هناك في وسط هانوي، ومن بين آلاف العروض من المطاعم المحلية، يبرز مطعم «لا فيرتيكال La Verticale» بجاذبية وإغراء خاص ومختلف. ويستحضر الاسم مزيجاً لطيفاً من المأكولات الفرنسية والفيتنامية بجانب قائمة المطعم التي تعد مفاجأة في حد ذاتها، من مجموعة التوابل، والروائح، والألوان المستمدة من المكونات الطازجة وفائقة الجودة. وإجمالاً، إنه يعكس مزيجاً أصيلاً من أفضل المأكولات البحرية في العالم جنباً إلى جنب مع تميز ورُقيّ الطعام الفرنسي.
لا تكاد ترى أي إشارة إلى الوجود أو التأثير الفرنسي في فيتنام رغم كونها إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة. ومع ذلك، فإن اندماج المطبخ الفرنسي مع نظيره الفيتنامي يعد جسراً رابطاً بين هاتين الثقافتين، ومن أبرز أمثلة ذلك التأثير الخاص.
ومع قراءة قائمة المطعم، تتقافز لديك الحواس. وتلحظ التقاليد الرفيعة والأساليب الرصينة فضلاً عن التقنيات الحديثة في كيفية التعامل مع بعض أشهى الأطباق.
هناك طبق «بروث لايتلي سبايسي»، وهو مكون من الروبيان الكبير، والأعشاب البحرية الحمراء، ولُب جوز الهند، وعشب الليمون. ومنظر الطبق يثير الذهول والإعجاب كما أن رائحته زكية للغاية.
ثم طبق «ستراكتير» المكون من سمك ذئب البحر، والمحلبية، والاسكابيش، والصوص، والكزبرة.
والطبق الرئيسي هو «كوين أوف ذي هوت سي»، وهو يتكون من سرطان البحر بالفانيلا مع الأرز الأخضر وجوز الهند. وهو طبق حلو المذاق مع لسعة توابل آسيوية قوية تجعل منه طبقاً رائعاً بمنتهى البساطة.
وأخيراً تأتي الحلوى. والقرار هنا صعب للغاية. إذ يقدم المطعم طبق «آسيدوليت ريد فروتس»، وهو يتألف من الكعكة الهشة، مع كريمة الليمون، وآيس كريم السمسم الداكن. كما يقدم المطعم أيضاً «كريم بروليه» بنكهة التوابل الفيتنامية. وكما أن ما تقدم بين أيدينا من روائع ليس كافياً، يقدم المطعم أخيراً مجموعة مختارة ومثيرة للإعجاب من الجبن محلي الصنع.
يشبه الوجود في مطعم «لا فيرتيكال» الاستمتاع باحتفالية رائعة من النكهات المختلفة اللذيذة. إنه ومن دون شك واحد من أفضل المطاعم التي زرتها. وكل شيء هناك جميل ولذيذ بشكل لا يصدق. والمكان فائق الأناقة والديكورات راقية وتنمّ عن ذوق رفيع.
> الشيف ديدييه كورلو لـ«الشرق الأوسط»: استعنت برحلاتي حول العالم في اتقان أسلوبي في الطهي
في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» كشف الطاهي الفرنسي الشهير ديدييه كورلو، مالك مطعم «لا فيرتيكال»، كيف استعان برحلاته حول العالم في إتقان وصقل موهبته وأسلوبه في الطهي.
> ما المفهوم الرئيسي الذي يميز مطعم «لا فيرتيكال»؟ وما أبرز النكهات التي يتفرد بها عن غيره من المطاعم؟
- أستطيع الإجابة من واقع كل خبراتي السابقة في مختلف أرجاء العالم أن الشعب الفيتنامي يحظى بتقاليد هائلة للطهي تماماً مثل الشعب الفرنسي. وكانت النكهات التي خبرتها هنا مصدراً عظيماً من مصادر الإضافة والإلهام. هذا في ما يتعلق بالمفهوم الرئيسي وراء المطعم. وهو مزيج من التأثير الفرنسي الأنيق والتأثير الفيتنامي الخلاق، ناهيكم بالتوابل الرائعة، والاختلاف في الأذواق.
> ما المكونات الرئيسية التي تضمها قائمة المطعم، وما نصيب ما هو فيتنامي منها مقارنةً بما هو فرنسي؟
- هناك 90% تقريباً من المنتجات مصدرها فيتنامي محلي، ونحن نستخدم القليل للغاية من المنتجات المستوردة من الخارج. ويمكننا بسهولة العثور على كل شيء تقريباً في الأسواق المحلية، وكلما كانت تلك الأسواق قريبة كان ذلك أفضل بالنسبة إلينا.
> ما الذي يمنح الطعام الفيتنامي تنوعه الفائق من الأطباق والنكهات؟
- لدى الشعب الفيتنامي تقاليد عريقة في الطهي الأسري ووصفات الوالدات والجدات التي تتناقلها الأجيال. وبناءً على المنطقة، فلديهم رؤية مختلفة تماماً لمختلف المنتجات وأساليب الطهي المتنوعة.
> لاحظت أنكم تدرجون الكثير من التوابل والمنتجات العالمية الأخرى في الأطباق التي تقدمونها، فمن أين تنبع أهمية تلك المنتجات للطعام الذي تعدونه في المطعم؟
- لديَّ شغف قديم وخاص تجاه التوابل منذ تعرفت عليها للمرة الأولى في رحلاتي الأفريقية، ثم رجعت ووجدتها هنا أيضاً في فيتنام، حيث اكتشفت مدى التنوع والاختلاف في التوابل. وإنني أستعين بها بشكلها الطبيعي، فضلاً عن صناعة الخليط الخاص بي منها للحصول على النكهات الخاصة للأطعمة وغرس روح المكان في الأطباق التي نقدمها. لقد ارتحلت حول العالم قرابة ثلاثين عاماً، وكل جزء من رحلاتي منحني رؤية جديدة وتأثيراً ممتازاً، ولذلك فإنني أعتمد على تلك التجارب والخبرات الثرية التي أعطتني حساً راقياً في المأكولات التي أعدها الآن في المطعم.
> كيف هي أهمية تأثير المطبخ الفرنسي على نظيره الفيتنامي كما لاحظتم؟
- ظل الفرنسيون زمناً طويلاً في فيتنام من قبل، وما زلنا نعثر على بعض المأكولات التي يظهر فيها الأثر الفرنسي واضحاً، مثل حساء «فو نودلز» الذي يأتي من يخني لحم البقر على الطريقة الفرنسية، غير أنه مطهي على الطريقة الفيتنامية التقليدية. وأستطيع القول: إن المطبخين يكمل أحدهما الآخر في اتساق رائع، وكل منهما يستمدّ من الآخر ويمنحه في تبادل عجيب.
> ما الطبق الفيتنامي المفضل لديك ولماذا؟ وماذا عن أفضل الأطباق الفرنسية أيضاً؟
- لا أعرف إن كان لديّ طبق مفضل من عدمه. ففي فيتنام، هناك حساء «فو نودلز» الذي يمنحك طاقة ممتازة في الصباح، ومن كلا البلدين هناك أطباق الأسماك والمأكولات البحرية المختلفة، والسبب في الغالب يرجع إلى ذكريات الطفولة العذبة. ويمكنك أن تجد في كتابي مختلف الوصفات التي تتحرك من التقليدية إلى الحداثة، بجانب إبداعات وابتكارات المطبخ الفيتنامي الرائع. فإنني شغوف للغاية بالتجريب والابتكار في عملي.
> ما الذي يمكنك النصيحة به من قائمة المطعم لقراء الصحيفة؟
- أنصح بتجربة طبق الموسم، إذ تعتمد قائمتي على المواسم المختلفة. وفي الأوقات الراهنة أستطيع النصيحة بتناول «اسكابيش الأسماك» وهو السمك النيئ مع صوص اليود الخفيف، والتونة الفيتنامية الحمراء، مع عشب الليمون والفاكهة، والذي يتوازن جيداً مع سرطان البحر بالفانيلا.
> لاحظنا صورة تجمعك بالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والرئيس الفيتنامي كذلك، كيف كانت تجربة الطهي لمثل هؤلاء القادة؟
- عندما وصلت إلى فندق «ميتربول» في هانوي عام 1991، كان الفندق في أول أيامه وكان فندقاً حكومياً آنذاك، ولقد قمت بالطهي هناك لأكثر من 40 شخصية عالمية بارزة عبر مسيرتي المهنية، وصار الأمر بمرور الوقت سمة مميزة من سمات عملي في هذا المجال.
«لا فيرتيكال»... فورة نكهات فيتنام وفرنسا في قلب هانوي
يعتمد على المنتج المحلي مستعيناً بالفرنسي
«لا فيرتيكال»... فورة نكهات فيتنام وفرنسا في قلب هانوي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة