ألكسندر لوكاشينكو... «ديكتاتور» لا يملك صواريخ نووية

التجربة الأوكرانية نبّهت زعيم بيلاروسيا إلى ضرورة التحسّب لسياسات موسكو

ألكسندر لوكاشينكو... «ديكتاتور» لا يملك صواريخ نووية
TT

ألكسندر لوكاشينكو... «ديكتاتور» لا يملك صواريخ نووية

ألكسندر لوكاشينكو... «ديكتاتور» لا يملك صواريخ نووية

منذ أن وصل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، إلى سدة الحكم في بيلاروسيا (روسيا البيضاء) عام 1994، وهو يسير عكس التيار. حمل رايات الشيوعية وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في الفضاء السوفياتي، ورفض برامج الخصخصة والانتقال إلى الملكية الفردية، حين كان «اقتصاد السوق» يغزو التركة المتعبة من عقود تحكم الدولة في كل شؤون البلاد. حارب معارضيه بقوة وزجّ بهم في السجون، متجاهلاً رياح التغيير والديمقراطية التي عصفت بالمنطقة من حوله. ومن ثم، حافظ على القبضة القوية لجهاز الـ«كي جي بي» الرهيب - رافضاً حتى تغيير اسمه - بينما كان جيرانه يتفننون في إظهار عزمهم على التخلّص من كل ما يربط بلادهم بالماضي السوفياتي القريب.

بدا المزارع العنيد الذي صعد سلم السياسة العليا في زمن التقلّبات الكبرى في بلاده كأنه قادم من عالم آخر... أو من زمن آخر.
ركب ألكسندر لوكاشينكو موجة محاربة الفساد والجريمة المنظمة و«المافيات» التي كادت تنهش جسد بيلاروسيا، ليسيطر على مقاليد الحكم، ويحولها في ربع قرن إلى ما يشبه جمهورية سوفياتية مصغرة تكاد تكون مكتفية ذاتياً، لكنها معزولة.

آخر الديكتاتوريات في أوروبا
ظل الشاب ذو الخلفية العسكرية الصارمة التي اكتسبها بحكم خدمته في حرس الحدود لمدة تجاوزت سبع سنوات، مرتبطاً بقوةٍ بالتعاونيات الزراعية التي نشرتها التجربة السوفياتية في كل أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق، لكن كانت لها أهمية خاصة في بيلاروسيا، الجمهورية السوفياتية السابقة والبلد الزراعي المهم، الذي ما زال يفاخر بإنتاجه في هذا المجال، رغم تقلبات السنوات والأحوال.
وخطا لوكاشينكو إلى عالم السياسة من موظف في مزرعة تعاونية سوفياتية تقليدية إلى مدير مصنع لمواد بناء مزارع الدولة، قبل اختياره نائباً في المجلس الأعلى لجمهورية بيلاروسيا (البرلمان) حيث خاض حروباً شرسة ضد التيارات الليبرالية الإصلاحية التي اتهمها بالسعي إلى نهب ثروات البلاد، وتمزيقها، في فترة تفكك الاتحاد السوفياتي.
وكشف لوكاشينكو مبكراً عن آرائه وطموحاته، رغم أنها كانت في ذلك الوقت مثيرة للجدل والصراعات. إذ إنه لم يتردد في نشر مقالة لافتة في عام 1991 حملت عنوان «الديكتاتورية... الخيار البيلاروسي»، وتحوّلت إلى «مانيفستو» أو «خريطة طريق» سار لتنفيذها على مدى سنوات لاحقة. فكان النائب الوحيد في البرلمان البيلاروسي الذي صوّت ضد اتفاقية «ديسمبر 1991»، التي شكّلت الأساس القانوني لحل الاتحاد السوفياتي وتأسيس «كومنولث (رابطة) الدول المستقلة» على أنقاضه. ومنذ أن ساهم بتأسيس كتلة نيابية حملت اسم «شيوعيون من أجل الديمقراطية»، بدا واضحاً أنه اختار الطريق الأصعب، لكنه ظل منسجماً مع أفكاره التي انعكست لاحقاً على كل سياساته طوال فترة تربّعه على سدة الحكم لخمس ولايات رئاسية متتالية.

لا تهاون...
على مدى ربع قرن حكم البلاد خلالها بقبضة قوية لا تتهاون، ظل لوكاشينكو - الذي بات يحمل في بلاده تسمية «الأب» - محور سجالات لا تنتهي. إذ يدافع أنصاره عن أسلوبه في الحكم، بالإشارة إلى أنه «أنقذ البلاد من الآثار السيئة للتحول نحو الرأسمالية» عبر رفضه إجراءات الخصخصة العشوائية، ومواجهته الفساد والجريمة المنظمة، ومحاربته محاولات «حيتان المال» السيطرة على القطاعات الرئيسية في البلاد، وفقاً للنموذج الذي سارت عليه وأوقعها في حال من التخبّط والفوضى في تسعينات القرن الماضي.
في المقابل، يدّعي خصومه الكثيرون أن ثَمن تلك «الإنجازات» كان باهظاً. وأنه قمع الحريات، وأغلق الصحف، ومنع تطوّر الحياة الحزبية والسياسية في البلاد. كذلك فإنه نكل بمعارضيه بقسوة، ولم يتردد في إطلاق أبشع الصفات ضدهم... حتى أنه تجاهل الانتقادات الدولية الكثيرة عندما واجه بحزم احتجاجات واسعة وسجن مئات المعارضين في عام 2010، بعد مرور وقت قصير على إعادة انتخابه في الولاية الرابعة آنذاك، بأصوات نحو 80 في المائة من الناخبين. وهي انتخابات شكّكت المعارضة - بقوة - في صحة نتائجها، ما أثار غضبه ودفعه إلى اعتقال 7 من أصل 9 مرشحين خاضوا المنافسة ضده.
في أي حال، لم ير الرجل، الذي يصفه الغرب بأنه «آخر ديكتاتور في أوروبا» مشكلة في حالة العزلة التي فُرضت على بلاده. وللعلم، فهو مدرج على لوائح عقوبات كثيرة تمنعه من زيارة أوروبا أو الولايات المتحدة، أو بناء علاقات طبيعية حتى مع جيرانه الأقرب لجهة الغرب، وهي جمهوريات حوض البلطيق وبولندا. ثم إن بيلاروسيا حُرمت من الانضمام إلى مجلس أوروبا لسنوات طويلة، قبل أن يبدأ الغرب بتخفيف لهجته قليلاً، عبر فتح بعض الشراكات مع لوكاشينكو في إطار برامج «الشراكة الشرقية» التي بقيت لسنوات تراوح في مكانها.
المثير أن لوكاشينكو يرفض اتهامات الغرب له، ويبرّر سطوته الثقيلة في بلاده بغياب المنافسين الجديين، ولقد فاخر ذات يوم بأن معارضيه «بضع أشخاص لا يملكون أي وزن في الشارع، وهم في الانتخابات عاجزون عن جمع أكثر من واحد في المائة من الأصوات». لكنه في الوقت ذاته وجه رسالة واضحة إلى الغرب بضرورة التراجع عن معاييره في إطلاق أوصاف الديكتاتورية عليه، إذ قال إنه «لكي يكون ديكتاتوراً يحتاج إلى موارد»، مضيفاً: «أنا لا أنام محتضناً الرؤوس النووية مثل ستالين، ولا أعوم على بحر من موارد النفط مثل هوغو تشافيز في فنزويلا... وليست لدينا كميات من الغاز الطبيعي كتلك التي تمتلكها روسيا الاتحادية».
ومع الاتهامات الغربية الكثيرة للرئيس البيلاروسي بالديكتاتورية، وحرمان البلاد من السير على خطى التطور المماثل للبلدان السوفياتية السابقة التي اختارت طريق الانفتاح والديمقراطية، أثار لوكاشينكو غضب الغرب في مواقف عدة؛ تتعلق بنظرته إلى الملفات السياسية الدولية، أو إلى القيَم والمعايير التي تحاول أوروبا الترويج لها. فهو على مدى سنوات أعلن دعمه لإيران في «حقها بتطوير البرنامج النووي الإيراني». وحقاً، تُعدّ إيران بين الحلفاء الأساسيين لبيلاروسيا، رغم ضعف ميزان التبادل التجاري بين البلدين.

مواقفه غير السياسية
بعيداً من مجالات السياسة، لم يتردد لوكاشينكو بإعلان كراهيته لـ«المثليين»، ورأى أنه لا يمكن السماح بأن يتحوّل النقاش حول هذا الموضوع إلى نقاش حول الحرّيات. وانتُقد لأنه نصح يوماً وزير الخارجية الألماني، المثلي جنسياً، بأن يحيا «حياة طبيعية»، وعندما وُجه بالانتقادات قال لصحافيين: «نحن نعيش في مجتمع ديمقراطي، ولدي الحق في إعطاء رأيي».
من ناحية أخرى، مع أن «الأب» لوكاشينكو برز مدافعاً شرساً ضد الفساد والمحسوبيات في سنوات حكمه الأولى، فاللافت أنه فتح المجال لأفراد من عائلته للعب أدوار مهمة في البلاد. ذلك أن ابنه الأكبر فيكتور عضو في مجلس الأمن القومي في بيلاروسيا، ويحتل ابنه الأصغر ديمتري منصب رئيس النادي الرئاسي الرياضي وأعد مشاركة الرياضيين البيلاروس في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2008 في بكين. أما ابنه الأصغر كوليا فهو مرشح الرئيس لـ«خلافته»؛ إذ لم يتردد ضمن أحاديث علنية أمام تجمعات في الإشارة إلى أنه (كوليا) «سيغدو رئيساً». وكان لافتاً أن الفتى، الذي يبلغ حالياً من العمر 14 سنة، رافق والده في مناسبات رسمية؛ بينها زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأخرى للبابا بنديكتوس السادس عشر، كما كان رفيقه في الإشراف ذات مرة على مناورات عسكرية.

روسيا حليف... ولكن
في سياق آخر، مقابل العلاقة المتوترة مع الغرب على مدى سنوات طويلة، حافظ لوكاشينكو على صلات وثيقة مع «الشقيق الأكبر» روسيا، ووقع عام 1996 اتفاقاً لتأسيس اتحاد بين البلدين. لكن الاتفاق ظل حبيس الأدراج، لمدة 3 سنوات، بسبب الرفض القاطع من جانب الرئيس البيلاروسي مطالب موسكو بفتح القطاعات الاقتصادية الأساسية في بلاده أمام عمليات خصخصة تسمح بدخول الشركات الكبرى الروسية إليها.
وفي أكثر من موقع، عقد لوكاشينكو مقارنات مع «النتائج الكارثية» لـ«الخصخصة العشوائية» التي جربتها روسيا في بداية تسعينات القرن الماضي. وتعهد بأنه «لن يسمح أبداً للصوص أن ينهبوا ثروات بلاده»، في إشارة إلى حيتان المال الذين راكموا ثروات خرافية في روسيا، ووضعوا أعينهم على البلد الجار لاحقاً.
وحقاً، شكلت هذه العقدة واحدة من المشكلات التي أصابت الاتحاد بين روسيا وبيلاروسا بحال من الجمود. لكن في الوقت ذاته، حافظ البلدان على نوع من «العلاقات الخاصة» التي دفعت إليها الحاجة الاستراتيجية لكل طرف. إذ تعد روسيا البوابة الأهم على العالم لبيلاروسيا المعزولة والمحاطة بقيود كثيرة، كما أن بيلاروسيا تعد بالنسبة إلى موسكو «الجدار الحاجز» الذي يفصلها عن أوروبا في ظروف تدهور العلاقات وتعزيز سياسات العسكرة وحشد الطاقات على طرفي الحدود. وبهذا المعنى، فإن القيادة الحالية في مينسك (عاصمة بيلاروسيا) باتت تلعب دوراً أساسياً في هذه المواجهة، ولذلك لم يكن غريباً أن تعلن موسكو أخيراً عن زجّ قوات إضافية وطرازات من الأسلحة الحديثة في البلد الجار، وفقاً لاتفاقات التعاون العسكري القائمة بين الحليفين.
وظلت العلاقة الملتبسة بين الطرفين تظهر في محطات عدة، وتراوح بين أحاديث عن تعزيز اتحاد «دولة سلافية» تجمع البلدين، وهو أمر عارضته بقوة مينسك، ما دفع الكرملين في نهاية العام الماضي إلى نفي تهمة محاولات الهيمنة على البلد الجار عن نفسه. ولم تلبث أن تجلت تلك العلاقة المتناقضة عند منعطفات مهمة، إذ لم يحصل الكرملين على دعم الحليف الأقرب في ملف ضم القرم إلى روسيا عام 2014، بل على العكس من ذلك، بدا أن تصرفات روسيا في الفضاء السوفياتي السابق أثارت مخاوف إضافية لدى لوكاشينكو، الذي رأى فيها تقويضاً لفكرة التكامل بين الجمهوريات السوفياتية السابقة وبروزاً لروح الهيمنة ومحاولة التوسع على حساب الشركاء. ثم، منذ وقعت الحرب الروسية - الجورجية عام 2008 ما أسفر عن انفصال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا بدعم روسي، كان تحفّظ مينسك واضحاً على تحركات الكرملين، لكنه اتخذ صفة أوضح بعد ضم شبه جزيرة القرم واندلاع الحرب في الشرق الأوكراني. إذ عارض لوكاشينكو علانية، التطور، وتحدث عن «رأي خاص» لبلاده يقوم على ضرورة «احترام وحدة أراضي أوكرانيا وضرورة ألا يقوم أي طرف بتقسيم هذا البلد العظيم». بل ورأى أن «ضم القرم سابقة سيئة لبلداننا». وأكثر من ذلك، اتهمت أوساط روسية، مينسك، بأنها لعبت أدواراً مهمة في تسهيل دخول البضائع الأوكرانية والغربية إلى الأسواق الروسية بشهادات منشأ بيلاروسية... لتجاوز حواجز العقوبات والتدابير المفروضة بين الجانبين.

«الحليف الصعب» يهدّد
لقد شكلت الأزمة الأوكرانية واحداً من الأسباب الأساسية لتوسيع التوتر في العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا، قبل أن تتداخل عناصر أخرى مختلفة؛ بينها أسباب اقتصادية في شكل تجلى في تعميق أزمة سعى الطرفان لمحاصرتها في نهاية العام، قبل أن تتسع أكثر. لكن يبدو أن هذه الجهود وصلت أخيراً إلى طريق مسدودة، إذ رفع لوكاشينكو بقبضته أخيراً في وجه الكرملين، ملوحاً بأن «موسكو قد تخسر حليفها الوحيد على الجبهة الغربية... إذا ما واصلت السير على طريق الإضرار بمصالحنا».
هذه اللهجة التحذيرية الغاضبة برزت بعدما أعلنت موسكو عن إجراءات ضريبية ستؤدي في حال تنفيذها إلى زيادة أسعار النفط الروسي إلى بيلاروسيا، بنسبة غير مسبوقة، وهو ما سيحرم البلد الجار من الوضع التفضيلي الذي نصت عليه اتفاقات الشراكة بين البلدين. وترى مينسك أن موسكو تحاول أن تعوّض خسائرها بسبب العقوبات الغربية، وأن توفر عائدات مالية لمواجهة مشكلاتها من جيوب أطراف أخرى، بينها بيلاروسيا. وهذا ما دفع لوكاشينكو إلى قرع جرس التحذير للروس، فقال: «إذا لم ننجح في الاتفاق على تعويضات الخسائر التي يمكن أن تتكبّدها بلادنا بسبب المناورات الضريبية الروسية الجديدة، فهذا سوف يكون خيار القيادة الروسية. لن نجبرهم على شيء... لكننا سنبحث عن خيارات لمواجهة الوضع الجديد، وهكذا قد تخسر موسكو بهذه الطريقة حليفها الأساسي غرباً».
استخدم لوكاشينكو أسلوبه نفسه في إدارة الأزمات التي تواجهها بلاده عادة. فهو من جانب كلف الحكومة بالبحث عن خيارات لتعويض الخسائر التي تقدر بنحو 10 مليارات دولار أميركي على مدى السنوات الست المقبلة، من بينها تسريع تشغيل مصانع تكرير النفط الخام التي يقترب اكتمال بنائها. ولوّح بضرورة البحث عن مصادر أخرى لشراء النفط الخام وتكريره محلياً، ثم بيعه لبلدان حوض البلطيق المجاورة بـ«تكلفة النفط الروسي». وتلك كانت إشارة قوية إلى عزمه مواجهة التحركات الروسية أخيراً، التي قال عنها «الأفضل ألا تفكّروا بالبحث عن حلول لمشكلاتكم الداخلية من خلال إلقاء الثقل على كاهل المواطن البيلاروسي، فهذا أمر لن نسمح به أبداً».
قد تكون هذه المقدمات الأولى لتحوّل مهم في الشراكة الروسية مع أقرب الحلفاء في الفضاء السوفياتي السابق. ويكفي أن لوكاشينكو، الذي يبدو حالياً أنه يخوض معركته الكبرى على الجانبين شرقاً وغرباً، كان فضّل خلال لقاء لمعالجة هذه الأزمة جمعه في نهاية العام الماضي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين تحاشي وصف روسيا بأنها «بلد شقيق»، كما جرت العادة. بل اكتفى بالإشارة إلى الأهمية التي توليها بلاده لتجاوز هذه الأزمة بشكل لا يسبب أضراراً مالية على بلاده.
في المقابل، أفردت وسائل إعلام روسية مساحات واسعة خلال الفترة الأخيرة للحديث عن «صعوبة إدارة العلاقات» مع «الحليف الصعب»، الذي وُصف بأنه يحاول أن «يعضّ يد روسيا التي ساعدته دائماً في مواجهة العزلة المفروضة على بلاده». وقال وزير المال الروسي أنطون سيلوانوف، رداً على تعليقات لوكاشينكو الحادة، إن «الإجراءات الضريبية التي نقوم بها شأن داخلي، ونحن لم نَعِد بيلاروسيا بأي شيء». وتبدو العبارة لافتة لأنها تعد بتوسيع التوتر مع البلد الجار.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.