لم تكن أوروبا تعرف أكلات الشوارع حتى خمسينات القرن الماضي، فقد اقتصر المطبخ الأوروبي على الأكلات الشعبية السائدة؛ سواء في المطاعم أو في المنازل. ولكن الوضع تغير في الخمسينات بعد الحرب العالمية الثانية ومرحلة إعادة البناء التي استغرقت نحو 10 سنوات.
عصر العودة إلى الرخاء الأوروبي شهد تطورا في كل المجالات، وعودة لمستويات المعيشة التي كانت سائدة قبل الحرب. فجرب الأوروبيون للمرة الأولى السفر السياحي حول العالم، خصوصا في فصل الشتاء القارس. وذهب الأوروبيون إلى شمال أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وتعرفوا على حضارات وثقافات مختلفة؛ كانت من بينها ثقافة أكلات الشوارع التي انتشرت في هذه البقاع.
من ناحية أخرى، وفد إلى أوروبا كثير من المهاجرين الأجانب للعمل في مصانعها وتشغيل مرافئها ومواصلاتها. وضمن هذا التوجه، شجعت بريطانيا قدوم عائلات من المستعمرات؛ ومنها منطقة البحر الكاريبي التي حضر مهاجروها إلى بريطانيا على متن السفن للعمل في مختلف المجالات التي يحتاجها البريطانيون.
ومع قدوم المهاجرين الأجانب جاءت معهم أيضا بعض تقاليد تناول الطعام. فكان العمال يتناولون غذاءهم بسرعة في ساعات الظهيرة من عربات بيع أكلات الشوارع. ولم يقتصر بيع الوجبات على العمال الأجانب فقط؛ بل تعداه إلى الأوروبيين الذين تعرفوا عليه من أسفارهم إلى خارج القارة الأوروبية.
وتطور الأمر بعد ذلك إلى توفير أطعمة الشوارع في الأسواق والأمسيات وبيعه للأوروبيين والأجانب على السواء. ودخل إلى المجال أوروبيون يعملون في بيع وجبات الشوارع ويجددون في أنواع الوجبات لكي تلائم المذاق الأوروبي. ومع مرور الوقت تحول بعض الوجبات إلى صميم المطبخ الأوروبي، وأصبح الجيل الجديد في أوروبا يقبل عليها كأنها من التراث المحلي.
ونتيجة لهذه التحولات في التاريخ الأوروبي الحديث تنوعت المذاقات، وتوسع مجال بيع أطعمة الشوارع لكي يشمل توصيل الطلبات إلى الزبائن أو بيعها في منافذ السوبر ماركت.
ويعرّف الإعلام بأنواع وجبات الشوارع، كما توفر المواقع السياحية نصائح حول الملائم وغير الملائم من أطعمة الشوارع في بلدان العالم للمسافر الأوروبي، ونشط نقاد المطاعم في مجال تذوق وتقييم أكلات الشوارع المحلية في أوروبا.
وتشهد أوروبا حاليا تطورا نحو التحول إلى أكلات الشوارع بوصفه أسلوب معيشة مختلفا عن التيار التقليدي الذي يتوجه إلى المطاعم بأنواعها. كما أن الجيل الجديد يفضل الوجبات السريعة الخفيفة التي لا تثقل المعدة أو الجيب. ويعدّ الشباب أن التحول إلى أطعمة الشوارع أسلوب حياة مختلف عن ممارسات الجيل السابق؛ سواء في تناول الوجبات في البيوت، أو الذهاب إلى المطاعم. ويتناسب هذا الأسلوب مع حياة الشباب؛ حيث يمارسونه أيضا أثناء رحلاتهم السياحية حول العالم. ولا يلتزم معظم الشباب بنصائح عدم تناول أنواع معينة من أطعمة الشوارع في الخارج، ويعدّون التعرف على أكلات غريبة جزءا من مغامرة السفر.
وينتشر المهاجرون الأجانب الآن في أرجاء أوروبا، ويقدمون وجباتهم الوطنية بأسعار معقولة لمواطنيهم وأيضا للأوروبيين. وهم يعتمدون على وجود التوابل والخضراوات ومكونات الوجبات، وهي مكونات مستوردة ومتاحة في الأسواق. ومن المعتاد أن يذهب المواطن الأوروبي حاليا إلى مهرجانات أطعمة الشوارع التي يمكن فيها تذوق مختلف الأنواع ومنح جوائز للأفضل فيها.
وينظر الأوروبيون إلى أطعمة الشوارع على أنها وجبات حقيقية وصحية وأفضل مما تقدمه أفخم المطاعم من حيث المذاق. وهي وجبات طازجة تطهى أحيانا أمام المشتري وتقدم له ساخنة ولذيذة، وبسعر منخفض، لأن منافذ البيع تتجنب كثيرا من تكاليف افتتاح المطاعم وصيانتها.
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن حوادث التسمم الغذائي أقل في منافذ بيع أطعمة الشوارع؛ حيث كل الأطعمة طازجة، أكثر من تلك التي في المطاعم.
من ناحية أخرى، تحول الأوروبيون إلى أكلات الشوارع في أوقات الأزمات الاقتصادية التي تقلصت فيها ميزانيات الأسر وفرص تناول الطعام في المطاعم التقليدية. ووجد الأوروبيون ضالتهم في هذه الأطعمة التي وفرت لهم نوعية متميزة من المذاقات المتاحة بتكلفة منخفضة.
وفي السنوات الأخيرة زاد تأثير أطعمة الشوارع على المناخ العام لتناول الطعام في أوروبا إلى درجة أن بعض المطاعم تزاحم الآن عربات الشوارع في بيع أنواع مماثلة من الطعام فيها. كما تتم الاستعانة بعربات وجبات الشوارع للحضور إلى المناسبات والحفلات العامة. ولم يعد الأمر يقتصر على عربات الكباب والبرغر والهوت دوغز؛ وإنما يشمل الأكلات غير المعهودة من مأكولات فيتنامية وصينية، إلى جانب أنواع البيتزا ومأكولات «ديم صم» الصينية.
وحتى في حفلات الزفاف الأوروبية، يتعامل الضيوف الآن مع منافذ بيع مأكولات وآيس كريم بدلا من الجلوس التقليدي على موائد لانتظار الطعام. وعلاوة على أن أسلوب عربات الطعام أرخص وأكثر تنوعا؛ فهو أيضا يتيح للضيوف تناول الأطعمة والمشروبات التي يفضلونها في الأوقات التي تروق لهم.
ولمن يريد أن يتمتع بمذاق أطعمة الشوارع في المنازل، فهناك كثير من الوسائل المتاحة؛ بداية من شرائها من السوبر ماركت، وحتى طلبها من منافذ بيعها «تيك اواي»، أو عن طريق شركات توصيلها إلى المنازل.
ويشير ظهور أكلات الشوارع في الأسواق والمهرجانات وحفلات الزفاف وعلى أرفف السوبر ماركت ولدى شركات توصيل الطلبات إلى المنازل، إلى أنها تطورت بعيدا عن أصلها التي كانت تباع فيه في عربات وأكواخ على جوانب الشوارع في أوروبا وخارجها.
وتهدف منافذ بيع أكلات الشوارع في أوروبا حاليا إلى تحسين نوعية الطعام الذي تقدمه، وإتاحته لقطاعات أعرض من العامة لكي تستمتع بمذاقات جديدة بعيدا عن تكلفة المطاعم التقليدية. وتؤشر منافذ بيع أطعمة الشوارع إلى مرحلة جديدة من تقدير هذه الأطعمة لذاتها، وليس لمنافذ بيعها؛ سواء على عربات أو في المطاعم.
سرّ انتشار أكلات الشوارع في أوروبا
السياحة حول العالم والمهاجرون إلى أوروبا أهم الأسباب

سرّ انتشار أكلات الشوارع في أوروبا

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة