لم يكن في بال صانعي فيلم «بلاك بانثر» لا أن يجد التقدير النقدي الشّاسع الذي استحقه، ولا النجاح التجاري الأكبر الذي ناله (مليار و346 مليوناً و913 ألف دولار وبعض «الفكّة»)، ولا أن يدخل ترشيحات «غولدن غلوبز» و«أوسكار»، ولا الفوز في ليلة توزيع جوائز «SAG» (نقابة الممثلين الأميركية) بجائزة «أفضل تمثيل جمعي». الجائزة الكبيرة التي تعني أنّ كل مَن ظهر في الفيلم من ممثلين أُوَل أو مساندين يستحق الاحتفاء به.
هكذا إذاً وبينما يكافح الناس البرد القارس في صندانس، ولاية يوتا، هرع أهل السينما إلى الحفل السنوي الذي تقيمه النقابة الفنية الأكبر في الولايات المتحدة، وربما العالم، حيث ينتمي أكثر من 150 ألف عضو من ممثلين وممثلات معروفين ومجهولين وبين بين.
المناسبة التي أُقيمت يوم الأحد (أول من أمس)، تعبّر عن التنافس الحقيقي بين الممثلين المرشحين، كون نقابتهم هي التي رشّحتهم وليس نقاداً وصحافيين كحال «غولدن غلوبز» (قرابة 90 فرداً فقط)، أو من كل أهل المهنة السينمائية كحال «أوسكار» (يتجاوز الستة آلاف عضو بقليل). وهذا التنافس ينتقل تلقائياً إلى «أوسكار» لأنّ الغالبية الكبرى من الأعضاء هم من الممثلين أيضاً. الفارق أنّ الأعضاء غير الممثلين في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، مانحة «أوسكار»، يشكّلون بدورهم ثقلاً عددياً لا يستهان به مما يسمح ببعض الفروقات.
إذاً الجائزة الأكبر حجماً ذهبت إلى ممثلي فيلم «بلاك بانثر» وتحديداً إلى اثني عشر ممثلاً وممثلة بينهم أنجيلا باسيت وشادويك بوزمان ومارتن فريمان ولوبيتا نيونقو وأندي سركيس وفورست ويتكر.
الأفلام المنافسة في هذه المسابقة كانت: «مولد نجمة»، و«بوهيميان رابسودي»، و«بلاكككلانسمان»، و«آسيويون أثرياء مجانين».
مسابقة «أفضل تمثيل نسائي أول» انجلت عن فوز غلين كلوز عن «الزوجة»، وهي سبق أن حازت «غولدن غلوبز»، ومن بين المرشحات لـ«أوسكار» عن دورها الرئيسي في هذا الفيلم، منافساتها كنّ: إميلي بلنت عن «عودة ماري بوبنز»، وأوليفيا كولمان عن «المفضلة» (فازت بـ«غولدن غلوبز»)، وليدي غاغا عن «مولد نجمة»، وميليسا مكارثي عن «هل تستطيع أن تسامحني؟».
هذا العام هو عام الممثل رامي مالك، إذ استحوذ على جائزة أفضل تمثيل في دور رئيسي، وذلك بالطبع عن دوره في «بوهيميان رابسودي»، وهو الذي كان قد فاز بالجائزة نفسها عندما أعلنت نتائج «غولدن غلوبز» قبل نحو شهر. وهو أمر لافت بالطبع. رامي يؤدي دوره ببذل مخيف (إيجابياً)، مدركاً حتى من قبل البدء بالتصوير أهمية هذا الدّور لمستقبله، فإذا به يفوز ليس في مواجهة منافسين قليلي الشّأن، بل بعض أبرز من في هوليوود اليوم. نتكلّم عن كريستيان بيل الذي غرز نفسه في دور دك تشايني في «نائب»، وعن برادلي كوبر الذي أحسن تجسيد دوره في «مولد نجمة»، كما صممه وأخرجه بنفسه. نتكلم أيضاً عن أداء جيد من فيجو مورتينسين في «كتاب أخضر»، وآخَر موظَّف بنجاح لجون ديفيد واشنطن عن «بلاكككلانسمان».
بالنسبة إلى الممثلات المساندات، نالت إميلي بلْنت عن «مكان هادئ» ما لم تحقّقه عن «عودة ماري بوبنز»، فآلت جائزة «أفضل تمثيل نسائي مساند» إليها، تاركةً منافساتها ينفضن الغبار وهن أيمي آدامز (عن «نائب»)، ومارغوت روبي (عن «ماري، ملكة الاسكتلنديين»)، وإيما ستون (عن «المفضلة»)، وريتشل وايز (عن «المفضلة» أيضاً). رجالياً ماهرشالا علي هو رابح «أفضل تمثيل رجالي مساند» عن «كتاب أخضر». وفي أعقابه كل من آدام درايفر عن «بلاكككلانسمان» وريتشارد إ. غرانت عن «هل تستطيع أن تسامحني؟»، وسام إليوت عن «مولد نجمة» وتيموثي شالامت عن «صبي جميل».
في المقابل التلفزيوني وقف الممثل توني شلهوب وسط ممثلي مسلسل «السيدة ماسل الرائعة». هذا المسلسل الكوميدي نال ما ناله «بلاك بانثر» بين الأعمال التلفزيونية وصعد المنصة كل من ظهر فيه أسبوعياً ومنهم أيضاً كيفن بولاك وكارولاين آرون ومايكل زيغن.
أفضل ممثلة أولى في مسلسل كوميدي هي الممثلة رايتشل بروسنان عن دورها في المسلسل نفسه وهو المسلسل الذي وفّر أيضاً جائزة أفضل ممثل أول في مسلسل كوميدي لتوني شلهوب الذي صعد المنصة هذه المرّة منفرداً وقال: «أريد أن أقول قبل كل شيء إنّه من الشرف بالنسبة إليّ أن أكون في الفئة ذاتها مع الممثل آلان آركين الذي أعتقد أنّه كان السبب في أنّ أصبحتُ ممثلاً». كلام جميل لكن آلان آركين، كما يظهر مقطع منتشر على الإنترنت، لم يكن سعيداً به… ربما لأنّه لم يكن الممثل الذي صعد المنصة.
آخرون في السباق ذاته، كانوا الجيد هنري وينكلر عن «باري»، وبيل هادير (عن «باري» أيضاً)، ومايكل دوغلاس (عن «منهج كومينسكي»). درامياً ذهبت جائزة أفضل ممثلة تلفزيونية إلى ساندرا أوه عن «قتل إيف»، والوجه الرجالي من الجائزة ذاتها كان من نصيب جيسون بيتمان عن دوره في «أوزارك».
والفئة الثالثة من الجوائز التلفزيونية هي تلك التي تنتمي إلى ما يُعرف بالفيلم التلفزيوني (عادةً ما يتألّف من حلقة طويلة واحدة)، أو الحلقات المحدودة (مثل المسلسلات المؤلفة عادةً من خمس حلقات). هنا نجد باتريشيا أركيت ترتفع إلى مصافّ الفائزات عن فيلم «هروب عند دانمورا»، ودارين كريس عن دوره في «اغتيال جياني فرساس».
بينما كان كل هذا الاحتفال دائراً، كان الحضور في مهرجان صندانس ينعم بالشّمس والبرودة قبل الظهر والبرودة وحدها بعد ذلك. والمكان الدافئ الوحيد هو تلك الصّالات التي تعرض عجائب من الأعمال الجيدة التي، في الغالب، لا نرى لها أثراً بين الأعمال المحتفى بها في موسم الجوائز.
وواحد من أفضل الأفلام التسجيلية التي عُرضت هنا مساء الأحد، هو «مايلز ديفيز: مولد الكوول Miles Davis: Birth of the Cool» الكوول هنا -كما يعرف معظمنا- هو المرتبة التي يصعد إليها الشخص القادر على إثارة الإعجاب والجاذبية بأقل قدر من الجهد.
لمن لا يعرفه، فإنّ مايلز ديفيز هو أحد عناوين موسيقى الجاز الأشهر. والمخرج ستانلي نيلسون هو الذي سبق له أن عرض في صندانس بضعة أفلام تسجيلية من قبل أهمها «بلاك بانثرز: حارسو الثورة»، وهو عن العصبة الأفرو - أميركية التي رفعت شعار تحرير السود من العنصرية البيضاء في الستينات.
التفاتة نيلسون للموسيقار ديفيز ضرورية لمحبي موسيقى الجاز. لا تستطيع أن تسمعها في الفيلم من دون أن تتأثر بها إذا ما كنت على صلة مسبقة بها. وجدت نفسي أحرك أصابعي على هوى الترومبيت الذي كان ديفيز يعزفه بسهولةِ مَن ينفخ في الريح وبمهارة مَن يضغط على روموت كونترول سيارته ليفتح بابها. لكنّ هذا ليس الجانب الوحيد مما يصلنا من الفيلم. فإلى جانب تقديم حياة ديفيز المبكرة وكيف دخل محراب الموسيقى ولماذا؟ هناك جانب آخر يمرّره المخرج نيلسون كعنصر متداخل وهو المحيط الاجتماعي للموسيقي الشّهير خصوصاً تأثير الفترة التي قضاها في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وعاصر فيها تجارب ثقافية واجتماعية متعددة.
شخصية أفرو - أميركية أخرى سطعت هنا خلال اليومين الماضيين هي شخصية الروائية توني موريسون. مثل «مايلز ديفيز: مولد الكوول»، فإنّ فيلم « Toni Morrison: The Pieces I Am» يبحر في الماضي راغباً في إلقاء نظرة على ما الذي صاغ هذه الشّخصية لكي تصبح أديبة حازت على جائزة نوبل الأدبية.
المخرج هو تيموثي غرينفيد - ساندرز الذي كان قد تعرف على الروائية موريسون منذ بضع سنوات ووجد أنّ الوقت حان الآن لتحقيق فيلم عنها. مثل سواه من الأفلام، هو تعريفي وتاريخي وبورتريه شخصي يبتعد عمّا ساد بضع أفلام تسجيلية حديثة أرادت كشف بعض الجوانب الشّخصية التي تستطيع من خلالها إثارة الاهتمام حتى وإن كانت تلك الجوانب سلبية.
شكلياً، هذا الفيلم بسيط التركيب. لا يبدو أنّ المخرج ساندرز قد اهتم كثيراً بالمعالجة الأفضل لصياغة فيلم يتناول الماضي والحاضر جنباً إلى جنب. على عكس فيلم ستانلي نيلسون، فالجهد المبذول فيه يبقى تقليدياً، والموضوع على أهميته يمرّ بقنوات أضيق من أن تستوعب كل ما كان يجب أن تستوعبه من عناصر العمل.
حفل في هوليوود وأفلام في صندانس
نقابة الممثلين توزع جوائزها السنوية
حفل في هوليوود وأفلام في صندانس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة