«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (7): متنافسو مهرجان برلين يرقصون مع «الدببة» الليلة

ختام لدورة غير لامعة ونهاية مرحلة

شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)
شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (7): متنافسو مهرجان برلين يرقصون مع «الدببة» الليلة

شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)
شارلوت رامبلينغ محتفية بجائزتها مع مدير مهرجان برلين دييتر كازليك والمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (أ.ف.ب)

مساء اليوم، السادس عشر من هذا الشهر، يشهد العرض الأخير لمهرجان برلين السينمائي… عرض لرجال ونساء يصعدون المنصة ويرقصون مع «الدببة»، وهي الجوائز التي سيتم توزيعها على الرابحين.
لم تكن دورة فذّة بين دورات «برلين»، لكنها لم تكن كذلك من تلك التي كسرت ظهر المهرجان بأسره. حضوره ما زال قوياً… فقط لم تلمع دورته هذه كما لمعت دوراته السابقة وتلألأت.
من حسنات مهرجان برلين الخفية، أنه كثيراً ما يوفر لنقاد السينما فرصة الاشتراك في لجان تحكيمه: الناقد البريطاني ورئيس تحرير مجلة «سايت آند ساود» (إحدى المجلات السينمائية القليلة الباقية باللغة الإنجليزية)، نك جيمس كان عضو لجنة التحكيم الدولية سنة 2016، تلك التي ترأستها ميريل ستريب ومنحت دبها الذهبي آنذاك للفيلم التسجيلي الإيطالي «نار في البحر».
وفي العام التالي تربعت الناقدة المكسيكية دنييلا مايكل بين أعضاء لجنة التحكيم الرسمية للفيلم التسجيلي، وهذه اللجنة منحت جائزتها الأولى لفيلم «اصطياد أشباح» للفلسطيني رعد أنضوني.
في العام الماضي انضمت الأميركية ستيفاني زاكارك للجنة الرئيسية (تحت إدارة المخرج الألماني توم تيكوَر) وهي ناقدة مجلة «تايم».
أما هذا العام شغل المنصب ناقد صحيفة «ذا لوس أنجيليس تايمز» جوستين تشانغ الذي كان ناقداً لمجلة «فارايتي» لبضع سنوات لمع فيها قبل التحوّل إلى تلك الصحيفة ذائعة الانتشار. هو تحت إدارة الرئيس الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الغنية عن التعريف، في مقابل باقي فريقها مثل تشانغ والممثلة الألمانية ساندرا هولر والمخرج التشيلي تشيليان ليليو والمنشط ومسؤول «متحف مودرن آرت» في نيويورك راجندرا روي. والعضو السادس هو الممثلة البريطانية ترودي ستايلر التي انقلبت منتجة أيضاً في عام 1990.
ما يحسب هنا أن النقاد والمخرجين لا يتفقون كثيراً على اختياراتهم. لكن الخلاف المتوقع (ولو نظرياً) بين تشانغ وليليو (إن وقع) سيواجهه خلاف محتمل على رقعة أخرى. فالممثلة ساندرا هولر قد تؤيد جولييت بينوش في قراراتها وقد تخرج عنها. وراجندرا روي قد يتفق مع مواطنه تشانغ أو قد يعارضه.
في كل الأحوال، وفي نهاية دورة حفلت بأفلام مقبولة ومتوسطة (وبعض الضحل) النتيجة ستكون نوعاً من الاختيارات التي ترقص على حبال واهنة.
وهي أيضاً ستكون نهاية مرحلة امتدت 18 سنة تحت رئاسة دييتر كوزليك، التي نهضت بالمهرجان ومنحته مكانته أكثر مما فعل بعض من سبقه في هذا المنصب.
وهو ظهر في هذه الدورة على المنصة، في أكثر من مناسبة، كعادته في كل عام، وإحدى أهم المناسبات كانت منح الممثلة شارلوت رامبلينغ جائزة المهرجان التكريمية الخاصة. هناك وقفت الممثلة التي لها باع يمتد من أواخر الستينيات، التي مثلت في أفلام عبر القارات. ورفعت «دبها» المذهب وسط تصفيق وتحية ألوف الحاضرين.

في شبر من الماء
خلف انسحاب فيلم زانغ ييمو «ثانية واحدة» فراغاً ملموساً. ليس فقط أن عدد الأفلام المتسابقة قد قل عما كان عليه (وكان قليلاً في الأساس) بل ترك رواد أمس الجمعة، مثل سراب نحل فقد خليته.
والفيلمان الصينيان الآخران في المسابقة «أوندوغ» و«وداعاً، ولدي» شهدا انقساماً بين النقاد يوحي بتكراره بين لجنة التحكيم.
«أوندوغ»، كما مرّ معنا، دراما توظف سهوب مانغوليا لما تطرحه من أحداث وهي شحيحة كالمكان التي تقع تلك الأحداث فوقه: جثة امرأة عارية في وسط اللامكان. شرطي توكل إليه حراسة المكان ليوم وليلة. امرأة وحيدة تتقرب منه. ثم يعود البوليس مع سيارة الجهاز الطبي للإشراف على نقل الجثة.
الفيلم الصيني الآخر: «وداعاً، ابني» تقع أحداثه في الصين ذاتها ومخرجه هو وانغ سياوشياو الذي يتم تعريفه بأنه في حين توجه معظم المخرجين الصينيين من جيله لتحقيق أفلام تدر أرباحاً، حافظ سياوشياو على جدية أفلامه وطروحاتها التي ترصد متغيرات المجتمع الصيني.
في «وداعاً، ولدي» يطرح سياوشياو حكاية زوجين عانا الكثير في حياتهما المشتركة. في البدء جاء موت ابنهما الصبي زينغزنغ بداية لسلسلة من العذابات النفسية والعاطفية. يفتح الفيلم بمشهد صبي يرقب أولاداً آخرين يلعبون في ماء البحر عند الساحل. إنه هاوهاو الذي يستدير صوب زينغزنغ ويحثه على النزول إلى البحر. زينغزنغ يتمنع لأنه لا يجيد السباحة. يرد عليه صديقه بأن الساحل ليس عميقاً. وما نراه هو كذلك بالفعل. مستوى الماء بالكاد يرتفع عن الكاحل. «سأحميك» يقول هاوهاو لزينغزنغ.
سيعود المخرج إلى الحادثة أكثر من مرّة (من دون تفسير كيف يمكن لصبي أن يغرق في شبر من الماء، خصوصاً أن أحد المشاهد يرينا نقله من تلك البقعة غير العميقة) فالمصاب، بالنسبة للعائلة الصغيرة، جسيم. لذلك يتبنى الزوجان صبياً سمّياه أيضاً زينغزنغ علّه يملأ الفراغ العاطفي ويحل مكان الفقيد. لكن هذا الصبي يخيب الآمال. يحتفظ بسلوكه المعادي ويغيب (وقبل نهاية الفيلم بنصف ساعة أو نحوها يعود ليغيب بعد ذلك تماماً).
موت الابن سيظلل الفيلم كون أثره على الأبوين سيمتد لعقود متوالية. لكن المعاناة لها جانب آخر سياسي. فالأحداث تبدأ في موقع ما من فترة «الثورة الثقافية» وتنتقل لما بعد تلك الفترة مع صدور قرار إلزامي يجبر العائلات على تحديد الإنجاب بولد واحد. هنا يصبح لزاماً على الزوجة القبول بعملية إجهاض لئلا تنتهي هي أو زوجها أو كلاهما إلى السجن. والكثير من المشاهد تدور في تلك الفترة لكنها تتقاطع دوماً ومشاهد استرجاعية من الفترة السابقة. فالفيلم ليس سرداً يتبع الفترات الزمنية على نحو متوال وطبيعي، بل ينتقل من فترة لأخرى، حسب ما ارتأى المخرج حتى ولو أدى ذلك لتفكيك بعض أوصاله درامياً.
«وداعاً، ولدي» دراما عائلية مليئة بالألم الداخلي والإحباطات العاطفية التي لا تتبدى إلا لمن لا يعمل لصالح السُلطة الشيوعية. بعد ذلك يدخل الفيلم بداية الفترة الحالية حيث تحولت الصين إلى نظام رأسمالي (ولو أن الحزب الشيوعي ما زال يحكم). في طيات كل ذلك، يصيب الثراء عائلات لكنه لا يصيب أخرى مثل العائلة التي تابعنا معاناتها طوال الوقت. الفيلم لا يتعرض فقط لمعاناة العائلة، بل يصدرها لمشاهديه الذين، في أحسن الأحوال، عليهم مشاهدة عمل عادي المواصفات فناً.
تصوير كيم - هيون - سيوك شاحب في معظم مشاهده، خصوصاً الخارجية، حيث طبيعة المكان لا تغري باعتماد مصادر الضوء الطبيعية.
السيناريو (من أ. ماي) مليء بالمنغصات. هذا فيلم ميلودرامي يعكس مشاعر الألم والذنب والحزن طوال مدة عرضه. على ذلك، هناك جهد واضح من المخرج لإنجاز عمل شبه ملحمي وبالتأكيد واقعي اللون والمعالجة والنبرة. في كل ذلك يمنحنا الفيلم الكثير من أسباب متابعته، لكن ساعاته الثلاث مليئة بالانتقالات ما بين الأمس البعيد والأمس القريب والحاضر ما يترك المرء بارداً حيال الواقع المعروض.

«الأوسكار» في وسط برلين
هناك رتابة في هذين اليومين الأخيرين من الدورة التاسعة والستين، لا ينقذ المتابع منها سوى ما يرد من هوليوود حول السجال القائم بين أكاديمية العلوم والفنون السينمائية والوسط السينمائي عموماً.
فقبل أيام قليلة من قيام الأكاديمية بتوزيع جوائز «الأوسكار» في دورته الحادية والتسعين يوم الأحد المقبل (الرابع والعشرين من الشهر) ارتكبت الإدارة ما بدا خطأ كبيراً في حساباتها: لقد قررت توزيع جوائز أربع مسابقات بعيداً عن أنظار المشاهدين، أي خلال قيام المحطات التلفزيونية ببث دعاياتها بين الفقرات. هذا يعني أن جمهور الحفل سيتابع البرنامج كاملاً، لكن الملايين خارج قاعة الاحتفال ستحرم منها. كذلك سيُحرم الفائزون من قطف الثمار الإعلامي الواسع أسوة بزملائهم.
المسابقات المتوارية هي التصوير والمونتاج ومسابقة الأفلام الحية القصيرة ومسابقة الماكياج وتصميم الشعر.
السبب الوحيد لذلك هي محاولة الأكاديمية الالتزام بثلاث ساعات من البث، وبالتالي جعل الحفل يتحرك أسرع. ما فات أصحاب القرار حقيقة أنه من الأفضل لو تم حذف بعض الفقرات الاستعراضية التي تأخذ من الوقت أكثر مما تأخذه عملية توزيع هذه «الأوسكارات» على الفائزين.
في كل الأحوال، وُجِه القرار برفض عدد كبير من السينمائيين الأميركيين من بينهم ألفونسو كوارون وسبايك لي وجورج كلوني وبراد بيت ومارتن سكورسيزي وكونتين تارنتينو، التبرير المساق وراء هذا القرار. وأمس (الجمعة) قدمت «جمعية المخرجين الأميركية» احتجاجها الرسمي على هذا القرار واصفة إياه بأنه «مهين»، وأن مجرد تغييب فقرات تخص المسابقات الأربعة المعلن عنها يعكس اعتبار أن هذه المسابقات والرابحين فيها «أقل شأناً من باقي الرابحين».
لم يصدر تعليق من مهرجان برلين حول هذا الموضوع كونه يخص المؤسسات الأميركية وسينمائييها. لكن المهرجان كان سبق له وأن عكس تبريراً غير مقبول بدوره عندما قال إنه «فوجئ» بموعد تقديم أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية موعد حفلتها إلى الرابع والعشرين من الشهر. وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً كون الإعلان عن موعد حفل «الأوسكار» تم قبل أشهر بعيدة.


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة ألوان زاهية (أ.ف.ب)

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

أطلقت بوخارا أول مهرجان لمناطيد الهواء الساخن يُقام في النيبال، إذ تحوّلت سماء المدينة لوحةً من الألوان الزاهية ضمن مشهد شكّلت ثلوج قمم «هملايا» خلفيته.

«الشرق الأوسط» (بوخارا (النيبال))
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)

الفيلم المصري «شرق 12» يفتتح «أسبوع النقاد» في «مهرجان برلين»

عُرض «شرق 12» في السعودية والبرازيل وأستراليا والهند وشاهده جمهور واسع، ما تراه هالة القوصي غاية السينما، كونها تملك هذه القدرة لتسافر وتتفاعل مع مختلف الثقافات

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية» التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس.

انتصار دردير (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».