أبحاث لضبط توقعات الطقس في المناطق الصغيرة

علماء سويسريون يحسنون التنبؤات قريبة المدى بدائرة 500 متر

TT

أبحاث لضبط توقعات الطقس في المناطق الصغيرة

يقول الخبراء: إن القدرة على توقّع الأمطار الغزيرة مثلاً في مناطق صغيرة، يمكنها أن تغيّر الطريقة التي يدير فيها المسؤولون في المدن من محاصرة الفيضانات وتفاديها، ويمكن أن تساعد أيضاً في إنقاذ الأرواح.

تنبؤات جوية
تتميّز توقعات الأحوال الجوية بدقّة مثيرة للإعجاب؛ نظراً لمدى التغيّر والفوضى التي قد يتّسم بها مناخ الكرة الأرضية. والحصول على توقعات للأحوال الجوية لعشرة أيام مقبلة مع درجة مُرضية من الدقة ليس بالأمر المفاجئ أبداً.
لكن، لا يزال هناك الكثير للقيام له؛ إذ يواجه خبراء الأرصاد الجوية تحدياً كبيراً، هو تحسين جودة «توقعات الأحوال الجوية القريبة المدى»، أي القدرة على توقع حالة الطقس خلال الساعات الستة المقبلة بدقّة تمييزية مكانية تبلغ كيلومتراً مربّعاً واحداً، أو أقلّ. وهذا الأمر صعب دون شكّ في المناطق التي يتغيّر فيها الطقس بسرعة.
يعتمد النشاط الزراعي بشكل متزايد على «توقعات الأرصاد الجوية القريبة المدى»، وكذلك سلامة الكثير من المناسبات الرياضية. يوجد أيضاً خطر التساقط المفاجئ للأمطار الذي قد يؤدي إلى فيضانات باتت تعتبر مشكلة متنامية في مناطق كثيرة بسبب تغيّرات المناخ وسيطرة طابع البناء الحضري. ويلقي هذا الأمر بآثاره على البنى التحتية، كشبكات الصرف الصحي، وعلى السلامة أيضاً، على اعتبار أن هذا النوع من الفيضانات يمكن أن يؤدي إلى وفيات.
لهذا السبب؛ لا شكّ في أن خبراء الأرصاد الجوية سيرحبون بامتلاك وسيلة أفضل للتوصل إلى «توقعات مناخية قريبة المدى». وقد نجحت بلاندين بيانشي من مدرسة لوزان الاتحادية للفنون التطبيقية في لوزان، سويسرا، وزملائها في تطوير وسيلة لدمج بيانات الأرصاد الجوية من مصادر متعددة وتقديم توقعات مناخية قريبة المدى أكثر دقّة. قد يساهم عملهم هذا في تغيير الفائدة المرجوة من هذا النوع من التوقعات بالنسبة للمزارعين وخدمات الطوارئ ومهندسي الصرف الصحي.

تقنيات الارصاد
ينحصر توقع أحوال المناخ اليوم بالبيانات والنطاق الزمني التي تجمع وتتم معالجتها وفقاً له. وتتمتّع بيانات الأقمار الصناعية مثلاً بدقة تمييزية مكانية تتراوح بين 50 و100كلم، وتتيح تعقّب وتوقّع خلايا سحابية كبيرة في نطاق زماني يتراوح بين ستّ وتسع ساعات. على نقيض ذلك، تمرّ بيانات الرادار بتحديث كل خمس دقائق بدقّة تمييزية مكانية تصل إلى كيلومتر واحد وتقدّم توقعات على نطاق زمني يتراوح بين ساعة وثلاث ساعات. تشكّل اتصالات الموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة من قِبل شركات الاتصالات، التي تتراجع بفعل تساقط الأمطار، مصدراً آخر للبيانات.
يتميّز الرادار بقدرة عالية جليّة على توقع الأحوال الجوية القريبة المدى، وبالفعل، خصص خبراء الأرصاد الجوية مصادر محددة لدراسته. إنّ أسهل مقاربة لهذه الغاية هي التقاط صورة لحظية (نوع من التخزين في الكومبيوتر) للرسم البياني الخاص بالمتساقطات بسرعتها واتجاهها، ومن ثمّ ترجمة هذا الرسم مكانياً.
يفيد هذا الأمر في النطاقات القصيرة المدى ودقة تمييزية مكانية تصل إلى أربعة كيلومترات. لكن بيانشي وزملاءها يشيرون إلى أنّ أي إمكانية لتوقع الأرصاد الجوية تضيع بعد 40 دقيقة أو أكثر، بينما تنخفض هذه الفترة إلى أقلّ من 15 دقيقة، عند محاولة التوصل إلى دقة مكانية أكبر تصل إلى كيلومتر واحد.
إن الطريقة الوحيدة لتحسين هذه التوقعات هي ربط صور الرادار بمقاييس المتساقطات (الأمطار والندى وما شابه) على الأرض. يوفّر هذا الأمر وسيلة إضافية لتوثيق نموذج المناخ وبالتالي تحسينه، وهذه هي تحديداً التقنية التي عملت بيانشي وزملاؤها على تطويرها.

بحث سويسري
جمع هؤلاء الباحثون البيانات عام 2009 من 14 مُمَطراً (مواقع لتساقط الأمطار)، و14 من أدوات الاتصال بالموجات الكهرومغناطيسية، وقياسات الأمطار الرادارية من «ميتيو سويس» لمساحة 20×20 كلم حول مدينة زيوريخ. ثمّ استخدم الفريق هذه البيانات لمدة زمنية محددة لتوقّع المتساقطات على نطاق زمني يصل إلى 30 دقيقة.
ولأن هذه البيانات عامّة، يستطيع الخبراء مقارنة التوقعات بالمتساقطات الحقيقية لتحديد دقتها. وتبدو النتائج واعدة، لكن الفرضية الوحيدة الذي يملكها خبراء الأرصاد الجوية حول المناخ حالياً هي أنّه سيستمر في التغيّر بالطريقة نفسها التي يتغيّر بها اليوم، وفقاً لما يعرف بـ«ثبات لاغرانجيان»، الذي يكون دقيقاً في معظم الأحيان.
تقول بيانشي وزملاؤها، إنه عندما يكون هذا الافتراض صحيحاً، تقدّم أرصادهم القريبة المدى توقعات دقيقة لأكثر من 20 دقيقة لمساحة أقلّ من 500 متر. هذا الأمر مهمّ جداً، وقد يكون له آثار كبيرة على إدارة تدفق المياه في أنظمة الصرف الصحي، وفي النشاطات الزراعية على أرض الواقع.
لكن فرضية «ثبات لاغرانجيان» ليست صحيحة دائماً؛ إذ إن الجوّ يمرّ أحياناً بتغيرات غير متوقعة، كموجات حرّ مفاجئة تسبب انتقال خلايا حرارية مثلاً. ويؤدي هذا التغيّر في حال حصوله إلى تراجع دقة التوقعات بشكل جذري. تقول بيانشي في حديث نقلته مجلة «تكنولوجي ريفيو»: «نتيجة هذه الأحداث المتصلة، يتراجع أداء خوارزميات الأرصاد الجوية القريبة المدى بسرعة بعد 15 دقيقة بسبب النمو السريع لحركة خلايا المطر».
يفرض هذا الأمر بعض الضوابط على فعالية هذا النوع من توقعات الأرصاد الجوية القريبة المدى. ومع ذلك، اعتبرت بيانشي أن إمكانية تمييز الشكّ المحيط بالتوقعات القريبة المدى هو في حدّ ذاته تطوّر مهم. ويواصل خبراء الأرصاد الجوية في بعض المناطق إصرارهم للحصول على طريقة تمكنّهم من توقع الأرصاد الجوية بدقة لمساحة لا تتجاوز مئات الأمتار.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»