كسوة الكعبة المشرفة قبلة زوار معرض القاهرة للكتاب

تتصدر جناح السعودية... وإقبال كثيف من الرواد

كسوة الكعبة المشرفة قبلة زوار معرض القاهرة للكتاب
TT

كسوة الكعبة المشرفة قبلة زوار معرض القاهرة للكتاب

كسوة الكعبة المشرفة قبلة زوار معرض القاهرة للكتاب

بمشاعر روحانية استدعت الدموع لتترقرق من عينيها وقفت الشابة العشرينية تسنيم راجي، أمام كسوة الكعبة المشرفة في انتظار دورها لتشارك في الحياكة، عندما علمت أنّ تلك القطعة التي تُنسج بخيوط الذّهب ستسافر لتعلّق على جدار الكعبة المشرفة في موسم الحج المقبل. سألتها «الشرق الأوسط» عن تلك الحالة الروحانية التي سيطرت على مشاعرها رغم حداثة سنّها، فقالت: «لم أكن أتوقع أن تنهمر دموعي أمام الكسوة الشريفة. فلم أكن أفكر في زيارة المعرض حاليا، بل والدتي هي التي اصطحبتني ملحة لرغبتها في التبرك بكسوة الكعبة، لكنّني وجدت شعورا لا يمكن وصفه انتابني ما أن علمت أنّها القطعة التي ستذهب لمكة وبيت الله موسم الحج القادم، ورغبت في الانتظار للمشاركة بنيل شرف نسج عدة غرز في كسوة الكعبة المشرفة».
رجال ونساء وأطفال من مختلف الفئات العمرية يقبلون على جناح المملكة العربية السعودية، بحثا عن كسوة الكعبة المشرفة حيث تتعلق آمال وقلوب زوار معرض القاهرة الدُّولي للكتاب في دورته الـ50 بتلك القطعة الحريرية المذهبة التي كتب عليها «الله أكبر» ومع كل غرزة تسمع ابتهالات القلوب لربّ البيت، طمعاً في زيارة الكعبة المشرفة في موسم الحج القادم، فيما يتعاون المصطفّون لتصوير بعضهم البعض لتسجيل لحظات نسج خيوط الذهب في الكسوة الحريرية. وشارك عدد كبير من الشّخصيات العامة والمثقفين ورواد المعرض في نسج الكسوة المشرفة وعلى رأسهم سفير خادم الحرمين الشريفين السفير السعودي في القاهرة أسامة النقلي.
أحمد باعنتر، وكيل العلاقات العامة في مجمّع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، قال لـ«الشرق الأوسط»: «نشارك تحت مظلة الرئاسة العامة لشؤون الحرمين وهي السنة الثانية التي نحضر فيها». مضيفاً، «هذه واحدة من خمس قطع ستوضع على الحجر الأسود كمعلم لبداية الطواف عام 1441 هـ، القماش الحريري يأتي من إيطاليا من أجود الأنواع، أمّا سلك الذهب والفضة فيأتي من ألمانيا، وله مواصفات ومقاييس معينة، وتغيّر الكسوة كاملة يوم عرفة».
ويبلغ ارتفاع الكسوة 14 متراً وحزامها 95 سنتيمتراً وبطول 47 متراً والمكون من ست عشرة قطعة. وأوضح باعنتر «هذه القطعة لا تنتهي قبل أسبوعين من الزمان، وبعد يومين ستخرج قطعة أكبر من هذه مرتين من السعودية، لكي تستوعب مساهمات زوار المعرض حتى آخر يوم في المعرض، فحجم الإقبال على حياكة الكسوة المشرفة كبير، ويبدأ من أول ساعات النهار، وحتى ساعة إغلاق الجناح من مختلف الجنسيات».
أمّا الفنان حمدان اللقماني، فهو المرشد الأمين لراغبي حياكة كسوة الكعبة ودليلهم لنسج غرز دقيقة فيرشدهم على نقطة البداية وكيفية الإمساك بالإبرة والمرور عبر النسيج الحريري، من ثمّ كيفية تثبيت خيوط الذهب محمساً إياهم بكلمات تشجيعية في ظل سعادة غامرة وتلهف من طابور المنتظرين.
ويتوافد على ركن كسوة الكعبة يوميا مئات الزائرين، كان من بينهم وفد الطّلاب العراقيين الدّارسين في جامعة «الأزهر الشريف» بالقاهرة من كلية أصول الدين، وقال الطّالب سرمند وليد، جئت من مدينة أربيل (العراق) وأدرس في الأزهر الشريف، وهذه هي الزيارة الأولى لي لمعرض القاهرة للكتاب، وسمعت كثيرا عن جناح المملكة وحرصت على أن يكون أول محطة لي داخل المعرض للحصول على الإصدارات الدينية والثقافية، وأبدى سعادته بركن كسوة الكعبة. بينما عد المصري أحمد نبيل، سعادته بأنّها «لا توصف»، واستكمل: «هذا شرف حتى لو بنسج غرزتين في الكسوة المشرفة، وحقيقة لم أكن أتخيل أنّ نسج زخرفة كسوة الكعبة بهذه الصّعوبة ويحتاج لهذه الدّقة، عمل عظيم ويستحق كل التقدير».
ويرتبط المصريون عاطفيا بكسوة الكعبة المشرفة حيث كانت تُنسج وتُحاك في مصر منذ عهد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب؛ ليخرج موكب المحمل ماراً في شوارع القاهرة الفاطمية وأيضا على كورنيش الإسكندرية باحتفال مهيب كان يتراص فيه الكبار والصغار بطول عشرات الكيلومترات تبركاً بالمحمل وتوديعه قبل مغادرته الأراضي المصرية عبر ميناء الإسكندرية، ورغم أنّ تجهيز المحمل في مصر توقف عام 1962. إلّا أنّ ذكريات مشهد «موكب المحمل» لا تزال تعيش في ذاكرة أجيال من المصريين، تحديداً المعمرين الذين يروونها لأبنائهم وأحفادهم.
ويشهد معرض الكتاب في يوبيله الذّهبي إقبالاً كثيفا من الأسر المصرية والجاليات المقيمة في مصر، خصوصاً في ظل تزامنه مع إجازة نصف العام وتحسن الأحوال الجوية وتوافر حافلات نقل لمقر المعرض بالقاهرة الجديدة حيث اعتبرته الكثير من الأسر نزهة متكاملة تتضمن الكتب والعروض الفنية والمسرحية والسينمائية، فضلاً عن وجود مناطق مخصّصة للترفيه عن الأطفال وتتضمن أنشطة للقراءة والرّسم والتلوين. وتستمر فعاليات المعرض حتى الخامس من فبراير (شباط) المقبل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».