«تويتر» يستعين بعلم الأعصاب لفهم مستخدميه في السعودية

أجرى دراسة مع «نيورو إنسايت» لدرس استهلاك الإعلانات الرقمية

علم الأعصاب مهم جداً في الدراسات الحديثة التي تعتمد على استكشاف المشاعر
علم الأعصاب مهم جداً في الدراسات الحديثة التي تعتمد على استكشاف المشاعر
TT

«تويتر» يستعين بعلم الأعصاب لفهم مستخدميه في السعودية

علم الأعصاب مهم جداً في الدراسات الحديثة التي تعتمد على استكشاف المشاعر
علم الأعصاب مهم جداً في الدراسات الحديثة التي تعتمد على استكشاف المشاعر

كشف منبر «تويتر» للتواصل الاجتماعي أمس عن نتائج دراسته الأولى من نوعها التي أجراها في السعودية بالتعاون مع شركة «نيورو إنسايت» في المملكة المتحدة. استقصت الدراسة طبيعة استهلاك مختلف أنواع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي العالمية، إلا أنها لم تعتمد على الاستفتاءات أو المقابلات كالدراسات الأخرى، بل اعتمدت على تخطيط دماغ المشاركين. وأظهرت البيانات والمعلومات عن اختلافات تقبل المحتوى بين المستخدمين السعوديين في البيئات النقالة المتنوعة. وتبين أن «تويتر» يمثل المنصة التي ترتبط فيها الإعلانات بالاقتراب بدلاً من الانسحاب، فجمهورها لا يعاني من مقاطعات الإعلانات خلال استهلاكه للمحتوى على المنصة، ولهذا لا يتفاعل سلبياً مع الإعلانات.
وبينت الدراسة التي كشفت عنها الشركة في مؤتمر بدبي حضرته «الشرق الأوسط» أمس أيضاً أنه على الرغم من أن بعض المنصات الأخرى حققت مستويات أعلى من التشفير في الذاكرة مقارنة بـ«تويتر» إلا أن ذلك رافقه استجابة عاطفية سلبية، حيث يرجع ذلك في المقام الأول إلى قدرة تلك الإعلانات على جذب انتباه بصري مرتفع إلا أن عموم التجربة الإعلانية تبقى منفرة تماماً وتؤدي إلى مستوى عالٍ من الانسحاب. لذلك كانت الإعلانات على «تويتر» الأكثر ترميزاً في ذاكرة المستخدمين. ما يعني أنّ اتصالات العلامة التجارية على «تويتر» تُقدّم في سياق أكثر إيجابية.
جدير ذكره، أنه في الربع الثالث من عام 2018 سجلت شركة «تويتر» أرباحا بلغت نحو 758 مليون دولار (عالميا)، 650 مليونا منها من أرباح الإعلانات، أي أنّها تمثّل 86 في المائة من إجمالي الأرباح. وتعتبر هذه الأرباح أكثر بـ29 في المائة من عام 2017.
التقنية
يعتمد أسلوب «نيورو إنسايت» في استقصاء المعلومات على إعطاء المستخدمين أقنعة وسماعات مزودة بحساسات دقيقة، لتعمل هذه التجهيزات المتطورة على قياس النبضات الكهربائية الصغيرة في الدماغ حينما يستخدم المشاركون «تويتر» ومنصات وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى. وكشفت تلك الحسابات أن الإعلانات على «تويتر» تولد استجابة أقوى في الجزء الأيسر من الدماغ مقارنة بعادات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى - وهي أكثر ملاءمة للتواصل مع العلامات التجارية والتفاصيل. في المقابل، كانت الاستجابة للإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى مهيمنة على ذاكرة الدماغ الأيمن، مما يشير إلى مستوى استجابة أكثر شمولاً وأقل عناية بالتفاصيل.
وشارك بالدراسة 128 من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي «تويتر»، «فيسبوك»، «إنستغرام»، «سناب شات»، و«يوتيوب» من كلا الجنسين في الدراسة، وكانت تتراوح أعمارهم بين 18 - 44 سنة، أي كانت العينة تمثل الشريحة السكانية الأكبر في السعودية.
جميع المستخدمين كانوا من متحدثي اللغة العربية، و80 في المائة منهم من المواطنين السعوديين. جميعهم كانوا من مستخدمي «تويتر» المنتظمين، ويتابعون على الأقل 100 حساب، بالإضافة إلى أنهم كانوا مستخدمين منتظمين لمنصتين على الأقل من شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى.
وعن الدراسة، قالت هيذر آندرو مديرة «نيورو إنسايت» التنفيذية لـ«الشرق الأوسط» إن الشركة كانت مهتمة بإجرائها في السعودية لأن أغلب سكان المملكة من فئة الشباب ولأهمية دور مواقع التواصل الاجتماعي هناك. وأضافت: «الدراسة أكدت لنا أن أدمغة الناس حول العالم هي واحدة إلى حد ما، لكن طريقة تفاعل المتلقي مع المحتوى تختلف لأسباب عدة منها التجارب والخلفية».
تستخدم «نيورو إنسايت» منهجية فريدة من نوعها تعرف باسم طبوغرافيا الحالة المستقرة (SST) لتتبع استجابة اللاشعور مباشرة من الدماغ. وتقيس هذه التقنية مثل طريقة التخطيط الكهربائي للدماغ EEG، النشاط الكهربائي في الدماغ. تتتبع طريقة التخطيط الكهربائي للدماغ مجموعة واسعة من الترددات التي تعدّ معقدة ويمكن أن ترسل إشارات غير واضحة، بينما تستطيع تقنية طبوغرافيا الحالة المستقرة SST التركيز على مناطق أكثر دقة في النشاط الدماغي وبالتالي توفير نتائج أكثر وضوحاً. وتستطيع العمل ضمن مستويات عالية من التشويش التي تَصدر عادة بسبب الحركة أو تذبذبات الكهرباء الخلفية، لذلك يمكن إجراء الدراسات في البيئة اليومية وليس في مختبر بالضرورة.
وفي ذلك قالت آندرو إنّه ليس بالضرورة توظيف علم الأعصاب في جميع الدراسات، إلّا أنّه مهم جدا في تلك التي تعتمد على استكشاف المشاعر. وأكدت أنّ الدراسة كشفت أنّ الإعلانات على منبر «تويتر» أكثر تجانسا من الإعلانات على منابر التواصل الأخرى، وأوضحت أنّ «الدّماغ يتجاوب مع الإعلانات على (تويتر) مثلما يتجاوب مع محتواه غير الإعلاني؛ لذا لا يشعر المستخدم بعدم الأريحية، ما قد يشجع المعلنين على اللجوء إلى (تويتر) كمنبرهم المستقبلي، خصوصا عندما يتطلب الإعلان تركيزاً من قبل المتلقي للتفاصيل».
ماذا تعني النتائج لـ«تويتر»؟
تتمثل أهمية هذه الدراسة في ظل تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي واختراقها يوميات ملايين الناس حول العالم. ومن الواضح أن معظمهم يستخدم أكثر من منصة واحدة.، الأمر الذي دفع «تويتر» إلى تصميم دراسة بحثية في المملكة العربية السعودية خلال بداية عام 2018 بهدف فهم الدور الذي تلعبه كل منصة من منصات التواصل الاجتماعي في عادات استخدام شبكات التواصل الرقمية والاجتماعية لدى المستخدمين. وإذا استخدم الشخص ذاته الكثير من المنصات بانتظام، فلا بدّ أنه يستخدمها لأغراض مختلفة واستجابة لحاجات مختلفة. استنتجت الدراسة أيضاً أنه نظراً لهذه الاختلافات، يمتلك المستخدمون أيضاً عقلية مختلفة وفريدة لكل منصة أثناء استخدامها.
من جانبه، قال وليد عيسى رئيس الأبحاث في «تويتر» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «اخترنا أسلوب البحث العصبي سعياً منا لتجنب الإجابات المزعومة لأسئلة استطلاع الدراسة، كي نصل إلى ما يحدث فعلاً على مستوى اللاوعي البشري. فدراستنا الأخيرة بالتعاون مع نيورو إنسايت كشفت بدقة عن الاختلافات في تقبل المستخدمين في السعودية. وأكدت الدراسة ما كنا نعرفه بأن الناس يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي لأغراض متنوعة».
وكانت دراسة حديثة أخرى نشرت في السعودية قبل بحث شركة نيورو إنسايت، أن ما يتفوق به موقع «تويتر» - مقارنة بمنصات التواصل الاجتماعي الأخرى - أنه يعد بمثابة بيئة تتطلب انتباهاً أعلى بين مستخدميها ما يترجم في المحصلة إلى حصوله (تويتر) على جمهور أكثر إقبالاً عليه.
وأضاف عيسى في مكالمة هاتفية لـ«الشرق الأوسط» أن الدراسة اختارت التركيز على السعودية لأنها من أهم أسواق «تويتر» ليس فقط عربيا، بل عالميا. مؤكدا أن العينة المختارة تمثل مستخدمي «تويتر» في السعودية، والمجتمع السعودي أيضا.
وفقا لعيسى يوفر «تويتر» منبرا إيجابيا للمستخدمين، ويوضح أنه عندما يتفاعل الناس على المنبر تكون درجة تركيزهم عالية، ما يزيد من استيعابهم للمحتوى. ويقول: «(تويتر) منبر مباشر يوصل مستخدميه بشبكة أبعد من دائرة العائلة والأصدقاء لذا المحتوى غير متوقع، ما يرفع من تركيزهم وهم يتصفحونه». ويضيف: «التجربة التي توفرها الإعلانات أيضا ضمن عملية التصفح، ولا تقاطعه».
ومع أن المنبر «جدي» إلى حد ما، إلا أن ذلك لا يحدد الرسائل التي يتم تواصلها، ليست فقط حيزا للمحتوى السياسي، بل لمواضيع متنوعة، ما يعني أن الإعلانات أيضا متنوعة، بحسب عيسى. وأضاف أن قوانين وآليات الإعلانات التي نتبعها دقيقة جدا للضمان أن المحتوى الإعلاني يتوافق مع المستخدم، واهتماماته، ولا ينتقص من تجربته الإيجابية على المنبر، بل يعززها.
تغريدات المصعد
كشف «تويتر» عن حملته الجديدة «تغريدات المصعد»، التي تهدف لتحويل وقت العمل اليومي للمستخدمين إلى تجربة تعليمية وتثقيفية من خلال متابعة محادثات شبه مباشرة عما يحدث في سوق رئيسية للشركات في الإمارات والسعودية.
وترتكز حملة «تغريدات المصعد» على تجربة تفاعلية تستخدم فيها الوسائط المتعددة والفيديو وتبث على جدران المصاعد، فحين يدخل الشخص إلى مصعد، تطلق حساسات ضغط مركبة على جدران المصعد المغطاة - مؤقتاً - بشاشات عاكسة، فينطلق عرض جدار «تويتر». ويفتح كل طابق من طوابق المكاتب مشهد ماذا يحدث في السعودية مما يرتبط بالأعمال التجارية التي تمارسها الشركة.
وقالت شركة «توتير» أمس: «مثلاً من خلال وسمة معينة، يظهر أمام موظفي شركة بيع سيارات كل ما يجب أن يعرفوه عن القطاع الذي يعملون فيه وعن نشاطات الشركات المنافسة لشركتهم في السعودية، أما إن كانت الشركة وكالة للسفر والسياحة فسيرى الموظفون أحدث أخبار السوق عن القطاع الذي يعملون فيه، وهكذا يحدث الأمر ذاته لموظفي الشركات الأخرى».
وقالت كارلا المعلولي رئيسة التسويق التجاري في «تويتر» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «تنبع قوة (تويتر) من المحادثات الجارية في منصته، وجمهور متابعينا هم ثروتنا، جمهورنا ينصت للأحداث الجارية ويتفاعل معها بانفتاح، ومعظم من يدخلون إلى منصتنا لا يأتون إلى مجرد التصفح السلبي دون تفاعل، بل ينخرطون بحماس في المحادثات الجارية».
وأضافت: «تغريدات المصعد المبتكرة التي نقدمها اليوم تربط بين الشركات وشرائح الجمهور الأهم والأكثر فائدة لها، وليس هذا فحسب، بل تفعل ذلك في الأوقات الصحيحة التي يكون فيها جمهورها أكثر انفتاحاً لتقبل الأفكار. والواقع أن هذه الحملة تظهر قدرة (تويتر) وبضغطة زر واحدة على استقطاب الأشخاص المعنيين بجوهر المحادثات».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.