فوضى
سيدات من دمشق
• إخراج: سارة فتّاحي
• تقييم: (ممتاز)
حكاية ثلاث نساء سوريات في مواقع شتى مسكونات بالذكريات المؤلمة لما عاشته وتعايشه كل منهن في ظروف الحرب السورية الصعبة. هناك المرأة التي لا تزال في سوريا تلملم آلامها وأخرى هاجرت إلى السويد تعيش أحزانها والثالثة إلى النمسا حيث لا تفتأ الذكريات المؤلمة تقض مضاجعها.
توالي المخرجة الانتقال بينهن كاشفة في كل مرّة عن جديد حول معاناتهن وذكرياتهن وشخصية كل منهن. وما تتحدث به كل واحدة مباشرة إلى الكاميرا أو بصوت الغائب عن الظهور، يكمل ما تتحدث به الأخرى ليرسم صورة شافية عن ضحايا غير منظورين ومآس شخصية غير معروفة كونها بعيدة عن التقاط وسائط الإعلام السريعة.
تشكيل الفيلم مثير وبطيء الإيقاع معاً.
مثير لناحية صحة التنفيذ كما لناحية تأطير المشاهد والتقاط تلك التي تؤازر بالوحي وجدانيات المتحدثات. هذه الإثارة لا تواكبها رغبة المخرجة (في ثالث أعمالها) في التقاط الكاميرا كهاوية تحريك أو كمونتيرة تريد منح العمل بعض السرعة والالتفاف حول الشخصيات في لقطات متعددة و- غالباً ما تكون - غير مجدية.
وسيلة ساره فتّـاحي الذي نالت عنه جائزة باسم «مخرجو اليوم» من مهرجان لوكارنو الأخير، هي تصوير مبني على الإيقاع المطلوب لملاحظة التفاصيل ولمواكبة المشاعر والوجدانيات المبثوثة في عملها.
في أحد المشاهد تقوم إحداهن بزيارة لمتحف كونستستوريش في النمسا وتتوقف ملياً عند رسم «ديفيد مع رأس غولياث» التي وضعها الإيطالي كاراڤاجيو نحو سنة 1607 ميلادية. الرمز المستمد هنا متعدد التفسيرات لكن المشهد بملاحظته يملأ خانة ضرورية في هذا العمل.
هناك الكثير من المشاهد المفتوحة على مناظر خارجية وأخرى كثيرة لعمل البعض وهن يحاولن بناء حياة جديدة ولو تحت أعباء الأمس الثقيلة. هذا كله يصل جيداً ولو أن الوقت (في الساعة الأولى على الأخص) يمر بها خالياً من التأكيد على اللُحمة التي تجمع بين شخصياته تلك. في الدقيقة 100 تخوض المخرجة ساره فتّـاحي التجريب بالصوت والصورة في مشهد لاحق لوصف إحداهن يد قاتل ابنها. الشاشة تصبح سوداء وهدير يعلوها رمزاً لوقع الحدث المؤلم. بعض اللقطات ذات الاستعارات التجريبية كانت وردت في مطلع الفيلم أيضاً.
فيلم سارة فتّـاحي ليس روائياً، لكن التسجيل فيه ليس بهدف الوثيقة وشروطها.
بذلك هو عمل تسجيلي تطلب فيه المخرجة من شخصياتها الحركة التي تناسب ما تود تحقيقه من نتائج في هذا الفيلم، وتنجح.