قضية الصدر: 4 عقود من التعثّر القضائي والاتهامات السياسية

توتر في العلاقات اللبنانية ـ الليبية إنعكس خلافات في بيروت

قضية الصدر: 4 عقود من التعثّر القضائي والاتهامات السياسية
TT

قضية الصدر: 4 عقود من التعثّر القضائي والاتهامات السياسية

قضية الصدر: 4 عقود من التعثّر القضائي والاتهامات السياسية

صحيح أن العلاقات اللبنانية ـ الليبية مرّت بمراحل صعبة جداً في عهد الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، نتيجة اختفاء المرجع الديني الشيعي الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين خلال زيارة رسمية للعاصمة الليبية طرابلس أواخر شهر أغسطس (آب) من عام 1978، واتهام نظام القذافي بخطفهم وحجز حريتهم، لكنّها لم تبلغ هذا الدرك الذي بلغته الآن؛ إذ إنه يلامس قطع العلاقات نهائياً بين البلدين وفق ما لوّحت به السلطات الليبية، رداً على إنزال علم الثورة في بيروت وإحراقه، ورفع علم حركة «أمل» مكانه، وتحميل المكوّنات الليبية المتناحرة أصلاً وزر ما ارتكبه النظام البائد.
اندفاعة مناصري «أمل» إلى الشارع وتلويحهم بالتصعيد الشعبي فور وصول الوفد الليبي إلى بيروت للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية، قد تكون بالنسبة للبعض أمراً مفهوماً أو مبرّراً، ويمكن ضبطه أو الحدّ من فاعلية تحرّكه من قبل الأجهزة الأمنية المولجة حماية أمن القمّة وسلامة الوفود المشاركة. غير أن ما أثار القلق والريبة، المواقف التصعيدية التي صدرت عن رئيس السلطة التشريعية نبيه برّي (رئيس حركة أمل)، والرسائل التي وجهها ليس ضدّ ليبيا ووفدها فحسب، بل وصلت إلى التهديد بـ«6 شباط (فبراير) سياسية»، شبيهة بانتفاضة «6 شباط» العسكرية، التي قادها في عام 1984 لإسقاط اتفاق «17 أيار (مايو)» الذي أبرم مع الجانب الإسرائيلي غداة اجتياح لبنان في عام 1982.

رغم تحوّل جريمة اختفاء رجل الدين الشيعي السيد موسى الصدر إلى قضية وطنية، تعني جميع اللبنانيين وليس الطائفة الشيعية وحدها، فإنه ربما يتفهّم اللبنانيون مغالاة حركة «أمل» في حمل قضية الصدر، لكونه مؤسسها. إلا إنّ الاستعراضات في الشارع وإطلاق شعارات لطالما استخدمت في زمن الحرب، أيقظت في عقول الناس مشاهد استفزازية توحي برغبة البعض في هزّ الاستقرار الأمني، بتغطية دينية وسياسية، عبر البيان الصادر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي لوّح بالنزول إلى الشارع وقطع الطرق، في حال أصرت الدولة على حضور ليبيا القمّة.
بالنسبة لأصحاب هذه الطروحات توجد مبررات كافية لمنع تمثيل ليبيا في القمّة، في مقدمها «إمعان سلطتها الحالية في طمس معالم هذه القضية»، وفق ما أوضح القاضي حسن الشامي مقرر لجنة المتابعة اللبنانية لقضية الإمام الصدر ورفيقيه. ويشير الشامي إلى أنه «بدل أن تتعاون الأجهزة الليبية مع اللجنة اللبنانية، فإنها وجّهت أخيراً رسائل تهديد للسفارة اللبنانية في طرابلس، رداً على استفسارات لبنان عن مآل التحقيق المفترض إجراؤه مع قيادات أمنية تابعة للقذافي وموقوفين لديها، وهم على دراية كاملة بوقائع إخفاء الإمام الصدر».

- وقائع التواصل مع ليبيا
في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قدّم القاضي الشامي ما وصفها بالرواية الكاملة عن مراحل التفاوض مع الجانب الليبي. وقال إنه «بعد أسبوع من مقتل معمّر القذافي وسقوط نظامه، وتحديداً في مطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2011، توجّهت إلى العاصمة الليبية عن طريق القاهرة، وكانت قيادة السلطة انتقلت إلى مصطفى عبد الجليل الذي تولى رئاسة المجلس الوطني الليبي». وأردف أن عبد الجليل أبلغه بأن «قضية الإمام الصدر ستكون أولوية وطنية ليبية، وهذه مسؤوليتنا، ونحن شركاء في الظلم معكم». ثم أوضح أن عبد الجليل «شكّل لجنة ليبية لمتابعة القضية معنا، مؤلفة من وزير العدل والمدعي العام وممثل عن مكتب الرئيس (المجلس الوطني)، وقدّموا لنا وعوداً باستجواب موقوفين أساسيين، أبرزهم: عبد الله السنوسي، وعبد الله حجازي، وفرج أبو غالية، وعبد الله منصور، وهؤلاء هم رؤساء الأجهزة الأمنية وقادة عسكريون من الصف الأول وضمن الحلقة اللصيقة بمعمر القذافي، وكان بعضهم في سدّة المسؤولية عند خطف وإخفاء الإمام الصدر». ورغم إعلان السلطات الليبية عن تعاونها الكامل في هذه القضية، فإن الوقائع على الأرض كانت مختلفة، وفيها كثير من اللامبالاة؛ إذ لم تفِ بوعدها باستجواب القادة الأمنيين الموقوفين لديها، ولم تسلّم اللجنة اللبنانية نتائج تحقيقاتها الموعودة. ولفت الشامي إلى أن «وفداً قضائياً ليبياً حضر إلى بيروت مطلع عام 2012، مؤلفاً من ثلاثة قضاة من مكتب المدعي العام، وقابل وزير العدل اللبناني (يومذاك) شكيب قرطباوي، الذي حثهم على تسريع خطوات التحقيق. ثم اجتمعوا بعائلات المخطوفين وتعهدوا بالتعاون المطلق، وطلبوا موعداً لمقابلة النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا. إلا إن الأخير رفض استقبالهم لأنه يعتبر أن الأزمة موجودة في ليبيا وليست في لبنان، وبالتالي، يجب أن يكون دورهم وعملهم في طرابلس».
اللجنة اللبنانية اليوم تتهم نظيرتها الليبية بـ«المراوغة ومحاولة تضييع القضية، ونقلها إلى مسار الصفقات والتسويات المالية». ويشرح القاضي الشامي، مقرّر اللجنة اللبنانية، أنه «في 16 تموز (يوليو) 2012، أبلغتنا اللجنة الليبية بأنها عثرت على جثّة الإمام موسى الصدر، فانتقلنا مع عائلته إلى ليبيا، وكان معنا الدكتور فؤاد أيوب (رئيس الجامعة اللبنانية حالياً) لإجراء فحوص الحمض النووي (DNA) وجرى إخراج الجثة ووضعها في البراد. وبعد أخذ وردّ لأيام طويلة، قرّروا إجراء هذا الفحص في جمهورية البوسنة والهرسك فوافقنا، وأتت النتيجة غير مطابقة». واستطرد قائلاً إن «هذه المماطلة والاعتراض الذي بدأ من قبلهم، أوصلانا إلى توقيع مذكرة تفاهم في 1 آذار (مارس) 2014». ولفت الشامي إلى أن الجانب الليبي «أقرّ بموجب هذا الاتفاق بأن عملية الخطف حصلت في ليبيا من قبل معمّر القذافي وأركان نظامه، وأن الإمام الصدر لم يغادر طرابلس إلى روما، كما جاء في مزاعم نظام القذافي. ونصّت المذكرة على ثلاثة بنود أساسية، الأول: إجراء تحقيق مشترك والسماح لنا بطرح الأسئلة على الموقوفين الأمنيين. الثاني: البحث في كلّ السجون الليبية. والثالث: التواصل الدائم معنا وتبادل المعلومات».

- مسار التهديدات
القاضي الشامي يشدد على أن الليبيين «لم ينفّذوا واحداً في المائة من هذه المذكرة، وبسبب هذا التلكؤ، ذهبت في شهر آذار 2016 إلى ليبيا، وقابلت بعض الموقوفين من المقرّبين من القذافي، وطرحت بعض الأسئلة، لكني لم أتلق أجوبة كافية. ومنذ ذلك الوقت وفور عودتي من طرابلس قطعوا كلّ الاتصالات بنا»، متابعاً أنه «عندما أتى فايز السراج (رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية) إلى السلطة لم يقم بأي خطوة إيجابية تجاهنا». قبل أن يكشف عن أن وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيّالا «أرسل كتاباً إلى السفارة اللبنانية في طرابلس، يتضمّن ما يكفي من التهديد رداً على مراجعاتنا المتكررة، وهذا الموقف يمكن ربطه بموقع سيّالا السابق، حيث كان يشغل موقع وكيل وزارة الخارجية الليبية وهو مقرّب من عائلة القذافي... وانطلاقاً من كلّ هذه الوقائع، تتحمل السلطات الليبية مسؤولية تمييع قضية الإمام الصدر، وعدم التزامهم، وأخلّوا بوعودهم».

- أزمة سياسية داخلية
على صعيد آخر، المفارقة أن الخلاف بشأن قضية الصدر لم يقتصر على الجانب الليبي؛ إذ إنها فجرت أزمة سياسية داخل لبنان، بدأت بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي... ومن ثم، انسحبت على علاقة الأخير برئيس الحكومة سعد الحريري، الذي انتقد بشدّة تصرفات مناصري حركة «أمل»، وبالذات، تمزيق العلم الليبي وإحراقه والتهديد باحتلال مطار بيروت الدولي ومرافق عامة، في حال سمح للوفد الليبي بدخول لبنان للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية. وهو ما أدى إلى اعتذار ليبيا عن عدم الحضور والتلويح بقطع العلاقات مع لبنان... وبالتالي، تخفيض مستوى حضور القيادات العربية في القمّة. وقد أعاد الحريري التذكير بأنّ «العلاقة بين الأشقاء يجب أن تعلو فوق الإساءات».
ردّ برّي على الحريري لم يتأخّر، بيد أنه تعدّى التخاطب السياسي، إلى حدّ التلويح بخيار الشارع مجدداً؛ إذ قال رئيس مجلس النواب: «الأسف كل الأسف ليس لغياب الوفد الليبي، بل لغياب الوفد اللبناني عن الإساءة الأم منذ أكثر من 4 عقود»، في إشارة إلى ما عدّه «إهمال» لبنان لقضية الإمام الصدر. وأضاف برّي: «في السياسة نحن نقوم بواجبنا حيال هذه القضية، وإذا كان هناك إصرار على تخطي رأينا، فإن شبابنا يقومون بالواجب»؛ في إشارة إلى نزول مناصري «أمل» إلى الشارع لمنع دخول الوفد الليبي.

- توضيح القضاء اللبناني
ولكن اتهام برّي بغياب دور الدولة عن قضية الصدر أو الإساءة إليها لم يمرّ من دون تعليق معاكس؛ إذ شدّد وزير العدل السابق شكيب قرطباوي، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، على أن الدولة اللبنانية «أنجزت كلّ ما يمكن القيام به، وعيّنت لجنة قضائية وأمنية لمتابعة الملف، وانتقلت إلى ليبيا مرات عدة وقابلت مسؤولين ليبيين، لكن النتيجة لم تكن كما توخيناها جميعاً». وأضاف: «مَن أخفى الإمام الصدر ورفيقيه هو نظام معمّر القذافي، فلماذا نحوّل القضية إلى صراع لبناني داخلي؟ ولماذا نحمّل السلطات الليبية الحالية مسؤولية المأساة وهي غارقة في فوضى داخلية لا تستطيع الخروج منها؟ وهل يعقل الإساءة إلى الدول العربية الشقيقة بهذه الطريقة؟»، مؤكداً أن «وزارة العدل لم تقصّر بدورها، في أي مرحلة من المراحل، حتى قبل رحيل القذافي».
وفي غمرة الصراع على هذا الملفّ، جاء توقيف هنيبعل القذافي، نجل معمّر القذافي، لدى القضاء اللبناني، ليستخدم ورقة ضغط قويّة لإرغام الجانب الليبي على التعاون. وكان القضاء الليبي قد بعث بأكثر من مراسلة يطلب فيها تسليمه هنيبعل لمحاكمته، إلا إن القاضي زاهر حمادة، المحقق العدلي في قضية اختفاء الصدر، الذي أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه بجرم «إخفاء معلومات تتعلّق بمصير الصدر»، رفض إطلاق سراحه، مستنداً إلى أسباب قانونية تبرّر استمرار توقيفه.

- هنيبعل القذافي أداة ضغط
هنيبعل القذافي، الذي كان يقيم في سوريا لاجئا سياسيا وبحماية نظام بشّار الأسد، كان جرى استدراجه من مدينة اللاذقية إلى العاصمة السورية دمشق، بواسطة سيدة تدعى فاطمة، بالاتفاق مع النائب اللبناني الأسبق حسن يعقوب (نجل الشيخ محمد يعقوب المخطوف مع الصدر). ولدى وصول هنيبعل إلى دمشق، جرى تخديره من قبل مجموعة مسلحة، عملت على نقله إلى داخل لبنان بواسطة معبر غير شرعي، وسلّمته إلى يعقوب حيث جرى احتجازه وضربة وتعذيبه داخل شقة سكنية في منطقة البقاع اللبناني، ما تسبب بكسر في أنفه، وذلك في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015. بعدها اكتشف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية أمر خطفه واحتجازه، وهو يعمل على تحريره، وتسليمه إلى القضاء، بينما جرى توقيف النائب السابق يعقوب و4 آخرين بجرم خطف القذافي الابن وحجز حريته وتعذيبه جسدياً ومعنوياً.
المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة ما زال يرفض الإفراج عن هنيبعل، رغم المطالبات المتكرّرة من النظام السوري، بتسلّمه كونه يتمتع بحق اللجوء السياسي في سوريا. ولقد دخلت موسكو في الأسابيع الأخيرة على خطّ الضغط على لبنان للإفراج عنه، في حين رفض القضاء اللبناني طلبات متكرّرة من القضاء الليبي لاستعادة القذافي بصفته مواطنا ليبيا مطلوبا لبلاده.
كذلك، يوجّه رجال قانون وسياسيون انتقادات للقضاء بسبب استمرار توقيف القذافي الابن، ويسخرون من اتهام هذا الموقوف بالتدخل في جريمة خطف الصدر ورفيقيه، علما بأن هنيبعل «لم يكن يتجاوز السنوات الثلاث من عمره يوم اختفاء الصدر»، لكنّ مصدراً قضائياً مطلعاً على تفاصيل الملف القضائي، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار استمرار التوقيف مبرر قانوناً، بسبب تعمّد القذافي الابن كتم معلومات تتعلّق بالجريمة المتمادية منذ أكثر من 40 سنة». وكشف أن «هنيبعل تدخّل لاحقاً بالجريمة، وهو اعترف صراحة أمام المحقق العدلي بأنه أصبح عضواً باللجنة الأمنية، وأعلن أنه لم تتم تصفية الإمام الصدر، بل جرى نقله إلى سجون عدّة وذكر أسماء هذه السجون».
ويرى مصدر سياسي في قوى «14 آذار» أن مقاربة الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله» لقضية الإمام الصدر، تندرج في نطاق الاستثمار السياسي، الذي يتعدّى البحث الحقيقي عن مصير الإمام المغيّب. وطرح المصدر عبر «الشرق الأوسط» التساؤل: «كيف نفسّر ليونة هذا الفريق مع حضور ليبيا في القمّة العربية في بيروت عام 2002، عبر علي عبد السلام التريكي رئيس حكومة القذافي، في حين نجد اليوم هذه الانفعالات والتصرفات الميليشياوية ضدّ الذين أطاحوا بالقذافي؟».
ورأى أن هذا الفريق «يتعامل مع القضية بازدواجية تامّة؛ إذ إنه يقاتل من أجل دعوة النظام السوري للقمة، وهو يعلم يقيناً أن نظام الأسد شريك فعلي في مؤامرة خطف الصدر وإخفائه»، مذكراً بأن حافظ الأسد «استقبل القذافي بحفاوة بالغة، بعد أشهر قليلة من اختطاف الإمام الصدر، وعلاقات النظامين ظلّت وثيقة إلى حين سقوط نظام القذافي».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».