«البولشوي» يطل بمعرض يروي تفاصيل 100 عام من الفن الراقي

غنَّى علىخشبته فنانو الأوبرا وكان حيزاً لإبداع باليه «بحيرة البجع»

المتحف الخاص بالبولشوي يضم مجموعة تروي سيرة عظماء الفن الذين أبدعوا على خشبة المسرح
المتحف الخاص بالبولشوي يضم مجموعة تروي سيرة عظماء الفن الذين أبدعوا على خشبة المسرح
TT

«البولشوي» يطل بمعرض يروي تفاصيل 100 عام من الفن الراقي

المتحف الخاص بالبولشوي يضم مجموعة تروي سيرة عظماء الفن الذين أبدعوا على خشبة المسرح
المتحف الخاص بالبولشوي يضم مجموعة تروي سيرة عظماء الفن الذين أبدعوا على خشبة المسرح

يطل مسرح البولشوي الشهير في موسكو على عشاقه هذه الأيام بعرض مميز، يرقى إلى مستوى «عرض تاريخي» لم يسبق أن قدم هذا المسرح العريق في القدم نظيراً له. وجرت العادة أن يدهش «البولشوي» زواره بأناقة تصميمه الداخلي، والرتابة الضرورية في التعامل معه خلال التجوال في أروقته وصالاته، التي تحمل ذكرى كبار المبدعين في عالم الموسيقى الكلاسيكية ورقص الباليه وعروض الأوبرا والكثير غيره.
ويدفع المسرحُ الزائرَ إلى مرحلة يعجز فيها عن التعبير عما يجول في داخله، عندما يجد نفسه على مقعد في صالة المسرح، وجهاً لوجه أمام نخبة من الموسيقيين وراقصي الباليه من الأسماء العالمية، يقدمون عرضاً ما، مأخوذة حكايته من أعمال كبار الكتاب العالميين. كل هذا بعض مما جرت العادة أن يقدمه «البولشوي» لزواره.
إلا أن «البولشوي» الذي يرقى كل شيء فيه إلى مستوى «عالمي» يطل هذه الأيام على عشاقه في عرض غير مألوف، إذ قرر أن يكشف لهم عن أسراره، في معرض أطلق عليه اسم «المسرح والمتحف معاً منذ 100 عام». وتأتي الفعالية في إطار الاحتفال بمناسبة 100 عام على تأسيس المتحف الخاص بـ«البولشوي»، الذي يضم مجموعة تحف فنية فريدة نادرة، يروي كل منها سيرة عظماء الفن الذين أبدعوا على خشبة المسرح، على مدار عقود طويلة من الزمن، فضلاً عن الكثير من الأزياء المسرحية وبعض أجزاء ديكورات العروض الفنية، ومعها مقتنيات شخصية تعود لكبار الفنانين الذين عرفهم «البولشوي».
في معرض «المتحف والمسرح معاً منذ 100 عام»، الأول من نوعه الذي ينظمه مسرح البولشوي، وتستضيفه صالة «مانيغ» الجديدة للمعارض، بالقرب من الكرملين، يستقبل الزوار بورتريه مغني الأوبرا الروسي العالمي فيودور شاليابين (1873 - 1938) وهو في الزي الذي أدى به أوبرا «ديمون» أو «الشيطان» للشاعر الروسي العظيم ميخائيل ليرمنتوف.
وكان شاليابين قد قدم تلك الأوبرا أول مرة في 16 يناير (كانون الثاني) عام 1904، وهو من أشهر فناني الأوبرا الروس عالمياً في القرن العشرين، شارك بعروض الأوبرا في مسارح روسيا وباريس وبرلين ولندن ونيويورك، كما عمل في مسرح مارينسكي في بطرسبورغ، ومسرح البولشوي في موسكو.
وسط المجموعة الكبرى من مقتنيات الفنانين الذين عملوا في «البولشوي»، تثير الاهتمام المروحة الورقية التي كانت تستخدمها راقصة الباليه آننا بافلوفا (1882 - 1931)، وهي من أكثر راقصات الباليه شهرة، يصنّفها النقاد حتى الآن بأنها «واحدة من أرقى وأكثر راقصات الباليه إبداعاً في التاريخ»، تقدم أداءً يفوق الخيال في كل أعمالها، إلا أنها اشتهرت بشكل كبير بالرقص المنفرد في دور «البجعة التي تحتضر» من أوبرا «بحيرة البجع» رائعة الموسيقي الرومانسي الروسي بيوتر تشايكوفسكي.
وبالقرب من مروحة بافلوفا، يمكن الغوص في عالم الخيال مع عصا سحرية فنياً، هي «عصا المايسترو» (قائد الأوركسترا) بيوتر تشايكوفسكي ذاته، والتي كان يستخدمها خلال إدارته الفرقة الموسيقية في عروض مسرح البولشوي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومن الحقبة الزمنية المجاورة يقدم معرض البولشوي، للمشاهدة وليس للقراءة، «دفتر يوميات» فاتسلاف نغينساكي (1889 - 1950)، راقص الباليه الروسي من أصل بولندي، ويصنَّف كأفضل راقص باليه في مطلع القرن العشرين.
إلى جانب تلك المقتنيات الشخصية لكبار الفنانين العالميين في الأوبرا والباليه والموسيقى الكلاسيكية، يقدم مسرح البولشوي في معرضه مجموعة من أزياء الفنانين خلال العروض المسرحية، بعضها يعود إلى القرن الثامن عشر، أي منذ بدايات تأسيس «البولشوي» عام 1776.
ومعها، يضم المعرض نماذج من الديكورات الفنية المرافقة للعروض المسرحية. وتم انتقاء أجمل الديكورات من أكثر من مرحلة تاريخية. وفي القسم الخاص بالقرن العشرين، يقدم المعرض مجموعة من الرسائل كتبها فنانون كبار في مسرح البولشوي للجنود السوفيات على جبهات القتال إبان الحرب العالمية الثانية. فضلاً عن ذلك بوسع الزوار أن يتعرفوا في المعرض على أسعار بطاقات العروض في «البولشوي» منذ 100 عام، وشكل البطاقات وتصميمها الفني، وعلى أسماء شخصيات لعبت دوراً كبيراً في رسم تفاصيل العرض المسرحي حتى يصل للمشاهدين تحفة فنية متكاملة تليق بهيبة وسمعة وجمال «البولشوي».


مقالات ذات صلة

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».