مهرجان «ثويزا» يحتفي بالعمق الثقافي الأفريقي في مدينة طنجة

يضم ندوات أدبية وفكرية وعروضا فنية وسهرات موسيقية

مشهدان من احتفالات مهرجان «ثويزا» ({الشرق الأوسط})
مشهدان من احتفالات مهرجان «ثويزا» ({الشرق الأوسط})
TT

مهرجان «ثويزا» يحتفي بالعمق الثقافي الأفريقي في مدينة طنجة

مشهدان من احتفالات مهرجان «ثويزا» ({الشرق الأوسط})
مشهدان من احتفالات مهرجان «ثويزا» ({الشرق الأوسط})

الدورة العاشرة من مهرجان «ثويزا» الذي انطلق الجمعة في مدينة طنجة المغربية ويعرف مشاركة مكثفة لمفكرين وفنانين مغاربة وأفارقة من مختلف الاهتمامات الفكرية والأدبية والفنية، اختار هذه السنة الاحتفاء بالعمق الأفريقي تحت شعار «أفريقيا للأفارقة».
وأثناء حفل الافتتاح، أبرز عبد المنعم البري، مدير المهرجان، أنه منذ انطلاق دورته الأولى سنة 2005 أعلن مهرجان «ثويزا» عن عمقه الملتزم وانفتاحه على ثقافات العالم المتحضر، موضحا أنه على أثر المجازر المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني على يد الآلة الصهيونية، خصصت مؤسسة المهرجان وبتنسيق مع مؤسسة دعم فلسطين الدولية، حصة من مداخيل المهرجان للمساهمة في الدعم الطبي لضحايا العدوان الغاشم، كما جرت استضافة فرقة «سوار» من القدس المحتلة للمشاركة في المهرجان.
وحول شعار الدورة «أفريقيا للأفارقة»، ذكر البري أن الملك النوميدي الأمازيغي ماسينيسا هو من قاله في القرن الثاني قبل الميلاد، ورفعه مرة أخرى المناضل الأممي نيلسون مانديلا، معربا عن سعادته باستضافة إحدى الناشطات في حزب المؤتمر الوطني لجنوب أفريقيا التي ستشارك في ندوة حول أفريقيا بعيون جيلها الجديد من البرلمانيين، وكذا استضافة الفرقة الموسيقية المتميزة «ديزو بلاتجي».
ومن جهته، ذكر فؤاد العماري، عمدة مدينة طنجة، نائب رئيس مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية المنظمة للمهرجان، أن الدورة الأولى انطلقت بشعار «الأمازيغية جذور أفريقية وملامح متوسطية»، وأن الدورة العاشرة تنطلق بشعار «أفريقيا للأفارقة»، لكي يجسد هذا العقد من الزمن انتماء المغرب الأفريقي وانفتاح المغرب على أفريقيا. وقال: «رهاننا في هذه الدورة تجسيد تلك الرؤية الثاقبة للعاهل المغربي الملك محمد السادس بأن أفريقيا تحتاج إلى شراكات وليس إلى مساعدات، وأن التلاحم الفكري والثقافي الحاصل في (ثويزا) يشكل إحدى رهانات هذه الشراكات التي يجب أن تتطور وتتوسع نحو مختلف الآفاق». مشيرا إلى أن «ثويزا» هي كلمة أفريقية بامتياز تعني ذلك التضامن والتلاحم الذي يجب أن يكرس من خلال ثويزا في أفريقيا والمغرب بوابة أفريقيا نحو أوروبا. وأضاف أن تنظيم هذا المهرجان يشكل حدثا سياحيا وثقافيا بامتياز، يواكب الطفرة البنيوية والتنموية التي تعرفها منطقة طنجة الكبرى، والتي تتعزز من سنة لأخرى كوجهة سياحية وطنية مهمة تستقطب اهتمام أعداد كبيرة من السياح المغاربة والأجانب.
وتضمن برنامج اليوم الأول من هذه الفعالية تنظيم وصلات موسيقية أفريقية، وسهرة الراب بمشاركة المغنين المغربيين العرب تجاوب معها جمهور غفير حضر بكثافة من مختلف مدن المغرب. ويشتمل المهرجان على فقرات ثقافية وفنية متنوعة من ندوات وأمسيات وسهرات غنائية، مفتوحة في وجه العموم بالمجان، يؤطرها ويشارك فيها باحثون ومفكرون وموسيقيون ومطربون مغاربة وأجانب.
وستتواصل هذه الفعاليات بلقاء فكري «في رحاب خيمة شكري.. محمد شكري بصيغة إسبانية»، بحضور كتاب وأصدقاء الكاتب المغربي الراحل وتنشيط الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحيى.
كما يتضمن برنامج المهرجان الإقصائيات النهائية لمسابقة «مواهب ثويزا 2014»، ولقاءات أفريقية كفضاء جمعوي دولي للتبادل حول الثقافة والهجرة وحقوق الإنسان، وستنظم في سياق المهرجان ندوة في موضوع «الأمازيغية، أفريقيا.. رهانات هوياتية» يشارك فيها كل من محمد بودهان من المغرب، وستيفاني بويسل من تونس، وعبد الرحمن العيساتي من هولندا، وكمال الدين فخار من الجزائر، وموسى إغ طاهر من مالي، وسيكرم في إطار هذه الندوة كل من محمد الشامي ومريم الدمناتي، قبل أن يلتقي جمهور طنجة مع سهرة موسيقية يحييها كل من ديزو بلاتجي من جنوب أفريقيا، وإيدر من الجزائر والفنان المغربي سعد لمجرد.
وستنظم جلسة حوار في موضوع «أفريقيا بعيون جيلها الجديد من البرلمانيين» سيؤطرها كل من نتومبنهال بربتيا مسيزا من جنوب أفريقيا، وكريميرا جون طييري من رواندا، وأدجمبكا أجبيسي ثيوفيل من توغو، وعلي اليازغي وعبد اللطيف برحو وأنس الدكالي ومهدي بنسعيد من المغرب، وندوة حول موضوع «أفريقيا للأفارقة.. من أعماق التاريخ»، وتقديم كتاب «بلاد الريف وحاضرة نكور» يشارك فيها كل من أحمد الطاهري من المغرب ونيكول الصباغ السرفاتي من فرنسا.كما يحتوي برنامج هذه الفعالية الثقافية على مائدة مستديرة في موضوع «أفريقيا: الدين والسياسة.. أي تأثير على الديمقراطية؟»، بمشاركة ثلة من المفكرين من المغرب وموريتانيا والسنغال وليبيا وإسبانيا ومصر والجزائر، ولقاء فكري حول «أفريقيا والشرق الأوسط.. تأملات في الثوابت والتحولات».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».