موسكو تندد بمحاولات «شرعنة اغتصاب السلطة» في فنزويلا

TT

موسكو تندد بمحاولات «شرعنة اغتصاب السلطة» في فنزويلا

صعّدت موسكو من لهجتها تجاه الوضع في فنزويلا، بالتوازي مع تضييق الخناق على الرئيس نيكولاس مادورو بعد اعتراف بلدان أوروبية بخصمه رئيس البرلمان خوان غوايدو رئيسا بالوكالة.
ووجه الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، انتقادات حادة لما وصفها بـ«محاولات اغتصاب السلطة»، ودعا إلى وقف مساعي «التدخل المباشر أو غير المباشر». جاء ذلك في وقت بدأت أوساط روسية تحصي خسائر موسكو المحتملة على الصعيدين السياسي والاقتصادي في حال تدهور الموقف أكثر. وتحدث معلقون عن مخاوف من تكرار سيناريو فنزويلا في بلدان أخرى في حال نجحت الإدارة الأميركية وحلفاؤها في عزل مادورو، وحذّرت من «ضياع استثمارات كبرى» في فنزويلا، بينما رجّح المجمع الصناعي العسكري تراجعا حادا في مبيعات السلاح إلى البلد الذي كان على مدى عقدين بين أبرز شركاء روسيا العسكريين.
وشدد الناطق الرئاسي الروسي على أن الكرملين يعتبر «محاولات بعض الدول شرعنة اغتصاب السلطة في فنزويلا تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لبلد مستقل». وقال إن أي حل لأزمة فنزويلا السياسية «لا يمكن أن يأتي إلا على أيدي الفنزويليين أنفسهم، والسعي لفرض حلول أو شرعنة محاولة اغتصاب السلطة، يمثّل برأينا تدخلا مرفوضا مهما كانت طبيعته، مباشرا وغير مباشر». وحذّر بيسكوف من أن «هذا السعي لا يساعد بأي شكل من الأشكال في إيجاد تسوية سلمية فاعلة وقابلة للحياة للأزمة التي يعانيها الفنزويليون».
جاء التعليق بعد إعلان عدد من الدول الأوروبية، بينها فرنسا وبريطانيا والسويد والنمسا، اعترافها بغوايدو رئيسا بالوكالة للبلاد، تتمثل مهمته الأساسية في التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية. وكانت الخارجية الروسية حذرت في وقت سابق من أن «التدخل الخارجي سيكون مدمرا في فنزويلا»، وأفادت في بيان بأن «المهمة الماثلة حاليا أمام المجتمع الدولي تكمن في تقديم مساعدة اجتماعية واقتصادية للشعب الفنزويلي، وتجنّب تدخل خارجي مدمر في شؤون هذا البلد».
ورفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشدة، أمس، تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإمكانية التدخل العسكري في فنزويلا، ورأى أن هذا التلويح «يقوض أسس القانون الدولي». وأكد أن خيار موسكو سيركز على مواصلة «صون القانون الدولي، وتأييد مساعي التسوية السلمية لأزمة فنزويلا». وأوضح أن روسيا «سوف تواصل الدفاع عن القانون الدولي، وتأييد المبادرات التي تتقدم بها بعض دول أميركا اللاتينية، كالمكسيك والأوروغواي، والتي تهدف لتهيئة الظروف لإطلاق الحوار الوطني الشامل بمشاركة كافة القوى السياسية الفنزويلية».
إلى ذلك، عكست تعليقات الخبراء والمحللين في وسائل الإعلام الروسية مخاوف جدية لدى موسكو من أن نجاح «الانقلاب» على الرئيس الفنزويلي سوف يشكل «سابقة للتدخل في بلدان أخرى بالطريقة ذاتها». وتشكل هذه واحدة من العناصر الأساسية التي تضعها موسكو في الحسبان، وهي تراقب الموقف في فنزويلا. وبالإضافة إلى الخسائر السياسية المحتملة؛ خصوصاً أن موسكو مهددة بفقدان أبرز حليف لها في أميركا اللاتينية في حال نجح الغرب في إطاحة مادورو، يتحدث خبراء عن خسائر اقتصادية فادحة. وقدّرت أوساط مالية روسية حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة حاليا في فنزويلا بنحو عشرين مليار دولار، بينها قروض تزيد قيمتها على 6 مليارات دولار حصة الأسد منها لعملاق النفط الروسي «روس نفط»، التي يديرها ويملك حصة من أسهمها إيغور سيشين، وهو صديق مقرب للرئيس فلاديمير بوتين.
ورأت صحف روسية فيدرالية أن هذا يعدّ واحدا من أسباب تمسك روسيا بضرورة مواصلة «تنفيذ الاتفاقيات الحكومية الدولية بين روسيا وفنزويلا بالكامل»، وفقا لعبارة شدد عليها الوزير لافروف قبل يومين. وهذه الإشارة لا تقتصر على العقود المالية والاستثمارية، بل تنسحب على العقود العسكرية التي توليها موسكو أهمية خاصة أيضا؛ خصوصاً على خلفية الوعود التي قطعتها المعارضة الفنزويلية بمراجعة عقود الأسلحة مع الجانب الروسي.
وكان غوستافو تاري بريسنيو، الذي عينه البرلمان ممثلا خاصا لفنزويلا في منظمة الدول الأميركية، أعلن استعدادا لإعادة النظر في الاتفاقات المتعلقة بإمدادات الأسلحة الروسية. ولفت إلى أن الجزء الأعظم من دين الجانب الفنزويلي لموسكو ناجم عن عقود تسلح. والأسوأ من ذلك بالنسبة إلى روسيا أنه انتقد الأسلحة الروسية، ولمح إلى الاستغناء عن التعاون العسكري مع روسيا وكوريا الشمالية، و«العودة إلى أصدقائنا الحقيقيين والاعتراف بالنضال من أجل الديمقراطية في جميع أنحاء العالم».
ورأت موسكو في هذا التوجه عنصرا محركا إضافيا لمواجهة محاولات التغيير في فنزويلا، وفي حين أن حجم مبيعات روسيا إلى هذا البلد من السلاح والتقنيات العسكرية بلغ خلال عشر سنوات (2001 - 2012) نحو 14 مليار دولار، إلا أن موسكو تعول على أن الشراكة باتت تحمل طابعا بعيد الأمد، بسبب مواصلة عمليات التحديث والصيانة للتقنيات السابقة وتوقيع عقود جديدة خلال السنوات الأخيرة، بينها اتفاق بدأ تنفيذه على تشغيل مصنع لصناعة بنادق من طراز «كلاشينكوف» الروسية في فنزويلا. لكن المخاوف تتزايد أن الخسائر المحتملة لا تقف عند عقود التسلح، لأن اللهجة التي يتحدث بها أنصار غوايدو عن روسيا تشير إلى تبدّل واسع سيحصل في العلاقات مع موسكو لاحقا في كل المجالات.
ولفتت مصادر روسية إلى ذلك كأحد أسباب إعلان موسكو عن استعدادها مواصلة العمل لدعم مادورو بطرق سياسية ودبلوماسية مباشرة وفي إطار مجلس الأمن، أو عبر طرق غير مباشرة، كما حدث من خلال الإعلان عن إرسال مئات من وحدات المرتزقة الروس إلى كاراكاس لحماية المنشآت والرئيس الفنزويلي، وهو أمر نفى الكرملين علمه به لاحقا. وأيضا من خلال التسريبات التي تحدثت عن دور روسي مهم في نقل احتياطات الذهب الفنزويلي لبيعها في الشرق الأوسط، لتوفير سيولة نقدية لمادورو لمواجهة الأزمة المتصاعدة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».