«الأكل بهجة وحميمية وذكريات»... هكذا بدأت الشيف مي يعقوبي حوارها مع «الشرق الأوسط»، الذي كشفت خلاله عن سر تركها لمجال الإعلام استجابة لشغفها بعالم الطهي.
تحدثت مي، عن عشقها للسفر الذي عزز مهارتها في الطهي، ولم تبخل في كشف أسرار «الأكلة الحلوة»، وقالت إن الطاهي الماهر بالأساس هو «شخص فضولي مُغرم باستكشاف العالم».
تقول مي وهي فلسطينيّة أردنيّة، وتعيش في مصر منذ 15 عاماً، إنها تعتز بوصفات جدتها، التي أعادت تقديمها على طريقتها لأنها «جزء من تاريخ الشرق»، أما عن مفهومها للأكل الصحي فلها منظور خاص بعيداً عن السعرات الحرارية المنخفضة أو الحميات القاسية، لافتة إلى أن الأكلة الحلوة تخطف القلب قبل اللسان... وإلى نص الحوار:
> متى بدأ شغفكِ بالطهي؟
لم أتذكر عمراً محدداً. أظن أنني أعشق المطبخ وبدأت أكتشفه مع أولى خطواتي لاستكشاف العالم المحيط. ولكن ما أتذكره جيداً، هو أنني في عمر الـ12 عاماً كنت أجهز لعزومة عائلية بمفردي.
> هل انتبه الأهل لهذه الموهبة؟
نعم... وما ساعدني على تنمية هذا الحب هو أن والدي كان يطلب مني، وأنا ما زلت في العاشرة من عمري، أن أتولى مسؤولية قائمة الطعام الأسبوعية، ليس هذا فحسب، بينما أتولى عملية الشراء بالكامل ودون مساعدة من والدتي، وهو ما علمني أهمية التسوق لتجهيز أكلة شهية.
> لماذا لم يتحول الشغف والموهبة إلى دراسة فنون الطهي؟
بعد انتهاء المرحلة الثانوية وحصولي على نتيجة متقدمة، كان من الصعب أن أقنع والدي برغبتي في دراسة فنون الطهي، لا سيما أنه في ذلك الحين لم يكن الأمر يسيراً كما هو الآن، بينما دراسة الطهي كانت مقتصرة على دول أجنبية، وتكلفتها باهظة، في حين أن مستقبلها داخل المجتمع الشرقي كان غير واضح، فلم تكن هناك المطاعم المتنوعة المتوافرة الآن، ولم تكن قنوات تعليم الطهي بهذا الرواج.
> لماذا قررتِ دراسة الإعلام رغم أنه مجال بعيد تماماً عن المطبخ؟
بعد حبي للطهي، كان لدي اهتمامات في مجال الإذاعة المدرسية والمسرح، فوجدت أن دراسة الإعلام ستكون مناسبة لمهاراتي، لم أكن أعرف في ذلك الحين أن الطهي والإعلام سيلتقيان بعد سنوات، فدراسة الإعلام ساعدتني كثيراً عندما قررت تقديم برنامج للطهي، خاصة أنه ليس كل طاهٍ ماهر لديه الموهبة ليوصل وصفته إلى ملايين المشاهدين.
> كيف نميّتِ موهبة الطهي رغم عملك بمجال الإعلام؟
لم يتوقف عشقي للمطبخ في أي وقت؛ فقد درست الإعلام وحصلت على الماجستير وعملت في جهات إعلامية مرموقة، ولكن بداخلي صوت يؤكد لي أنني لست في المكان المناسب، وخلال كل هذه السنوات أحاول إرضاء شغفي بالطهي من خلال السفر ودخول مطابخ في بلدان مختلفة. لا أتذكر بلدا سافرت له دون أن أدخل بنفسي إلى مطبخ أهم المطاعم لاكتشاف أسرار الشعوب. الطهي بالنسبة لي هو كتاب يضم الجغرافيا والتاريخ والمناخ والظروف الاجتماعية والاقتصادية. عندما أعشق أكلة أبحث عن سببها، في وقت لم تكن المعلومات متاحة كما هو الحال الآن.
> ما الأكلة التي دفعكِ فضولكِ لاكتشاف سبب طهيها؟
ما من أكلة لم أبحث عن تاريخها، ولكن أتذكر الآن أكلة أردنية قديمة تسمى «المنسف»، وهي عبارة عن لحم ضأن مطهو داخل مرقة مزودة بالجميد (حليب مجفف) مع خبز وأرز، صحيح أنها أكلة شهية قررت أن أتعلم أصولها، ولكن الفضول دفعني لتفسير مكوناته، وبعد البحث وجدت أن الأردن قديماً كان صحراء يعيش فيها البدو، لحم الضأن والحليب من أكثر المكونات الغذائية المتوافرة لديهم، والخبز جزء من ثقافة الدول العربية، لذلك كان يجهز المنسف في البداية من اللحم مع مرقة مُضاف لها الجميد وقطع من الخبز، وعندما دخل الاستيراد أضيف للوصفة الأرز. نفس الفكرة تنطبق على كل بلدان العالم، في النهاية أي وصفة مصدرها هي المكونات الغذائية التي تثير فكر الطاهي لابتكار مذاق جديد. فن الطهي هو فن مزج النكهات.
> كيف تخططين إلى تقديم وصفة جديدة؟
لا أخطط على الإطلاق، بينما أؤمن بقاعدة أن «الأكلة الحلوة تبدأ من التسوق». الأطعمة الطازجة والموسمية هي أساس أي وصفة شهية، لهذا أنصح دائماً بالذهاب إلى التسوق بقائمة طعام أساسية مع ترك جزء يسمح بمرونة الشراء، يتم تحديده بحسب الأطعمة الطازجة التي تجذبك للشراء. عندما أعود للمنزل تلهمني المكونات لأجهز وصفة ربما لم تكن ببالي، وأحياناً يكون مصدر الوصفة أكلة تذوقتها في مطعم ما وأثارت فضولي لأفكر في تجهيزها ولكن بلمساتي وروحي التي تحول الوصفة إلى شخصيتي حتى إن كل من يتذوقها يعرف أنها وصفة مي يعقوبي.
> كيف جهزتِ مطبخ منزلكِ؟
لا أنصح باقتناء كل أدوات المطبخ الحديثة، فقط الأدوات الأساسية مع عدد من الأدوات المساعدة إن أمكن، لدى قناعة أن الطاهي الماهر يمكن أن يقدم أكلة شهية بالماء والطحين.
> هل لديكِ أسرار في الطهي؟
علاقتي بالطهي هي علاقة حب، ليس معادلات ومقادير، والأكلة الحلوة بالنسبة لي هي التي تخطف قلبي قبل لساني. كل مرة أدخل فيها المطبخ لم أخطط مسبقاً، وأتعامل مع الأكلة وكأنها لوحة فنية أبحث عن ألوانها داخل المكونات المتوافرة لدي، لا أضيف مكونا إلا إذا كان سيضيف تناغما مع بقية المكونات، فمهارة الطهي تعتمد على بناء نكهات جديدة، ولذلك عندما أشارك في ورش لتعليم الطهي أنصح المشاركين بعدم الالتزام حرفيا بالمقادير، بينما كل شخص عليه أن يضيف لمسته الخاصة التي تمنحه شخصية مختلفة في الطهي.
> هل كل الوصفات التي تقدميها من ابتكاركِ؟
ليس غروراً، ولكن نعم، وأقول ذلك لأنني حين أتناول أكلة تثير إعجابي، أعكف على التفكير في مكوناتها، ثم أدخل لأقدمها ولكن على طريقتي الخاصة، فأنا لا ألتزم إلا بأساسيات الطهي والتسوية، ما هو غير ذلك فهو من وحي إلهامي الخاص.
> ما مفهومك عن الطهي الصحي؟
لا أتفق مع الرأي القائل بأن الطهي الصحي يعني السعرات الحرارية المنخفضة، فالجسم بحاجة إلى طاقة ليقوم بمهامه، ولكن أتبع قاعدة أن الأكل الصحي هو المعروف بكل مكوناته، وبقدر المستطاع الآتية من الطبيعة. كما أفضل تجهيز كل شيء بنفسي وداخل مطبخي، حتى عجين المعكرونة، فلا أفضل شراء أي مأكولات مُجهزة أو مكونات محفوظة، وأقول دائماً إن أشهى أكل هو المجهز في المنزل بمكونات طبيعية.
> أكلة من ابتكار مي يعقوبي... ما هي؟
كما قُلت مسبقاً، كل أكلة أقدمها أضع عليها لمساتي، حتى الوصفات التقليدية، ولكن هناك أكلة أعتز بتقديمها وهي «صينية سمك الدنيس بمكعبات البطاطس». أتذكر أول مرة تناولت هذه الأكلة كانت في إسبانيا، كنت بصحبة زوجي، وأعجبته كثيراً، مما أثار فضولي، وربما غيرتي أن أقدم له وصفة أشهى من الطريقة الإسبانية، وبالفعل وضعت لها مقادير جديدة وخلطة لذيذة أخذتها من إسبانيا إلى مطبخ مي، وسأذكر تفاصيل الوصف في نهاية الحوار.
> ماذا تبقى في ذاكرتك من أكلات عائلتك؟
أتذكر الأكلات التي كانت تجهزها جدتي، ما زال لها مذاق خاص، حتى إنني أقدمها لأولادي في المنزل، وقدمت بعضها في برنامجي، الأكلات العربية القديمة هي جزء من التراث، وعلينا حمايتها من الانقراض. أتذكر أكلة فلسطينية قديمة تسمى «خويا»، هي أصل وصفة السينابون، عبارة عن خبز شامي مقلي في زبدة مع ملعقتين من السكر ورشة قرفة وقليل من الماء، ومدة الوصفة لا يتخطى 10 دقائق إلا أن مذاقها لا يُقاوم.
الشيف مي يعقوبي: الأكلة الحلوة تخطف القلب قبل اللسان
الشيف مي يعقوبي: الأكلة الحلوة تخطف القلب قبل اللسان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة