رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي

تساؤلات حول حماية الحدود... ومخاوف من السيطرة على منابع النفط

رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي
TT

رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي

رسائل المعركة العسكرية في الجنوب الليبي

هلّل مواطنون في جنوب ليبيا، عند سماع نبأ وصول طائرة شحن عسكرية إلى قاعدة تمنهت العسكرية، نهاية الأسبوع الماضي، مُحملة بالسيولة النقدية مصدرها المصرف المركزي في مدينة بنغازي، وهو ما عدّوه «بادرة خير»، و«انفراجة لأزماتهم المتراكمة» منذ ثماني سنوات. حدث هذا بعد أيام قليلة من بدء العملية العسكرية التي يقودها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، لتطهير مناطقهم من «الجماعات الإرهابية والإجرامية»، والتصدّي لما يوصف بـ«خطر قادم» قد يستهدف حدود البلاد.
في هذه الأثناء، وبينما كانت المقاتلات الحربية تُحلق على ارتفاع منخفض في سماء مدينة سبها، لتعقب فلول تنظيمي «داعش» و«القاعدة» وعناصر المعارضة التشادية، بدت في الأفق مخاوف واسعة من بعض الأطراف، خاصة في غرب البلاد، من استحواذ «قوات حفتر» على آبار النفط، أو تحركه نحو العاصمة طرابلس، لبسط سيطرته وطرد الميليشيات المسلحة منها!

ما بين مواصلة القوات المسلحة الليبية تحركاتها في الجنوب الغربي من ليبيا، وتزايد مخاوف خصوم المشير خليفة حفتر، وخاصة تيار الإسلام السياسي من تمترس الجيش الوطني هناك، وتأثير ذلك على مستقبلهم في قادم الأيام، طُرحت أسئلة عدة عن الرسائل التي تحملها هذه العملية العسكرية.
أهم هذه الرسائل إمكانية نجاح التحركات في سد ثغرات الحدود الجنوبية الشاسعة، في وجه زحف متنوع من عصابات الاتجار بالبشر، ومهرّبي السلاح. وكذلك مدى قدرتها على فرض الأمن في المنطقة التي تُخرج ثلث النفط الليبي، وحمايتها أيضاً من أطماع إسرائيلية ودول أوروبية، يرى نواب وسياسيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أنهم يسعون مجتمعين إلى إعادة رسم المنطقة.

- «مرتزقة القذافي»
تعاني مدن الجنوب الليبي منذ إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. من أزمات عديدة متفاقمة، أبرزها: غياب مظاهر للدولة بشكل حقيقي، وتغوّل متمردين تشاديين ومرتزقة من دول أفريقية في الصحراء المترامية، وتزايد نشاطات العصابات المتاجرة بالبشر. ويقابل هذه الأزمات انعدام أي تحرك على الأرض من الحكومات المتعاقبة يشفي غليل سكانها، باستثناء تحذير أصدره القائد العام للجيش الوطني (حفتر) قبل قرابة ثمانية أشهر، أمهل فيه كافة الوافدين الأفارقة المتورطين في أعمال مع الميليشيات - التي وصفها بـ«الإجرامية» - لمغادرة جنوب ليبيا.
لقد هدّد حفتر باستخدام كل الوسائل العسكرية المتاحة، جواً وبراً، بعد انتهاء المهلة المحددة. وطالبت القيادة العامة أعيان مناطق الجنوب ومشايخها الاتصال بالغرف الأمنية في المناطق العسكرية بكل من سبها وأوباري وغات ومرزُق، ومن ثم رفع الغطاء الاجتماعي عن كل من يساهم في حماية أو إيواء أو مساعدة الوافدين الأفارقة بأي شكل من الأشكال مما يؤدي إلى زعزعة أمن المناطق الجنوبية.
غير أن المهلة التي منحها حفتر انتهت من دون رحيل فرق مَن يوصفون بـ«المرتزقة» التي أتى بهم القذافي قبل سنوات لمساندته على وأد الانتفاضة الشعبية. وأصبح الجنوب الليبي، على اتساعه، ميداناً فسيحاً ترتع فيه تلك الجماعات وغيرها، كما يرى عضو مجلس النواب سعيد امغيب، «ما حتم على الجيش الوطني الإسراع لإنقاذ الجنوب من مخطط قديم يُحاك له».
وذهب امغيب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «النظام الحاكم في تشاد المتمثل في الرئيس إدريس ديبي يخشى من تهديد المعارضة التشادية المطالبة بإقصائه عن الحكم، والتي تخلص من خطرها بعد أحداث ثورة 17 فبراير وذلك بتوغلها داخل الحدود الليبية بعد انقطاع الدعم الذي كان يوفره نظام القذافي».
لكن أمام تكرار الهجمات الإرهابية على البلدات الواقعة في قلب الصحراء الليبية، التي باتت في مرمى نيران «داعش»، وفي ظل استغاثات المواطنين، وجهت القيادة العامة بتطهير المنطقة هناك من تلك العناصر. وبعد ثلاثة أيام فقط تمكنت من استرداد أكثر من عشرة مواقع مهمة، في مقدمها مطار وقلعة سبها، ومقر اللواء السادس، ومعسكر الدعوكي، وقاعة الشعب التي كانت المعارضة التشادية تتخذها ملاذات آمنة خلال السنوات الماضية.
إلا أن المخاطر التي تحرّكت من أجلها القوات المسلحة الليبية، من قاعدة جوية على بعد 650 كيلومتراً من العاصمة طرابلس، ليس المستهدف منها التصدّي للجماعات الإرهابية والإجرامية فحسب. بل إن أمامها مهام يرى ليبيون أن تتمثل في حماية منابع النفط، الذي يتدفق بلا حدود في الصحراء الجنوبية، ووقوفها على الشط الآخر من البلاد في وجه تقارب تشادي - إسرائيلي بعد قطيعة دبلوماسية بين البلدين دامت 44 سنة.

- بقاء نتنياهو وديبي
ما كاد الليبيون ينسون الأحاديث عن أطماع فرنسا في الجنوب الغربي، حتى جاء لقاء الرئيس التشادي إدريس ديبي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط تسريبات أن الزيارة تتعلق بمنابع النفط الليبي. وذهبت القناة العاشرة العبرية إلى أن الأول قدم قائمة طلبات عاجلة إلى إسرائيل، على رأسها مطالب أمنية وعسكرية قد تستخدمها الحكومة التشادية ضد حركات تمرد في شمال تشاد وشرقها على مقربة من الحدود الليبية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ما يتعلق بفرنسا، فإن لديها قاعدة عسكرية في شمال النيجر. ويرى البعض أن باريس تراهن على هذه المنطقة كأحد مصادر الثروة من بترول وغاز ومعادن، وتسعى إلى بسط نفوذها، مستندة على إرث تاريخي هنا، إذ كان إقليم فزّان (الذي يغطي معظم جنوب وجنوب غربي ليبيا) لفترة طويلة تحت سيطرتها.
ولقد زاد موقع «ديبكا» الإسرائيلي، المقرّب من الدوائر الاستخباراتية، من مخاوف الليبيين بتأكيده أن الجيش التشادي - الذي يبلغ عديده 250 ألف عسكري - يقاتل على ثلاث جبهات قرب الجنوب الليبي، وخاصة في المنطقة الغنية بمنابع النفط، حيث تمتد الأنابيب إلى موانئ التصدير على سواحل البحر المتوسط. وذكر الموقع إن الرئيس التشادي يسعى من خلال توثيق علاقات بلاده مع إسرائيل إلى مشاركة تل أبيب في الحرب ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في أنحاء القارة الأفريقية وانضمامها إلى جهود الولايات المتحدة وفرنسا بهذا الاتجاه في هذه المنطقة.
التقارب الإسرائيلي - التشادي، وصفه عبد الله الرفادي، رئيس حزب الجبهة الوطنية الليبي، في حديث إلى «الشرق الأوسط» بأنه «أكبر خطر يهدد ليبيا وحدودها ومستقبلها». ورأى الرفادي أن هذه الزيارات المتبادلة تصب في «تحقيق حلم إسرائيلي قديم في السيطرة على ليبيا... ووجودها على حدودنا الجنوبية يشكل تهديدا مباشرا لبلادنا».
لكن امغيب، من جانبه، تحدث عن «مخطط قديم لفصل الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) عن الدولة الليبية»، وقال إن «زوجة ديبي تناولت ذلك في أحد احتفالات دولة تشاد بقولها إن الكفرة مدينة تشادية». وأردف أن وضع الحدود الجنوبية للدولة الليبية «خطير جداً ومهدّد من عدة أطراف خارجية، ما يستوجب وقفة عربية لمواجهة هذه التهديدات الاستعمارية»، و«ضرورة دعم كل النخب السياسية العربية لليبيا لمواجهة هذه التهديدات». واستكمل امغيب «... والأهم هو الدعم الشعبي للقوات المسلحة العربية الليبية في تحركاتها في الجنوب ومحاربتها للإرهاب».

- حماية حقل الشرارة
اللافت أن تحرك القوات العسكرية الليبية باتجاه الجنوب، الذي اعتبره نواب في إقليمي برقة (شرق) وفزّان (جنوب وجنوب غرب) خطوة في الاتجاه الصحيح، لا يزال يلقى معارضة من السلطات الحاكمة في العاصمة. إذ يرى بعضهم أنها تستهدف بسط نفوذ قوات حفتر على مصادر النفط هناك، كخطوة استباقية للانتخابات التي قد تجرى في البلاد العام الجاري، واستخدام الثروة النفطية كورقة ضغط لترجيح كفة الأخير إذا ما خاض الماراثون المرتقب.
ويضيف أنصار المعسكر الآخر المناهض لحفتر داخل الجيش التابع لحكومة الوفاق الوطني (المدعومة أممياً)، أن العملية التي أطلقها حفتر «لا تخرج عن كونها عملية تأميم للنفط الليبي»، خاصة إذا علمنا أن حقل الشرارة النفطي، الواقع في مدينة أوباري، والذي لا يزال مغلقاً لأسباب أمنية، من أكبر الحقول إنتاجية في البلاد، إذ تبلغ طاقته 340 ألف برميل يومياً ويخضع لحالة القوة القاهرة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
أبرز المتخوّفين من الإقدام على هذا الإجراء، هو مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة للمجلس الرئاسي في طرابلس. صنع الله عبر عن ذلك صراحة أمام مؤتمر خاص بالطاقة في معهد «تشاتام هاوس» في العاصمة البريطانية لندن، إذ قال «إعادة تشغيل الحقل تعقد أكثر بإطلاق مهمة دولية لمكافحة الإرهاب توسعت لتصبح محاولة للسيطرة على منطقة قد تحوي بنية تحتية وطنية للنفط»، في إشارة إلى العملية العسكرية في الجنوب.
وعبر صنع الله عن مخاوفه مضيفاً «ما يثير قلقي هو إطلاق سلسلة من الأحداث قد تكون لها تبعات غير معروفة بالنسبة لليبيا والمؤسسة الوطنية للنفط». ورأى «أن الحل المفضل لتأمين الحقل يتضمن نشر قوات حرس المنشآت النفطية الذي تديره المؤسسة»، لكنه أبدى بعض التردد من تنفيذ ذلك.
وللخلاص مع «مخاوف قادمة» اقترحت مؤسسة النفط كإجراء فوري تشكيل «قوة مختلطة قد توفر حلاً داخل إطار أمني تفاوضي» بقيادة حكومة الوفاق في طرابلس، وبدعم من الأمم المتحدة. وهو الاقتراح الذي وضع صنع الله في دائرة الاتهامات، فذهب عضو مجلس النواب سعيد امغيب، إلى اتهام رئيس مؤسسة النفط بأنه «يدور في فلك جماعة الإخوان المسلمين». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإخوان يعرفون جيداً أن سيطرة الجيش على الجنوب بداية زوالهم من المشهد العام، ونهاية تغولهم في البلاد وعودة سيادة الدولة على مؤسساتها»، متابعاً «هذا ما لا يريده التنظيم الساعي بأي وسيلة للسلطة والتحكم بمقدرات البلاد لتحقيق أهدافهم المزعومة».
تصريحات صنع الله استقبلت باعتراضات واسعة، وأبدت مجموعة «أبناء ليبيا» استغرابها واستهجانها مما ذهب إليه رئيس مؤسسة النفط، مشيرة إلى أن «الجيش الليبي هو من طرد العصابات الإجرامية من الحقول النفطية في شرق البلاد، وهو من يحميها وييسّر تصدير النفط الذي يتفاخر بتصديره صنع الله في محاضراته في مراكز الدراسات البريطانية وغيرها».

- الطريق إلى طرابلس
معركة الجيش في الجنوب دخلت «مرحلتها الثالثة»، وفق ما أعلنه المتحدث باسم القوات المسلحة العميد أحمد المسماري. وتتمثل هذه المرحلة بـ«تطهير مدينة سبها بالكامل من الإرهابيين والعصابات الإجرامية والعناصر المسلحة القبلية»، وسط تفاؤل المواطنين بقرب انتهاء أزماتهم الاقتصادية بتوفير السيولة النقدية، وتوقف استهدافهم من التنظيمات الإرهابية. ولكن في الوقت نفسه تتصاعد المخاوف في بعض الأوساط المتحكمة في العاصمة، التي ترى أن هدف حفتر هو دخول طرابلس، وأن عملية الجنوب ليست إلا خطوة تستهدف محاصرة المجلس الرئاسي في العاصمة، وأن الجيش الوطني يطوي المسافات، ولم يعد أمامه إلى التوجه للمنطقة الغربية، وهو التعهد الذي سبق وقطعه على نفسه القائد العام للجيش، بقوله إن تحرير العاصمة «يعد خياراً لا مناص منه، وسيتم وفق خطة مرسومة».
من جهته، أكد حفتر خلال لقاء سابق بوفد قبائلي «الجيش سيتحرك لطرابلس في الوقت المناسب والأمر محسوب». واستطرد «أن 85 في المائة من أهالي العاصمة مع الجيش الوطني... ولن ندخل بانقلاب أو التسلط على الناس... فقد تجاوزنا أكثر من 200 معركة لم نخسر واحدة منها».
ووفق المعلومات، يوماً بعد يوم، يتزايد المؤيدون لتلك العملية العسكرية، التي ثمنها أبناء قبيلة الزوايد المنتشرة في مناطق الجنوب، ووصفوها بأنها خطوة جريئة من القيادة العامة. ووجهوا رسالة إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، مؤداها أن كل أبناء الجنوب يرحبون بوجود الجيش في الجنوب، «وهو الأجدر بحفظ الأمن والاستقرار هناك».

- السلطة والقوة
في السياق ذاته، كثيرون، ومنهم عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، انتهوا إلى أن الجنوب بات خارج سيطرة حكومة الوفاق ومجلس الدولة معاً. وأرجع بن شرادة ذلك إلى أن المجلس الرئاسي لم يفعّل مخرجات «اتفاق الصخيرات»، ولم يعيّن أمراء لمناطق الجنوب العسكرية، كما لم يستكمل تعيين قيادات أمنية هناك. وقال في تصريحات صحافية، إن «الجنوب كان يبحث عمن ينقذه ووجد في المشير حفتر المنقذ من العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية التي عاثت فساداً في الأرض».
ما ذهب إليه بن شرادة لمح إليه وزير الداخلية الأسبق عاشور شوايل، الذي صرّح لفضائية «ليبيا الحدث» بأن «الشعب الليبي يحتاج لسلطة، والسلطة تحتاج لقوة... والقوة الآن أصبحت في الجيش ولا كلام غير ذلك». وانتهى قائلاً «السراج موجود ولديه سلطة، لكنه لا يملك القوة حتى يسيطر على البلاد. لذلك عندما نقول ميليشيا فهي كذلك، وعندما نقول جيش فإننا نعنى ذلك دون تردد لأن هذا هو الواقع على الأرض».
ختاماً، امتنع رئيس المجلس الرئاسي عن التعليق بشكل مباشر على العملية العسكرية في الجنوب، لكن اكتفى خلال زيارته الأخيرة إلى جمهورية التشيك بالحديث عن تطلع الليبيين «لبناء دولة مدنية ديمقراطية». وذكر أن «الطريق إلى هذه الدولة المنشودة لا يأتي إلا عبر إجراء انتخابات ليقول الشعب كلمته، ويختار وفق إرادته الحرة من يقود البلاد».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».