرر الأمر يومياً، هذا يعني أنها شقته السكنية.
ومكان عمله هو الموقع الذي يوجَد فيه، بموجب بيانات الشريحة، من الساعة العاشرة وحتى الخامسة بعد الظهر. وفي حال حُدد مكان إقامة الشخص ولم يُحدد مكان عمله، بينما يتضح من شريحة هاتفه أنه يتنقل طيلة النهار في المدينة، فهذا يعني أن عمله يعتمد على التنقل بين مواقع مختلفة في المدينة. أما المواطن الذي يتضح من شريحة هاتفه أنه يدخل موسكو صباحاً قادماً من إقليم مجاور، ويغادرها في المساء في أيام العمل، يُصنف على أنه «عمالة مهاجرة» في المدينة. ومن يقيم خارج المدينة نحو 50 ساعة في الشهر فهذا مواطن لديه منزل ريفي يذهب إليه أيام العطلة.
ويؤكد مركز التحليلات وجميع المشاركين في هذا المشروع أن البيانات التي تحصل عليها سلطات موسكو عامة، ولا تتضمن معلومات شخصية والبيانات الخاصة للمواطن، وإنما تقتصر على حركة التنقل، بغية الاستفادة منها في التخطيط العمراني، وفي توفير وسائل نقل أفضل، وتحديد طبيعة ومستوى الخدمات الواجب تقديمها لكل منطقة.
مثال على ذلك، كشفت عينة واحدة من مناطق موسكو أن العدد الفعلي للمواطنين المقيمين هناك أكبر بكثير من العدد المسجل لدى البلدية، لذلك عدلت السلطات خطتها في مجال توفير المحال التجارية والخدمات بما يتناسب مع العدد الفعلي للمقيمين في المنطقة.
كما تشتري الشركات التجارية تقارير «التحليل الجغرافي»، وتستخدمها في وضع خطط نشاطها التجاري، مثل دراسة الجدوى الاقتصادية لخطة افتتاح مركز تجاري جديد في منطقة ما من المدينة.
وبفضل تلك البيانات يقرر رجال الأعمال إما المضي في المشروع أو تجميده، أو تعديل الخطة وافتتاح مركز تجاري يتناسب مع عدد المقيمين في تلك المنطقة، وطبيعة الحركة فيها، وما إلى ذلك.
وكما أن لكل ابتكار مفيد هناك دوماً جوانب سلبية، يحذر البعض من أن تلك التقارير وإلى جانب دورها الإيجابي، يمكن أن تُستغل لأغراض أخرى، مثل تسخير تلك البيانات لوضع سياسات الحملات الانتخابية والترويج سياسياً، وفي الدعاية والإعلان تجارياً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».