سوريا... من «داعش» إلى «حراس الدين»

مساعٍ لاستقطاب المقاتلين القدامى

صبي سوري يمر قرب موقع تفجير منبج حيث لقي 4 جنود أميركيين مصرعهم منتصف الشهر الماضي (أ.ف.ب)
صبي سوري يمر قرب موقع تفجير منبج حيث لقي 4 جنود أميركيين مصرعهم منتصف الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

سوريا... من «داعش» إلى «حراس الدين»

صبي سوري يمر قرب موقع تفجير منبج حيث لقي 4 جنود أميركيين مصرعهم منتصف الشهر الماضي (أ.ف.ب)
صبي سوري يمر قرب موقع تفجير منبج حيث لقي 4 جنود أميركيين مصرعهم منتصف الشهر الماضي (أ.ف.ب)

أثارت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن بلاده هزمت تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، تساؤلات حول مستقبل الاستقرار الأمني فيها. لا سيما أن المجتمع السوري ما زال تحت عبء أعداد كبيرة من التنظيمات الأصولية المتشددة، والتي تتعاقب في مدى تسلمها لزمام الأمور، ما بين من يصبح أكثر تأثيراً، ومن يخفت وهجه من هذه التنظيمات المتطرفة.

إذا ما كان قرار انسحاب القوات الأميركية من سوريا نتيجة سقوط الأماكن التي كانت تحت نفوذ التنظيم الداعشي؛ إلا أن ذلك لا يدل على اختفاء وجودهم في الفضاء السوري، وينعكس ذلك من خلال الهجوم الانتحاري الأخير الذي تعرضت له مدينة منبج في شمال سوريا، والذي أسفر عن 19 ضحية بينهم أربعة أميركيين. وذكرت وكالة «أعماق» الذراع الإعلامية لـ«داعش» إقرار التنظيم بأن مقاتلاً ينتمي إليه قام بتفجير سترته الناسفة مستهدفاً دورية لقوات التحالف.
وفي ذلك استدلال على أن التنظيم استغل مناسبة الإعلان عن انسحاب القوات الأميركية لإثبات وجوده، مما يخالف ما صرح به الرئيس الأميركي، وتأكيد أن «داعش» لا يزال صامداً قادراً على الاستمرار. وذكر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، أن تصريحات ترمب بخصوص قرار الانسحاب من سوريا أدت إلى إثارة الحماسة لدى «داعش» أو إعادة الأمل لديه بقدرته على معاودة النهوض. بينما من الممكن أن يتم فهم قرار الانسحاب الأميركي استسلاماً.

هجمات عشوائية

من جهة أخرى يعطي الفرصة لأطراف دولية أخرى للتدخل بشكل أقوى مثل إيران... وإن كانت الولايات المتحدة الأميركية تؤكد استمرار نهجها في سوريا والضربات الجوية في المنطقة والعمل مع الشركاء في التحالف من أجل هزيمة «داعش»؛ إلا أن على الحلفاء «تحمل مسؤوليات جديدة».
وقد أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، من جهته، خلال خطابه الذي ألقاه في الجامعة الأميركية في القاهرة: «ما زلنا ملتزمين بالتفكيك الكامل لتهديد (داعش) والمعركة المستمرة ضد الإسلام الراديكالي بكل أشكاله»... وفقاً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد تم أخيراً إجلاء ما يصل إلى 2200 شخص من ضمنهم 180 مقاتلاً ينتمون إلى «داعش» من آخر معقل للتنظيم، والذي كان تحت سيطرته في عام 2014. وعلى الرغم من تبعثر التنظيم الداعشي وتفككه؛ فإن أعضاءه لا يزالون موجودين في المناطق الحدودية، ويمارسون هجمات عشوائية تتخذ من نهج حرب العصابات مسلكاً لها والإتيان بهجمات عشوائية مثل ما حدث في هجوم منبج.
فيما يثير انسحاب القوات الأميركية حيال كيفية التعامل مع الأعداد الكبيرة، المقاتلين المنتمين إلى «داعش» الموجودين في السجون السورية، بالأخص في ظل عدم وجود إمكانيات كفيلة بالتعامل معهم، ومن ضمنهم العديد من المقاتلين الأجانب ممن ترفض دولهم استقبالهم خوفاً من تأثيرهم على مواطنيهم، سواء عبر بث الآيديولوجية المتطرفة أم من خلال شن هجمات إرهابية.
داعشيون آخرون سعوا للانتقال خارج سوريا إلى صحراء العراق بالقرب من منطقة الأنبار، وكجزء أكبر من استراتيجية التنظيم، يظهر الاهتمام في إيجاد مناطق نفوذ جديدة مثل ليبيا وأفغانستان وحتى الصومال ودول أخرى... الأمر الذي يلقي الضوء على ضرورة اجتثاث الفكر الآيديولوجي المتطرف مثل ذلك الذي ينشره «داعش» من أجل إيقاف قدرته على التغلغل إلى المتعاطفين، أو أولئك الذين لديهم قابلية للتطرف والأدلجة. فمدى خطورة التنظيم الداعشي يتجلى قدرته على إقناع أعضائه بتكفير حتى المسلمين وقتلهم، على اعتبار أنه التنظيم الأكثر تشدداً وشيطنة للآخرين منذ بدء أنشطته في العراق عام 2014، إذ نشأ مؤجِّجاً للطائفية مما يزيد من الاضطراب في المنطقة. إلا أن «داعش» في الآونة الأخيرة يواجه تقهقراً إعلامياً إذا ما قورن بفترة انتعاشته في بداية عهده، وذلك نتيجة لتحالف العالم من أجل الحد من قدرته على التأثير وحجب وتعطيل أنشطته وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.

ندم واعتذار

من جهة أخرى ظهر عبر وسائل الإعلام التقليدية العديد من اللقاءات مع مقاتلين سابقين انتموا إلى التنظيم وتراجعوا عنه على نسق أبو حذيفة الكندي في لقاء تلفزيوني وهو يحمل الجنسيتين الكندية والباكستانية، قال «إنه نادم على انضمامه إلى (داعش)، وقد جلس لمدة 5 أشهر في مدينة منبج السورية، وعاد إلى كندا»، وذكر أنه يعاني من كوابيس، وأنه على المواطنين الكنديين عدم القلق من المقاتلين السابقين مثله، فهم يرغبون فقط في نسيان ما حدث والمضي قدماً. بغض النظر عن مدى تقهقر الحراك الداعشي في سوريا؛ إلا أن ذلك لا يعني اقتراباً من الاستقرار الأمني أو التخلص من الجماعات المتطرفة فيها، إذ يُقدر عدد القتلى في سوريا نتيجة الهجمات الإرهابية بما يزيد على 34.853 وهي ليست نتاجاً من تنظيم داعش فحسب. ما يمكن توقعه هو أنه سيصبح هناك قلب لموازين التنظيمات، وترجيح كفة الميزان لصالح تنظيمات أصولية أخرى.
ويبدو ذلك جلياً في محافظة إدلب شمال غربي البلاد، والتي أصبحت ملاذاً لتنظيم القاعدة، وقد سعت «هيئة تحرير الشام»، وهي «جبهة النصرة» سابقاً للاستحواذ على المنطقة منذ أن أعلنت خروجها عن عباءة «القاعدة». بالأخص بعد أن تم الإعلان عن حدوث اتفاق بين تنظيم «هيئة تحرير الشام» والفصائل السورية الموالية لتركيا، الأمر الذي مكّنها من التخلص منها مثل «جبهة التحرير الوطنية»... وقد نشرت حسابات مرتبطة بجبهة النصرة صوراً تُظهر بنود اتفاق بخط اليد بتاريخ 10 يناير (كانون الثاني) الماضي، ما ينص على وقف إطلاق النار وتبادل الموقوفين إثر المعارك التي خاضها الطرفان أخيراً، وخروج القوات الكردية والأميركية من المنطقة.

حرب عصابات

ويظل توقُّع انقراض تنظيم متطرف على حساب آخَر أمراً شديد الصعوبة، لا سيما أن حرب العصابات تستلزم استسلاماً، وهو ما ترفض غالبية هذه التنظيمات القيام به، والاستعاضة عن ذلك بالركون، حتى يتم الحصول على فرص تمكنها من النهوض من جديد.
ففي الوقت الذي سحب فيه «داعش» البساط من «القاعدة» منذ 2014 في كلٍّ من الرقة والموصل والمدن الأخرى، نشهد أخيراً معاودة تنظيمات تابعة للقاعدة واستحواذها على مدن أخرى مثل إدلب، أو دول أخرى مثل اليمن، فيما نهض «داعش» وحاول احتلال جبال تورا بورا معقل أسامة بن لادن، من أجل وضع لوائه فيها وإثبات قوة وجوده. وبعد أن تمكن تنظيم القاعدة من سرقة الوهج الإعلامي لأي تنظيم آخر في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، إلا أن الحيثيات المتعلقة بالبروباغندا والحملات الدعائية للجماعات المتطرفة تغيرت، بعد أن أصبح العالم الإلكتروني هو القادر على الوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص ليظفر تنظيم داعش بذلك الوهج.
الأمر الذي يصعب فيه أن يصل المحللون إلى وجود احتمال للتخلص نهائياً من التنظيمات المتطرفة لا سيما في المناطق المنهكة سياسياً وأمنياً والقابلة للسيطرة من قِبل الميليشيات والجماعات الإرهابية. بل لا يزال هناك احتمال ظهور تنظيمات جديدة في ما بعد نبعت جراء الوضع المستفحل في المنطقة نتيجة تعقيد الصراعات المنقسمة في سوريا، التي وقع ضحيةً لها أهالي سوريا نتيجة تفشي العنف والهجمات الإرهابية وإثارة الرعب في قلوبهم، والذي يحمل انعكاسات بعيدة المدى على النسيج الاجتماعي في سوريا، بعد أن أصبح هناك تسييس للدين من خلال الميليشيات المتطرفة وظهور الطائفية من خلال توجهات المقاتلين المختلفة، والسعي نحو أدلجة المجتمع واستقطاب رجاله وشبانه وحتى صغاره.

مراكز دعوية

وقد ظهر العديد من المساعي من قبل التنظيمات المتطرفة من أجل التأثير على الأهالي السوريين، على نسق المراكز الدعوية التي تظهر أنشطتها إلكترونياً مثل «مركز دعاة الجهاد»، و«مركز دعاة التوحيد» الذي يقوم باستقطاب الشبان وتجنيدهم من خلال الحلقات الدينية والمعسكرات والحملات الدينية.
تنظيم آخر سعى لأدلجة السوريين هو تنظيم «حراس الدين» المتشدد الموالي لتنظيم القاعدة والمتمركز في جنوب شرقي محافظة إدلب، وقد تمكن من استقطاب مزيج من المقاتلين القدامى ممن كانوا منضمين لتنظيم القاعدة، إضافة إلى أعضاء منتمين إلى تنظيم داعش. ويظهر حرص التنظيم على التغلغل في المجتمع السوري من خلال ممارسة الضغوط حتى على الجامعات، مثل اقتحامه جامعة إدلب في ريف المدينة، التي قام بتهديدها بغلقها قسرياً في حال استمرت على نهج الاختلاط بين الجنسين، وهو التهديد نفسه الذي تعرضت له من «هيئة تحرير الشام»، الأمر الذي يدل على سعيهم لفرض التغيير في النسيج الاجتماعي والأنماط الحياتية المعيشة وخلق التشدد الديني... فالعديد من الحيثيات تؤكد ضرورة إعادة تهيئة المجتمع السوري في ما بعد، لتخليصه من أدلجة الدين وتسييسه من قبل المتطرفين وتأثر ووقوع ضحايا في أسر فكره، ليصبح ذلك جزءاً من الاستراتيجيات المدرجة في مرحلة ما بعد الصراع.


مقالات ذات صلة

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».