«مسافر ليل»... مسرحية تعري سيكولوجية الشر البشري

مخرجها وظف الجمهور كجزء من العرض

علاء قوقة بدور عامل التذاكر فرض ديكتاتوريته بصوته الجهوري على كل من في عربة القطار
علاء قوقة بدور عامل التذاكر فرض ديكتاتوريته بصوته الجهوري على كل من في عربة القطار
TT

«مسافر ليل»... مسرحية تعري سيكولوجية الشر البشري

علاء قوقة بدور عامل التذاكر فرض ديكتاتوريته بصوته الجهوري على كل من في عربة القطار
علاء قوقة بدور عامل التذاكر فرض ديكتاتوريته بصوته الجهوري على كل من في عربة القطار

«خير أن ننسى الماضي، حتى لا يحيا في المستقبل، حتى لا يخدعنا التاريخ، ويكرر نفسه»، بهذه الجملة الوجيزة تستهل أحداث مسرحية «مسافر ليل» التي تعرض حاليا في ساحة الهناجر بدار الأوبرا المصرية ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي الـ11.
«مسافر ليل» نص مبهر في استيعابه لكل العصور والأزمان والأمكنة يندرج تحت تصنيف مسرح العبث كتبها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وعرضت لأول مرة عام 1969. يتناول العرض عدة أفكار فلسفية كالخير والشر ومعنى الوجود الإنساني وجدواه، ويناقش بذكاء قضايا واقعية حول الظلم والقهر والعدل والضعف في إسقاط على علاقة الحاكم بالمحكوم من ناحية والصراع بين الخير والشر من ناحية أخرى.
في إطار يتأرجح ما بين الكوميديا والميلو دراما (المأساة - الملهاة) تقوم المسرحية على دورين رئيسيين حول الصراع العبثي بين (عامل التذاكر - الظالم) الذي يجسده الدكتور الفنان علاء قوقة، و(الراكب - المظلوم) الفنان حمدي عباس، فيما يلعب شخصية الراوي الفنان جهاد أبو العينين، الذي يفسر للجمهور تفاصيل المشهد ويتركهم يتفكرون فيه ويعتبر رمزاً للجماهير الصامتة المنساقة في تيار الظلم.
تبدأ المسرحية بصعود الجمهور الركاب للقطار بساحة الهناجر ويبدأ العرض بصعود الراكب (حمدي عباس) على متن القطار الليلي يبدو حائراً غير مبالٍ حتى بما يفعل أو ما يُفعل به حتى أن حقيبته تسقط منه من نافذة القطار فلا يبالي ويجلس يحاول النبش في ذاكرته عما يؤنسه في رحلته لكنه لا يجد شيئاً يذكر، يحاول أن يستعين بمسبحته فتنفرط منه وتجري حباتها ما بين مقاعد الجمهور، وما إن يستدعي اسم الإسكندر الأكبر يظهر عامل التذاكر متقمصاً دور الإسكندر. النص هنا يوظف الرمزية ببراعة فالظالم يتخذ عدة أسماء منها «الإسكندر وهتلر وزهوان وسلطان وغيرها»، بينما الراكب يتخذ اسم «عبده» ووالده عبد الله وابنه عابد.
الفنان علاء قوقة بصوته الجهوري استطاع أن يفرض ديكتاتوريته على كل من في عربة القطار فهو استطاع ببراعة السيطرة على خشبة المسرح هنا وفضاء العرض، يتمادى في تسلطه على الراكب مضيفا الملمح الجروتسكي والكوميدي على الفعل العبثي للقهر، إلى أن يصل به إلى حد اتهامه وإخباره عن رغبته في قتله تنفيذاً للعدالة، واصفاً إياه بـ«أنبل إنسان» ليكشف له قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة أنه قتله دون سبب حقيقي.
فعامل التذاكر يبدأ قهره بسطوة على تذكرة القطار وأكلها في مشهد كوميدي عبثي، ثم محاولته السطو على بطاقة الراكب الشخصية قائلاً له: «ألذ طعام للإنسان هو الأوراق وأشهى ما في الأوراق هو التاريخ، نأكله كل زمان وزمان، ثم نعيد كتابته في أوراق أخرى كي نأكلها فيما بعد».
ذكاء النص المسرحي ومخرج العرض جعل المشاهدين جزءا من لب المسرحية ومغزاها وهو سكوت الجماهير عن الظلم واكتفائهم بالمشاهدة فهم يشاهدون الراكب الذي تتم إهانته ثم إلحاق التهم به وتتصاعد الأحداث بتكثيف دقيق ليتم قتله، أمام صمت الجمهور.
الملاحظ هنا أن الجمهور يتفاعل مع دور الطاغية ويبدو مبهورا بتطور الحدث رغم أن كل منهم قد قام بتأويله على حياته الشخصية وأسقط دور عامل التذاكر على الطاغية في حياته الذي يمارس عليه كل أشكال القهر والتسلط، لكن التفاعل الإيجابي سيكولوجيا مع الشر وانعكاساته يعكس الطبيعة البشرية التي تتأرجح أيضاً بين الخير والشر.
وحول صعوبة الدور القائم على موقع محدد وديكور معين ثابت، يقول الفنان علاء قوقة (عامل التذاكر) بالمسرحية لـ«الشرق الأوسط»: «الدور يتطلب من الممثل أن يهيمن على خشبة المسرح أو على عربة القطار ككل بما فيها الجمهور ويحاول أن يفرض سلطته وتسلطه على الجميع، وهو ما يضع عبئاً كبيراً على الفنان في ظل عدم وجود الكثير من الشخصيات»، مضيفاً: «أعتز بهذا الدور كثيراً ورغم أن المسرحية قدمت عشرات المرات فإن المخرج نجح في الخروج بالعرض لفضاء بديل عن خشبة المسرح العادية وتصميم عربة قطار حقيقية، وتجسيد جمال النص نفسه في لغته الحوارية السيريالية».
ورغم كونها تجربته الإخراجية الاحترافية الأولى، استطاع المخرج محمود فؤاد صدقي أن يوظف فكرة عربة القطار بتصميم ذكي للعربة التي تضع الجمهور في حالة تفاعل حسي وجسدي مع الممثلين الذين كانوا يمرون ويجلسون بجوار المشاهدين، قائلاً: «نص صلاح عبد الصبور من أهم النصوص المسرحية، وهو يقبل لأن يقدم في أي فراغ وقد أخذت تجهيزات السينوغرافيا وتهيئة الفضاء بساحة مسرح الهناجر نحو شهرين درست خلالهما اتجاه الرياح ومساقط الإضاءة وتوزيع أجهزة الصوت لتناسب طبيعة الفضاء البديل، فقد كانت مساحات التشخيص تتخلل أماكن وجود الجمهور، وكانت ردود الفعل تأتي بشكل سريع بعد العرض مباشرة من خلال حديث الجمهور مع صناع العمل حول مدى استيعابهم للنص وللرؤية الفنية بعد أن كانت غامضة عليهم في رؤى سابقة».


مقالات ذات صلة

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.