يتسبب التباطؤ الاقتصادي الحالي في الصين في خلق ضغوط معيشية على العاملين في المدن ورواد الأعمال، في الوقت الذي كانت تطمح فيه البلاد إلى الانتقال من اقتصاد صناعي قائم على العمالة منخفضة الأجر إلى سوق استهلاكية مزدهرة.
وتنقل وكالة «أسوشييتد برس» تجربة أحد العاملين في المجال المالي، يو منجانج، الذي يعيش في مدينة هانجزهو الشرقية وفقد وظيفته في ديسمبر (كانون الأول)، حيث دفعته تلك الظروف لتقليص إنفاقه الاستهلاكي وتأجيل شراء جهاز كومبيوتر، وأصبح يسدد إيجار مسكنه من مدخراته الشخصية.
ويقول يو منجانج إنه كان يتقاضى عن وظيفته راتباً سنوياً بـ100 ألف يوان (14000 دولار) وفقدها مع تراجع الطلب على خدمات المحاسبة، معلقاً: «هذا يحدث بسبب الوضع الاقتصادي السيئ».
وتقول الوكالة إن الأرقام الكلية للاقتصاد لا تزال تعكس صورة اقتصاد صحي، فهناك توقعات بأن يتجاوز النمو الاقتصادي في 2019 نسبة 6 في المائة، وهو ما يقل بشكل بسيط عن معدل النمو في السنة السابقة الذي سجل 6.5 في المائة. ولكن النمو يأتي مدفوعاً بالإنفاق الحكومي الذي يغطي على التراجع الاقتصادي في بعض المناطق.
وتزيد حرب التعريفات الجمركية مع واشنطن بشأن طموحات بكين التكنولوجية من المخاوف بشأن فقد الوظائف وتراجع مبيعات السيارات والعقارات والسلع الاستهلاكية.
وتقول هي سيينج، التي تعمل لدى شركة استشارات استثمارية في بكين: «أنا قلقة بشأن أماني الوظيفي، وخفضت إنفاقي على كل شيء، بما يشمل الملابس والإجازات وغيرت هواتفي الذكية». وقد شعرت «هي» بالتوتر عندما شاهدَتْ أصدقاء لها يتم تسريحهم، أحدهم وجد فرصة عمل جديدة ولكن صاحب العمل أراد منها أن تعمل ستة أيام في الأسبوع.
وتقول «هي» التي لديها طفل عمره سنة: «أنا حقاً لا أجرؤ على الإنفاق كثيراً»، هذا القلق يؤثر على شركاء الصين التجاريين والشركات الدولية التي تراهن بقوة على قوة الاستهلاك الصيني.
وقد شهدت مشتريات السيارات انخفاضاً خلال 2018 لأول مرة في ثلاث سنوات. وأظهرت بيانات اليابان وكوريا الجنوبية تراجع صادرات مكونات الهواتف الذكية وغيرها من المنتجات الإلكترونية المبيعة في الصين.
النمو الصيني في الوقت الحالي يُعدّ منخفضاً قياساً بمستوياته التاريخية، حيث وصل إلى 14 في المائة خلال 2007، وقامت السلطات في الصين بضبط سياسات الإقراض في أواخر 2017 للحد من تفاقم الديون، ولكن التراجع الاقتصادي الحالي كان أسوأ من التوقعات.
ويقول سمر لي، مدير الإنتاج في شركة إلكترونيات: «هناك كثيرون تم تسريحهم. الناس تعيش أوقاتاً عصيبة للعثور على وظيفة جديدة، ويشعرون بالهلع».
وكانت السلطات الصينية تعهّدت في 2013 بدعم رواد الأعمال الذين يُسهِمون في خلق وظائف جديدة وزيادة الثروات في البلاد. ولكن المدافعين عن الإصلاح يشكون من أن الرئيس الصيني شي جينبينغ لم يقدم هذا الدعم، وبدلاً من ذلك، ركّز على توسيع قدرات الشركات المملوكة للدولة التي تهيمن على أنشطة النفط والقطاع المصرفي وصناعات أخرى.
واستجابة لتعمق التباطؤ الاقتصادي، تعهّد الرئيس الصيني وقادة آخرون، بمساعدة القطاع الخاص من خلال خفض الضرائب وتيسير الإجراءات التنظيمية.
وكان لي كيبيانج، المسؤول الاقتصادي الأعلى، التقى بالمصرفيين في ديسمبر، وأبلغهم بتوجيه 30 في المائة من القروض الجديدة لأنشطة القطاع الخاص، وفقاً لما نقلته وسائل الإعلام التابعة للدولة. وأعلن البنك المركزي في الشهر ذاته عن تمويل بقيمة 100 مليار يوان (14 مليار دولار) يوجّه إلى الشركات الصغيرة.
وقال راجيف بيساس، كبير اقتصاديي «آسيا باسيفك» في «آي إتش إس ماركيت» إن «ثقة المستهلكين أضعف وعدم اليقين تزايد. الحرب التجارية الأميركية الصينية تغذي ذلك... هذا يمثل خطراً واضحاً على رؤية النمو في 2019».
ويتزامن التباطؤ الاقتصادي مع ضغوط تواجه الوظائف والقطاع الصناعي، فالحزب الحاكم أزال كثيراً من الوظائف في قطاعي الصلب والفحم، في ظل حملة لتخفيض صناعات الدولة في هذين المجالين.
ومنذ 2017، أجبرت بكين وشنغهاي ومدن كبرى أخرى العمالة المهاجرة التي ليس لديها ترخيص إقامة على الرحيل. وقالت السلطات المحلية إنهم يريدون تقليل الزحام، ولكن المطاعم وأسواق التجزئة وكثيراً من الشركات تعتمد على المهاجرين في أنشطتها كعمال وكمستهلكين أيضاً.
وقال مدير المبيعات في جهة مسوقة ببكين لواحدة من أكبر الشركات المصنعة للسيارات في الصين إن المشتريات انخفضت بالنصف، ملقياً اللوم على ترحيل المهاجرين بالمدينة، الذين يشترون الموديلات منخفضة السعر التي تبدأ من 50 ألف يوان (7000 دولار).
وقال مدير المبيعات الذي طلب عدم ذكر اسمه أو اسم الجهة التي يعمل بها: «كثير من المستهلكين عادوا لموطنهم، لأنه لم يكن هناك عمل لهم... مبيعات السيارات مرتفعة المستوى تراجعت أيضاً، لأن المشترين يمتلكون أنشطة أعمال تخدم العمالة المهاجرة».
دخول المستهلكين ارتفعت بمعدل صحّي خلال أول ثلاثة فصول في 2018 بـ5.7 في المائة، ولكن هذا المعدل يقل عن وتيرة النمو في 2017 التي بلغت 6.6 في المائة. ونمو مبيعات التجزئة انخفض إلى مستويات أقل من المتوقع خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، مسجلاً 8.6 في المائة مقارنة بالشهر ذاته من العام السابق، وهو أضعف مستوى للنمو في خمسة أشهر.
ويعاني قطاع الإنشاءات، الذي أسهم في دفع النمو الصيني خلال العقد الماضي، ويقول إن ستيفنسون يانج في «جيه كابيتال ريسرش» إن بعض المطورين في شمال غربي الصين ممن يعانون من نقص السيولة سدّدوا مستحقات المقاولين من خلال منحهم وحدات سكنية.
ويتوقع الاقتصاديون أن تتجاوز الصين مسار هبوط النمو هذا العام مع سعي الحكومة لتنشيط الاقتصاد، ولكن بعض المستهلكين ما زالوا يشعرون بالقلق.
8:17 دقيقة
أجواء التباطؤ الاقتصادي تنعكس على حياة المستهلكين الصينيين
https://aawsat.com/home/article/1552976/%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B7%D8%A4-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%AA%D9%86%D8%B9%D9%83%D8%B3-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%87%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
أجواء التباطؤ الاقتصادي تنعكس على حياة المستهلكين الصينيين
أجواء التباطؤ الاقتصادي تنعكس على حياة المستهلكين الصينيين
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة