رحلة «ترام الإسكندرية»... من الخيول إلى العربات المكيفة

أول وسيلة نقل جماعي في أفريقيا

وحدة جديدة لترام الإسكندرية
وحدة جديدة لترام الإسكندرية
TT

رحلة «ترام الإسكندرية»... من الخيول إلى العربات المكيفة

وحدة جديدة لترام الإسكندرية
وحدة جديدة لترام الإسكندرية

على قضبان ترام الإسكندرية، يمكن لزائر المدينة الساحلية المصرية، متابعة حركة تطور عجلة الحضارة والتاريخ. فالترام السكندري الذي يعد أول وسيلة نقل جماعي في مصر وأفريقيا، شهد مراحل عدة، تطور فيها على مدار 159 عاماً، كان أحدثها خلال الشهر الجاري، بعد وصول عربات الترام المكيفة للمرة الأولى إلى ميناء الإسكندرية.
ويكون الترام في معظم الأحيان مكدساً بالركاب، باعتباره أرخص وسائل النقل الجماعي بالإسكندرية، إذ تتراوح تذكرته ما بين نصف جنيه إلى 5 جنيهات للعربات السياحية، (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، لذا فإن عربات الترام ذات اللون الأزرق، تعد أرخص وسائل النزهة التي يمكن التنقل بها في المدينة من «محطة الرمل» غرباً، وحتى محطة «فيكتوريا» شرقاً.
كما يمكن لزائر الإسكندرية، التنقل بواسطة الترام ذي اللون الأصفر المميز، في قلب حي الجمرك العتيق، ومنطقة بحري، غرب الإسكندرية.
من جهته، قال اللواء خالد عليوة، رئيس «هيئة ركاب الإسكندرية» لـ«الشرق الأوسط»: «إن الهيئة تسلمت 15 وحدة ترام جديدة من أوكرانيا، بتكلفة 17.5 مليون دولار، ليتم تشغيلها خلال الأسابيع المقبلة».
وأضاف: «إن الترام الحديث سوف يتكون من عربتين فقط، بدلاً من ثلاث، وقد تصل سعر تذكرته إلى 5 جنيهات». وأوضح أنه «سوف يتم تشغيل الوحدة الجديدة بخط (ترام المدينة) بمنطقة (الإسكندرية القديمة)، والتي تضم (محطة مصر) و(الأنفوشي)».
وبحسب الباحث التاريخي الدكتور إسلام عاصم، رئيس جمعية التراث بالإسكندرية، فإن «جذور مشروع الترام تعود إلى عام 1860 الميلادي، عندما استطاع السير إدوارد فيرمان، التاجر الإنجليزي، استصدار امتياز من الحكومة المصرية لإنشاء خط سكة حديدية، يصل بين وسط الإسكندرية وضاحية الرمل، إلا أنه بعد عامين تنازل عن الامتياز لشركة مساهمة مقابل نسبة من الأرباح».
وانطلقت عربات الترام للمرة الأولى في الإسكندرية، والخيول تجرها عام 1863، قبل استخدام القوة البخارية لاحقاً في العام نفسه، بينما افتتح الخديوي عباس حلمي الثاني الخط الكهربائي عام 1904، من ميدان المنشية وحتى المكس؛ حيث كان يوجد قصر القباري قديماً.
وأضح الدكتور عاصم لـ«الشرق الأوسط»، أن «إنشاء الترام كان هدفه تجارياً، لربط أنحاء الإسكندرية صاحبة الميناء التجاري والجاليات الأجنبية المتعددة».
وتختلف عربات الترام القديمة اختلافاً جذرياً عن العربات الحديثة، التي سوف تكون للمرة الأولى مكيفة وسريعة ومريحة وصديقة للبيئة، ومجهزة بخدمة «WIFI» الإنترنت اللاسلكي، بالتعاقد مع إحدى شركات المحمول، بحسب بيان الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية.
وأوضح اللواء عليوة أن «الترام الحديث مزود ببطاريات داخلية، ليمكنه السير من دون تيار كهربائي لمسافة 1.5 كيلومتر في حالات انقطاع الكهرباء. وتعمل العربة بنظام الطاقة المستعادة الذي يشمل الاستفادة من طاقته الحركية».
وتابع: «العربات مزودة بلوحة بيانات إلكترونية، وإذاعة داخلية وخارجية للتواصل مع الركاب. كما تم تحسين نظم الأمان بعد تزويد العربات بنظام إنذار للحريق، وتطوير نظم تتبع الأعطال والفرامل، ونظم غلق وفتح الأبواب». ولفت إلى أن «الترام الجديد صديق للبيئة، إذ يقل مستوى الضوضاء المنبعث من سريانه على القضبان؛ لأن عجلاته مزودة بكاوتش مرن يمتص صوت الاحتكاكات مع القضبان».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».