روبين ويليامز مارس الكوميديا وأحب الدراما

مات منتحرا بعد إصابته بمرض «الاختناق»

وضع المعجبون باقات زهور على النجمة التي تحمل اسمه في «مسار الشهرة» في هوليوود (أ.ب)
وضع المعجبون باقات زهور على النجمة التي تحمل اسمه في «مسار الشهرة» في هوليوود (أ.ب)
TT

روبين ويليامز مارس الكوميديا وأحب الدراما

وضع المعجبون باقات زهور على النجمة التي تحمل اسمه في «مسار الشهرة» في هوليوود (أ.ب)
وضع المعجبون باقات زهور على النجمة التي تحمل اسمه في «مسار الشهرة» في هوليوود (أ.ب)

في آخر فيلم مثّله، وهو «أكثر رجال بروكلين غضبا» (The Angriest Man in Brooklyn)، الذي شهد عرضا محدودا في الولايات المتحدة وحول العالم في ربيع هذا العام، لعب الممثل روبين ويليامز شخصية رجل يخبره الطبيب بأنه سيموت بعد 90 ‬دقيقة فينطلق ليودّع زوجته وأخاه وبعض الأصدقاء ويتصالح مع كل من اختلف معه منهم. في النهاية يتبيّن له أن هناك خطأ في التشخيص، وأن خطر الموت لم يكن مطلقا جاثما عليه كما اعتقد.
لكن هذا في الفيلم، أما في الواقع فإن الممثل الكوميدي الذي لوّن العديد من أدواره بالطابع الدرامي أيضا، كان جاثما تحت فكرة الموت التي لازمته منذ عدة أسابيع. منذ أن عاينه طبيب لا يخطئ وأخبره بأنه يعاني من علّة اسمها «الاختناق» (Asphyxia)، مما نتج عنه شعور ويليامز بالكآبة التي ازدادت، حسب شهود، بالتدريج ودفعته للتفكير أولا في اعتزال التمثيل والأضواء تجنّبا لأن يصبح مادة إعلامية في ظرفه الصعب. لكن يبدو أن الممثل أدرك أن مرضه ذاك أخطر من أن يُعالج، فقرر وضع حد لحياته ظهر يوم الاثنين الحادي عشر من هذا الشهر عن 63 سنة.
ومع أن التحقيقات الأولى لم تؤكد حتى حين محاولة وضع النقاط على أحرف هذه الكلمات أن الموت كان نتيجة فعل انتحار، فإنها - وحسب الدلائل الأولى - تتجّه إلى تبني هذا الرأي على نحو حاسم.
وحسب معهد الدراسات الطبية في جامعة إموري في ولاية أتلانتا، فإن مرض «الاختناق» ينتج عن «حاجة الجسم للتنفس بسبب غياب الأكسجين في الجسم وامتلاء الرئتين بثاني أكسيد الكربون». وما يحدث في الحالات الدائمة، كالحالة التي مرّ بها الممثل المعروف، هو انحسار الأكسجين في داخل الجسم على نحو متواصل حتى ينقضي منهزما أمام المواد السامّة أو غير الصحيّة الناتجة عن عدم قيام الرئتين بعملهما المعتاد.
قابلته قبل بضع سنوات في مهرجان تورنتو والحديث تحوّل إلى سلسلة من النكات المتواصلة قلّد فيها الممثل اللكنات والثقافات ملقيا نكاتا حول اليهود لو نطق بها سواه لأثار القطيعة والاتهامات، وأخرى حول الآيرلنديين والأميركيين والروس على حد سواء. كان مشهورا بإتقانه اللهجات و«قفش» النكات من قبل أن يدرك المتحدث إليه أن الممثل وجد نكتة ما في باطن كلامه.
هو ممثل كوميدي بالطبيعة ولمع نجمه في استعراضات منفردة أو «ستاند أب كوميدي» (Stand‪-‬Up Comedies). ولد روبين ويليامز في مدينة شيكاغو في الحادي والعشرين من يوليو (تموز) 1951 ابنا لموظف إداري في شركة سيارات اسمه روبرت ويليامز ولعارضة أزياء من نيو أورليانز اسمها لورا مكلورين. عُهد به إلى مدارس خاصّة. في عام 1969 انتقلت العائلة إلى مدينة سان فرانسيسكو حيث أمضى بعد ذلك سنوات عديدة التحق فيها بالجامعة لدراسة العلوم السياسية رغم أنه كان شغوفا بالتمثيل. ولحين بدا كما لو أنه لم يقرر ما الذي يريده من مستقبله، الوظيفة الأكاديمية أو التمثيل، فإنه بتّ رأيه وقام بدخول معهد مارين (شمال كاليفورنيا) لدراسة الدراما. كان في العشرين من عمره عندما تم قبوله والممثل الراحل كريستوفر ريف (ممثل شخصية «سوبرمان» في أواخر السبعينات). مدرّسه كان الممثل والأكاديمي بدوره جون هاوسمان الذي لقّنه الأداء الشكسبيري غير مدرك، على الأرجح، أن نوايا روبنز الدفينة كوميدية.
بعد سنوات من الدراسة وإتقان فن التمثيل الصامت «المايم» في شوارع المدينة عاد إلى سان فرانسيسكو التي كانت في تلك الآونة معروفة بمسارحها الكوميدية.
في منتصف السبعينات حط في مدينة لوس أنجليس ليظهر في مسرحها الكوميدي المعروف بـ«ذا كوميدي ستور»، مما أدّى به بعد عام واحد لدخول استوديوهات «NBC» التلفزيونية حتى نهاية 1978. الظهور على الشاشة الصغيرة بعد ذلك امتد لمحطة «ABC» عندما انضم إلى الحلقات الكوميدية الخفيفة «أيام سعيدة» التي برع فيها كل من هاري وينكر ورون هوارد.
إنها الفترة التي تسلل فيها الإدمان إلى أنفه فصرف الكثير من ثروته على الكوكايين، مما أوقعه في مشاكل مادية وعاطفية مع أسرته.

* كوميدي يحب الدراما
في عام 1979 كان المخرج الراحل روبرت ألتمن يبحث عن ممثل يؤدي بطولة شخصية «بوباي» الكارتونية في فيلم يحمل الاسم نفسه. وجد ضالته في هذا الممثل الموهوب، فاختاره وأنجزه في العام التالي ليكون أول فيلم سينمائي بالنسبة لويليامز. الفيلم حمل طابع المخرج الذي عادة ما يناهض التقليد والمفاهيم السائدة حول الشخصيات الثقافية الأميركية (كما حاله في فيلمين آخرين هما «الوداع الطويل» و«بافالو بيل والهنود الحمر») وهو ما لم يتوقّعه الجمهور الذي اعتاد على بوباي آخر هازلا ومثيرا للترفيه المسطّح.
في عام 1982 مات الكوميدي جون بيلوشي نتيجة الإدمان ذاته. حسب اعتراف روبين «كانت صدمة كبيرة لي هزتني من الداخل ودفعتني للتوقّف عن تعاطي المخدرات مدركا سوء العاقبة». روبين ويليامز كان أحد آخر اثنين زارا جون بيلوشي في جناحه في فندق «شاتو بلمونت» في بوليفارد سانست الشهير، قبل موته، والثاني كان روبرت دينيرو، وكلاهما طلب للتحقيق للتأكد من أنهما لم يتسببا في موت بيلوشي (تبيّن لاحقا أن امرأة اسمها كاثي سميث هي التي أمدّته بالحقنة القاتلة التي أودت به فتم سجنها).
في العام ذاته قام ببطولة اقتباس عن رواية جون إرفينغ «العالم تبعا لغارب» التي استقبلت باستحسان كبير (أخرجه جورج روي هيل)، وبعده مباشرة قدم فيلم «الناجون» لمايكل ريتشي، ثم لعب دور الروسي المهاجر في «موسكو على الهدسون» للمخرج بول مازورسكي (الذي رحل قبل نحو شهر) قبل أن يحقق شهرة أكبر لاعبا دور المقدّم الإذاعي في «صباح الخير فيتنام» (لباري ليفنسون - 1987). هذا الدور أوصله إلى سدّة ترشيحات الأوسكار (نافس جاك نيكولسون ومارشيللو ماستروياني وويليام هيرت ومايكل دوغلاس)‪.‬
توالت أفلامه بعد ذلك وتخللتها تجارب ناجحة في الشطر الدرامي الجاد عندما لعب بطولة «جمعية الشعراء الموتى» (بيتر وير - 1989) و«اليقظات» (بَني مارشال - 1990). عاد إلى الكوميديا في «هوك» لستيفن سبيلبرغ الذي قال في وداعه «لا أصدّق أنه مات. سأفتقده طويلا».
خلال تلك الفترة بدا أن معظم ما يلمسه روبين يتحوّل إلى ذهب. كان النجم الكوميدي الأول في عشرات الأفلام من «مسز داوتفاير» لاعبا دور رجل يتنكر بزي مربية أطفال لكي يجد عملا ‫(كريس كولومبوس - ‬ 1993) إلى «يعقوب الكاذب» (بيتر كازوفيتز - 1999) وصولا إلى دوره المبهر في الفيلم الناجح «ليلة في المتحف» (شون ليفي - 2006) وهو الفيلم الذي عاد إلى جزئه الثاني سنة 2009 وسنراه في الجزء الثالث منه في ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام.

* السفرة جاهزة
سواء أكان الدور كوميديا أو دراميا، فقد قام ويليامز بدبغه ببصمة لا يشاركه فيها أحد سواه. لكن مع تعدد أدواره الدرامية فإن الجمهور، ولسبب واضح، أحبّه أكثر في أدواره الكوميدية. لكن هذا لم يثنه عن الإقدام على أدوار تبعده عن التنميط حتى وإن كانت أدواره الكوميدية تتميّز باختلافاتها على أكثر من صعيد وشريحة أداء. مثلا قام بإعارة صوته لفيلم ستيفن سبيلبرغ «ذكاء اصطناعي» لاعبا شخصية «Dr‪.‬ Know» القصيرة. في العام ذاته (2002) قام بتأدية دور القاتل في فيلم من بطولة آل باتشينو هو «أرق»، ومثّل في فيلم أخرجه اللبناني عمر نعيم بعنوان «النسخة الأخيرة» The Final Cut (عمر نعيم هو ابن الفنانة نضال الأشقر). كان فخورا بعمله في ذلك الفيلم الذي عرض في تورنتو وكان سببا في لقائنا الأول: «توسّمت في الموضوع اختلافا عما أقوم به وعن أفلام الخيال العلمي عموما. ثم أدركت كم كنت مصيبا في اختياري عندما بدأ التصوير وتعرّفت على عمر مخرجا. كانت ممتعة متابعته وهو يكوّن بدراية العالم الذي يريده لهذا الفيلم».
قبل ذلك، أحب دورين آخرين غير كوميديين هما «غود ويل هانتينغ» (قال عنه «كان لطمة سياسية لم تثر للأسف اهتماما كافيا») و«باتش آدامز» («أحببته لأنني مقتنع برسالته. الضحك قد يكون خير وسيلة للعلاج»).
كل ذلك ولم تغب النكتة عن محياه، وبعض نكاته تعاطت والموت، فقال إثر نجاح عملية قلب أجريت له قبل ثلاثة أعوام «الموت هو أسلوب الطبيعة في القول: تفضل. السفرة جاهزة»!



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».