رسالة ثقة وإصلاح سعودية لرواد «دافوس»

الجدعان لـ «الشرق الأوسط» : قطعنا شوطاً كبيراً في المرحلة الأولى من «رؤية 2030» ونركز على التنفيذ

وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال جلسة حول الاقتصاد السعودي في منتدى دافوس أمس (أ.ف.ب)
وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال جلسة حول الاقتصاد السعودي في منتدى دافوس أمس (أ.ف.ب)
TT

رسالة ثقة وإصلاح سعودية لرواد «دافوس»

وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال جلسة حول الاقتصاد السعودي في منتدى دافوس أمس (أ.ف.ب)
وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال جلسة حول الاقتصاد السعودي في منتدى دافوس أمس (أ.ف.ب)

حملت السعودية إلى رواد «دافوس»، أمس، رسالة مفادها أنها ماضية وملتزمة ببرنامجها الإصلاحي بأوجهه الاجتماعية والاقتصادية والمالية. وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش المنتدى الاقتصادي، إن السعودية استعرضت خلال السنتين الماضيتين في «دافوس» وخارجه، برنامجا إصلاحيا ووعودا تحولت إلى إنجازات ومشروعات واضحة نُفّذت، وتُرجمت باستثمارات كبيرة جدا من القطاع الخاص خلال الشهور الماضية.
بدوره، قال وزير الاقتصاد السعودي محمد التويجري، لـ«الشرق الأوسط»، إن الإصلاحات التي تقودها السعودية «بحجم طموحها، وينبغي إعطاؤها حقها من التخطيط والتواصل الداخلي وعمل السيناريوهات المناسبة». وأضاف أن «هذا لا يعني أن السنتين الأولى والثانية (منذ الإعلان عن الرؤية) لم تعرفا حراكا إصلاحيا، لكن عام 2018 شهد زخما وسيستمر ويتعزز هذا الزخم في عامي 2019 و2020». وأضاف التويجري أن منظومة التخطيط شبه مكتملة، مشددا على تحلي الحكومة «بمرونة بعد قياس الأثر على جميع تلك الإصلاحات، للتحرك بما يناسب القطاع الخاص، وجل الجهات الأخرى».
وذكر وزير المالية في هذا السياق أن «رؤية 2030» هي رؤية تمتد على 15 سنة، وتتكون من 3 مراحل. فقد قطعنا شوطا في التخطيط، وبدأنا في التنفيذ عبر التركيز بشكل كبير جدا على تنمية القطاع الخاص وخلق المزيد من الوظائف وإعادة هيكلة الأنظمة. وأوضح في هذا الخصوص أنه تم تعديل 18 نظاما في عام 2018، وهو تعديل كبير كان يستغرق سنوات طويلة في السابق.
وأشار الجدعان كذلك إلى الجانب الاجتماعي الذي شهد خلال السنتين الماضيتين تقدما كبيرا جدا، لم يكن ليحصل في 10 سنوات سابقا. والشيء نفسه ينطبق على خلق الوظائف في قطاعات لم تكن موجودة في السعودية. ونوّه إلى أن «كل هذه الإنجازات حصلت، ونحن كنا لا نزال في مرحلة التخطيط. لكن أتيح المجال ليبدأ تطبيقها وتؤتي بثمارها».
في الجانب المالي، قال الجدعان إنه «كانت هناك إنجازات كبيرة جدا، من أبرزها السيطرة على العجز بشكل كبير من 12 في المائة في 2016، إلى 9 في المائة في 2017، إلى 4.6 في المائة في 2018، ونأمل بأن نسيطر عليه في عام 2019 حتى لا يتجاوز 5 في المائة».
وأشار وزير المالية إلى أن هذه الإصلاحات ستستمر، لافتا إلى إعلان مرتقب الأسبوع المقبل عن مبادرات كبيرة جدا للمحتوى المحلي والقطاع الخاص في إطار برنامج الصناعات الوطنية والخدمات اللوجيستية، تقدم دعما كبيرا جدا من الحكومة سواء كان من الصندوق الصناعي أو غيره، وتشمل المزيد من المطارات والمزيد من الموانئ وإصلاحها.
وفيما يتعلق بثقة المستثمرين المحليين والأجانب، قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي إن «أهم ما سمعناه في دافوس من المستثمرين هذه السنة، والسنوات الماضية، هو أهمية العمل المؤسساتي. وقد أصبح هناك إدراك أن العمل في السعودية مستدام، ومؤسساتي، ومبني على أسس واضحة تمكّن من سرعة التنفيذ وتواصل مستمر مع القطاع الخاص». وأضاف أن أحد أهداف «رؤية 2030» هو تحويل السعودية إلى مركز لوجيستي يربط بين القارات، عبر بنية تحتية متقدمة ورقمنة وخدمات وتعاون متعدد الأقطاب. وأعطى التويجري مثالا مشروع «رابغ» الذي تقدمت عليه 19 شركة عالمية، وأوضح: «اخترنا منها 5، وفاز به واحد فقط».
من جانبه، قال الجدعان إن «الهم الأول بالنسبة لنا هو المستثمر المحلي، وهناك تواصل مستمر بين الحكومة والمستثمر السعودي». وأوضح: «نأخذ برأيهم لتحديد قائمة العوائق التي تواجههم، ونعمل مع القطاع الخاص لحلها». أما بالنسبة لثقة المستثمرين الأجانب، فقد «رأينا في الإصدارات السعودية من أسبوعين ثقة كبيرة جدا من المستثمرين»، كما أكد وزير المالية.
وتابع: «أصدرنا قبل أسبوعين سندات بقيمة 7 مليارات دولار، كما أن هناك مجموعة مشروعات أُطلقت خلال الأشهر الأربعة الماضية. أغلبها كان من مستثمرين أجانب، وبعضها من مستثمرين محليين، في قطاعات الصحة والكهرباء والمياه والصرف الصحي»، مضيفا أن «هناك مشروعات أخرى قادمة خلال هذا العام».
وشاركت السعودية في الدورة الحالية من المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، بوفد رفيع يترأسه وزير الخارجية إبراهيم العساف. وعقد المنتدى أمس ندوة حول الاقتصاد السعودي، شارك فيها إلى جانب وزيري الاقتصاد والمالية، سارة السحيمي رئيسة مجلس إدارة السوق المالية السعودية «تداول»، وجيمس غورمان الرئيس التنفيذي لـ«مورغان ستانلي»، وباتريك بوياني رئيس مجلس إدارة «توتال».
وقالت السحيمي فيما يتعلق بالثقة والشفافية في السوق السعودية، إن «المنتدى الاقتصادي العالمي ينشر مؤشرا خاصا بإدارة الأسهم، شغلنا فيه المرتبة الخامسة عالميا، وارتفع بذلك 72 مرتبة بعدما كنا في المرتبة الـ77. كما نحن في المرتبة الأولى في العالم العربي، والثانية في مجموعة العشرين»، ما يعكس ثقة المستثمرين.
كما ذكرت أن هناك «قوانين إلزامية تسري على جميع الشركات، وعززنا حماية أصحاب الأقليات في الأسهم. وكل المنظمين يحاولون وضع تنظيمات تزيد من الشفافية للمستثمرين». وأضافت السحيمي أن عام 2018 شهد انضمام «تداول» السعودية لمؤشر الأسواق الناشئة «فوتسي»، لافتة إلى أن بلادها هيأت بيئة الاستثمار توافقا مع «رؤية 2030». وأن «تداول» أجرت كثيرا من المناقشات لتطوير سوق المال السعودية كما عملت على تطوير النظام المالي.
وبهذا الصدد، أضاف الجدعان أن السعودية تمكنت من تحويل انكماش الاقتصاد بنحو 0.7 في المائة في عام 2017، إلى نمو بـ2.3 في المائة بنهاية 2018. كما نوه بأن المملكة أعلنت عن أكبر ميزانية في تاريخها لتطوير الاقتصاد المحلي، وتعمل على كثير من مشروعات البنية التحتية بدعم القطاع الخاص، مشددا على أن مجال الاستثمار يشهد حالياً نتائج إيجابية؛ حيث منحت خمسة مشروعات كبرى للقطاع الخاص خلال الأشهر الثلاثة الماضية في البنية التحتية، والطاقة، وتحلية ومعالجة المياه، والرعاية الصحية. وسيتم الإعلان عن المزيد من المشروعات خلال الأشهر الأربعة القادمة.
وقال إن «العائدات غير الحكومية نمت بنسبة كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية»؛ مشيراً إلى أن «المملكة تنفق أكثر بكثير لدفع النمو الاقتصادي إلى الأمام، ودعم القطاع الخاص، وخلق المزيد من الوظائف». ولفت الوزير، إلى أن السعودية تحتل المرتبة الخامسة عالمياً من بين 138 دولة في الكفاءة الحكومية، وتركز على كفاءة الإنفاق.
من جانبه، عاد وزير الاقتصاد والتخطيط، إلى الدور الإقليمي الذي تلعبه السعودية، وقال إنها «مثال يحتذى به، وتعمل وفق خطة وتضفي الاستقرار وتزرع الأمل في شباب الشرق الأوسط». وأضاف: «نتساءل في هذا السياق حول كيف نستطيع أن نساعد المنطقة من خلال خططنا وتحولنا». وتابع أنه «خلال 50 اجتماعا عقدناه في دافوس، وجدنا أن المستثمرين الدوليين ينظرون إلى السعودية كمركز إقليمي، وأن (رؤية 2030) تهدف إلى تقديم الأمل في الشرق الأوسط».
بدوره، اعتبر رئيس مجلس إدارة «توتال» أن «ما يحصل في المملكة جريء جدا»، معتبرا أن البرنامج الإصلاحي عزز ثقته بضرورة الاستثمار في المملكة، مشيرا إلى «مشروع بـ5 مليارات دولار للمواد النفطية الكيميائية، ونحن مستعدون للاستثمار في الطاقات الشمسية». وقال: «ما ألاحظه (خلال زياراته إلى السعودية) هو أن هناك دعما كبيرا من قبل المواطنين لخطط الحكومة، وأن الأخيرة تلبي رغبة المواطنين في تحقيق المزيد من الانفتاح». وتطرقت الجلسة كذلك إلى حادثة مقتل جمال خاشقجي، وقال الجدعان إن الحكومة قدمت المسؤولين إلى العدالة. وأوضح: «نشعر بحزن كبير بسبب ما حصل لجمال خاشقجي. والجميع في السعودية يؤكدون أن ما حصل مناهض لديننا وثقافتنا». وتابع أن «الحكومة كانت الأولى التي شرعت في التحقيق، ورفعت القضية إلى المدعي العام للمرة الأولى في تاريخنا (...) نريد محاكمة مقترفي هذه الجريمة. وقد اتخذت الحكومة خطوات لإعادة تنظيم قطاع الاستخبارات، وسنواصل الإصلاحات المالية والقانونية والاجتماعية». داعيا إلى انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه المملكة ومحاكمة المسؤولين، متعهدا بتحقيق العدالة.
بدوره، قال بوياني إنه «يجب عدم ربط كل شيء بهذا الحدث. فهو غير مقبول، لكن يجب أن نتطلع إلى المستقبل بشكل إيجابي». وتابع أن ما هو مهم بالنسبة للعالم هو استقرار المنطقة، «وهذا الاستقرار يمر عبر استقرار المملكة. وكل المبادرات الهادفة لإضفاء هذا الاستقرار مهمة جدا للدول الغربية وللصين المهتمة للغاية بالمنطقة».


مقالات ذات صلة

مشاركة دولية واسعة في «دافوس الرياض»

الاقتصاد 
جانب من انطلاق فعاليات المنتدى العالمي الاقتصادي في الرياض أمس (واس)

مشاركة دولية واسعة في «دافوس الرياض»

انطلقت في العاصمة السعودية الرياض، أمس (الأحد)، أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، برعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، وبمشاركة دولية واسعة.

هلا صغبيني ( الرياض) مساعد الزياني ( الرياض )
الخليج ولي العهد السعودي مستقبلاً أمير الكويت اليوم في الرياض (واس)

محمد بن سلمان يستعرض التطورات وتعزيز العلاقات مع مشعل الأحمد والسوداني

التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع أمير الكويت ورئيس الوزراء العراقي كل على حدة وذلك على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي المنعقد في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشاركون في حلقة نقاش جانبية خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض في 28 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

حزمة مشاريع عراقية جاهزة للتنفيذ تعرض خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض

قال مصدر حكومي مطّلع إن العراق سيقدم خلال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الرياض حزمة من المشاريع الجاهزة للتنفيذ أمام كبريات الشركات المشاركة في المنتدى.

حمزة مصطفى (بغداد)
الاقتصاد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي وعدد من المعنين بالتحضير للمنتدى (صفحة وزارة الاقتصاد والتخطيط على «إكس»)

تحضيرات اجتماع منتدى الاقتصاد العالمي في الرياض بين الإبراهيم وبرينده

ناقش وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغي برينده، التحضيرات الجارية للاجتماع الخاص بالمنتدى الذي سيُعقد في المملكة في…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم يلتقط صورة بجانب شعار منتدى دافوس في 19 يناير الحالي (رويترز)

عندما يتسيّد الجيوبوليتيك!

يحاول منتدى دافوس حل مشكلات العالم، في ظلّ نظام عالمي قديم بدأ يتهاوى. في نظام عالمي يُعاد فيه توزيع موازين القوّة.

المحلل العسكري (لندن)

جهود سعودية للنهوض بالصناعات الدوائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي

مصنع بمدينة الدمام ينتج المستلزمات الطبية المختلفة ومنها الكمامات (واس)
مصنع بمدينة الدمام ينتج المستلزمات الطبية المختلفة ومنها الكمامات (واس)
TT

جهود سعودية للنهوض بالصناعات الدوائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي

مصنع بمدينة الدمام ينتج المستلزمات الطبية المختلفة ومنها الكمامات (واس)
مصنع بمدينة الدمام ينتج المستلزمات الطبية المختلفة ومنها الكمامات (واس)

تقوم السعودية بجهود للنهوض بالصناعات الدوائية والمعدات الطبية، من خلال توطينها، ورفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وصولاً إلى تقليل الاعتماد على الواردات، وتحقيق الأمن الصحي والاكتفاء الذاتي، فقد وصل عدد المنشآت القائمة حالياً بهذه القطاعات إلى 206 مصانع، بإجمالي استثمارات قيمتها 10 مليارات ريال (2.66 مليار دولار).

وكان وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، بحث مؤخراً مع جهات برازيلية توطين صناعة اللقاحات والأدوية؛ كونَ هذا القطاع يُعَدّ من أبرز المجالات الواعدة التي ركّزت على تطويرها «الإستراتيجية الوطنية للصناعة»؛ نظراً لما يشكّله من أهمية كبرى في تحقيق الأمن الدوائي والصحي، وتعزيز الاستقلالية للمملكة في هذا المجال، عبر تأمين احتياجاتها الطبية، وبناء القدرات الصناعية النوعية في هذه المنظومة، وصولاً إلى أن تكون البلاد مركزاً مهماً لهذه الصناعة الواعدة.

وحسب «فيتش سوليوشن»، بلغت قيمة سوق الأدوية في السعودية 11.72 مليار دولار (44 مليار ريال) في 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 15.09 مليار دولار (56.6 مليار ريال) بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 5.2 في المائة.

وخصَّصت المملكة ما قيمته 214 مليار ريال (57 مليار دولار) في موازنة العام 2024 على قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية، في إطار التزامها بتحسين جودة الرعاية الصحية، وتوفير الخدمات الصحية لجميع مواطنيها، وهو ما يتوافق مع الهدف الثالث للتنمية المستدامة الذي يركّز على ضمان حياة صحية، وتعزيز الرفاه للجميع في الأعمار كافة.

وتماشياً مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصناعة و«رؤية 2030»، تم توطين عدد من المنتجات الدوائية والمعدات الطبية في المملكة، منها: أجهزة التنفس الصناعي المستخدمة في غرف العناية الفائقة، وأجهزة وشرائط قياس مستوى السكر في الدم.

مصنع تابع لـ«شركة تبوك الدوائية» بالسعودية (واس)

وفي هذا الإطار، أكّد مختصون لـ«الشرق الأوسط»، أن توطين صناعة الأدوية والأجهزة الطبية بالمملكة، يسهم إيجاباً في خلق فرص عمل نوعية ذات الدخل المرتفع، ويضمن توافر الإمدادات، وتقليل الاعتماد على الواردات، ويجذب المزيد من الاستثمارات، ويحقّق الاكتفاء الذاتي والأمن الصحي للبلاد.

التسويق والمبيعات

وفي حديث إلى «الشرق الأوسط»، أوضح نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية سابقاً، والمؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «كنز الحيوية للاستثمار»، المهندس أسامة الزامل، أن صناعة الدواء لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي؛ إذ تحجز المرتبة الثانية دولياً من حيث المبيعات.

وقال إن السعودية تُعدّ أكبر سوق للمستحضرات الدوائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث بلغت القيمة السوقية لهذا القطاع 28 مليار ريال (7.46 مليار دولار) في عام 2020، ومن المتوقع وصوله إلى حوالي 44.1 مليار ريال (11.76 مليار دولار) بحلول 2030، مبيّناً أن مجال الأدوية والأجهزة الطبية يُعدّ خصباً للنمو محلياً.

كذلك، أوضح الزامل أن السعودية تتصدر سوق الأجهزة الطبية في المنطقة، ممثلة بذلك 17 في المائة، حين بلغت القيمة السوقية 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار) في عام 2020، ويتوقع وصوله إلى نحو 34 مليار ريال (9 مليار دولار) بحلول 2030.

وتوقّع أن يكون لتوطين صناعة الأدوية والأجهزة الطبية في السعودية أثر اقتصادي إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي، من خلال عدة طرق؛ أبرزها: خلق فُرص وظيفية نوعية ذات دخل مرتفع، سواءً في مجال التصنيع، أو البحث والتطوير، أو التسويق والمبيعات، حيث تؤدي زيادة التوظيف إلى ارتفاع دخل الأفراد، وبالتالي تعزيز الاستهلاك المحلي، ما يُسهم في دفع عجلة الاقتصاد.

خطوط الإمداد

ولفت الزامل إلى احتمالية تأثير الأزمات الدولية على خطوط الإمداد، وبالتالي التوطين لهذا القطاع يضمن توافر الإمدادات بشكل عام، ويسهم في جذب الاستثمارات وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمملكة، كما يسهم في حماية الاقتصاد المحلي من تقلبات الأسعار العالمية وتغيرات السياسات التجارية التي قد تؤثر على استيراد الأدوية والمعدات الطبية.

وأكمل أن توطين هذه القطاعات سيؤدي إلى زيادة حجم الإنتاج الصناعي بالسعودية، وتقليل الاعتماد على الواردات، الأمر الذي يعزّز الإنتاج الوطني، ويسهم بشكل مباشر في رفع نسبة مساهمة المنظومة في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال تصنيع الأدوية والأجهزة الطبية.

وتابع نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية السابق، أن توطين الصناعات الدوائية والطبية يحمل أهمية استراتيجية كبيرة، بوصفه جزءاً من «رؤية 2030»، لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، ما يساعد في خلق اقتصاد أكثر توازناً واستدامةً، بأن تصبح الصناعات التحويلية (مثل الأدوية) جزءاً أساسياً في الناتج المحلي الإجمالي.

وبيّن الزامل أن توطين هذه الصناعات يسهم في جذب استثمارات أجنبية ومحلية جديدة، تسهم في زيادة الإنتاجية والإيرادات، إضافةً إلى تحسين الميزان التجاري بتقليل الاعتماد على الواردات، وزيادة الصادرات المحتملة من الأدوية والأجهزة الطبية المصنعة محلياً.

البحث والتطوير

ومع توسّع هذه الصناعات، يعتقد الزامل أنه سيكون هناك استثمار أكبر في البحث والتطوير، ما يؤدي إلى ابتكارات جديدة تسهم في تحسين كفاءة وإنتاجية الاقتصاد الوطني، حيث إن ذلك سيكون محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي على المدى الطويل.

علاوةً على ذلك، أبان الزامل أن توطين قطاع صناعة الأدوية والأجهزة الطبية يلعب دوراً محورياً في تعزيز الأمن الصحي الوطني، من خلال بناء نظام صحي أكثر مرونةً واستدامةً في مواجهة التحديات المستقبلية.

وأفاد بأن توطين هذه القطاعات يضمن توافر الإمدادات الحيوية والمنتجات الطبية التي تتماشى مع احتياجات المجتمع المحلي ومعايير الجودة العالمية، ما يقلّل من مخاطر نقص الإمدادات خلال الأزمات العالمية، مثل الأوبئة والكوارث الطبيعية، فوجود المصانع يُبرز قدرة المملكة على إنتاج ما تحتاجه داخلياً، دون الاعتماد الكامل على الواردات.

وأكّد إمكانية أن تصبح المملكة وجهة للسياحة الطبية، خصوصاً في الشرق الأوسط وأفريقيا، من خلال توطين العلاجات الباهظة المرتبطة بالأمراض المعقّدة (مثل السرطان)، الذي سيقلّل من تكاليف علاج المرضى في الخارج، إضافةً إلى الجراحات التجميلية.

إلى ذلك، يعمل توطين هذه الصناعات على تعزيز الأمن الصحي، من خلال ضمان توفر المنتجات الحيوية محلياً، ويشجع تطوير التكنولوجيا والابتكار في هذا المجال، ما يمكّن البلاد من أن تكون مصدراً إقليمياً للأدوية والأجهزة الطبية، حسب نائب الوزير سابقاً.

إحدى المعدات الطبية التي تستخدم في جراحة التجميل (تصوير: تركي العقيلي)

التنمية المستدامة

من ناحيته، ذكر عضو جمعية اقتصاديات الطاقة، وعضو جمعية الاقتصاد السعودية، المستشار الدكتور عبد الله الجسار لـ«الشرق الأوسط»، أن توطين صناعة الأدوية والأجهزة الطبية خطوة محورية نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن الصحي، حيث بدأت منذ إنشاء أول مصنع في منتصف الثمانينات الميلادية، واستمر القطاع في التطور حتى أصبح أحد المستهدفات الأساسية لـ«رؤية 2030».

ورأى أن أهمية توطين هذا القطاع تتجلّى في عدة جوانب، منها: تقليل الاعتماد على الواردات، وتنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال خلق فرص عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة لتخصصات نوعية ومحددة، ما يسهم في خفض معدلات البطالة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

وحسب الجسار، فإن توطين صناعة الأدوية والأجهزة الطبية له أهمية في جذب الاستثمارات، خصوصاً في مجالات البحث والتطوير، ما يعزّز الابتكار، ويرفع من القدرة التنافسية.

إضافةً إلى ذلك، يرى الجسار أهمية هذا التوطين في تلبية الطلب المحلي المتزايد؛ لضمان احتياجات السوق المحلية بسرعة وكفاءة عالية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خصوصاً خلال الأزمات الصحية (مثل الأوبئة)، حيث إنه من خلال توفير الأدوية والمعدات الطبية داخلياً يمكن للمملكة تحسين جودة الرعاية الصحية، وتقليل تكاليف العلاج، ما يعود بالنفع على النظام الصحي كله.

الميزان التجاري

وقد يؤثر ذلك إيجابياً على الاقتصاد الوطني، من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع ارتفاع معدل النمو إلى 12 في المائة سنوياً في الأعوام المقبلة، بدلاً من 5 في المائة الأعوام السابقة، وهذا ينعكس على تحسين الميزان التجاري، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وفق الجسار.

يُشار إلى أن السعودية شكَّلت لجنة صناعة اللقاحات والأدوية الحيوية، برئاسة وزير الصناعة والثروة المعدنية، في مارس (آذار) 2022، التي تهدف إلى صناعة اللقاحات والأدوية الحيوية وتطويرها، وتحديد أفضل التقنيات في هذا المجال، إضافةً إلى تحقيق الأمن الدوائي والصحي للمملكة، وبناء منصات صناعية محلية بمواصفات عالمية.