ماكرون يحضّر لخطة حول إعادة تنظيم «الشؤون الإسلامية» في فرنسا

وزارة الدفاع تدشّن معرضاً في مسجد باريس الكبير يبرز تضحيات الجنود المسلمين

الجامع الكبير في باريس
الجامع الكبير في باريس
TT

ماكرون يحضّر لخطة حول إعادة تنظيم «الشؤون الإسلامية» في فرنسا

الجامع الكبير في باريس
الجامع الكبير في باريس

دشّنت وزيرة الدولة للشؤون الدفاعية جنفياف داريوسيك، عصر أمس، في قاعات مسجد باريس الكبير في باريس معرضاً هو الأول من نوعه؛ لأنه يرسم انخراط ودور ومساهمات الجنود المسلمين في الجيوش الفرنسية منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى عام 1962، تاريخ استقلال الجزائر.
وأهمية المعرض الذي يجمع كمية كبيرة من الصور والأفلام المستقاة من أرشيفات وزارة الدفاع، ومن الأرشيفات الخاصة مزدوجة، رمزية من جهة؛ لأنه يلقي الضوء على ما قدمه الجنود المسلمون من تضحيات، وأهمها الدفاع عن الأراضي الفرنسية في الحربين العالميتين الأولى والثانية التي دفع ثمنها عشرات الآلاف من القتلى، من جهة أخرى؛ لأنها تحل في وقت يدور الجدل فيه حول موقع الجالية المسلمة في فرنسا، على خلفية الأعمال الإرهابية التي ضربت البلاد منذ عام 2015، والمشاورات التي تجريها الحكومة من أجل المساعدة على إعادة تنظيم شؤون الجالية المذكورة.
وسبق للرئيس إيمانويل ماكرون أن التزم بعرض مقترحاته الخريف الماضي. إلا أن أوساط قصر الإليزيه تفيد بأنه فضّل توسيع استشاراته قبل الكشف عن تصوراته ومقترحاته.
في هذا السياق، التقى ماكرون يوم الاثنين الماضي وفداً من المجلس الفرنسي للديانة المسلمة لساعة ونصف الساعة في قصر الإليزيه، كما أنه التقى يوم أمس ممثلين عن مختلف الأديان والطوائف فرنسا، بمن فيهم ممثلون عن الديانة البوذية. وفي المرتين، كان ماكرون محاطاً برئيس الحكومة إدوار فيليب، ووزير الداخلية وشؤون العبادة كريستوف كاستانير، الذي كان ماكرون طلب منه القيام باستشارات تمهيدية ورفع مقترحاته.
وبالتوازي، فإن الرئيس الفرنسي يستعين بـ«خلية» تقوم من جانبها باتصالات وتدرس أفكاراً لإثراء المقاربة الرئاسية. ويدل تسارع الأنشطة المرتبطة بهذا الملف على أن ماكرون يتأهب للكشف عن خطته، وأنه يضع اللمسات الأخيرة عليها.
تقول الأوساط الرئاسية: إن العملية الإصلاحية الجاري التباحث بشأنها مع مسؤولي الجالية المسلمة ومع ممثلي الأديان والمجتمع المدني غرضها التوصل إلى تحقيق خمسة أهداف رئيسية، أولها تعزيز مبدأ العلمانية التي يكفلها الدستور والقوانين الفرنسية وشعارها قانون عام 1905 الشهير، وتريد الحكومة تعديل وتحديث بعض فقرات القانون المذكور ليتلاءم مع التطورات الديموغرافية وإدخال الديانة المسلمة إلى حضنه أسوة بالديانتين المسيحية (بشقيها الكاثوليكي والبروتستانتي) واليهودية. ويشكل الإسلام الذي يقدر أتباعه بنحو ستة ملايين شخص الديانة الثانية في فرنسا بعد الكاثوليكية. إلا أنه لم يكن يتمتع بحضور وافٍ عندما أقرّ قانون عام 1905، وبالتالي يتعين إعادة النظر به حتى تكون معاملة الديانة المسلمة كمعاملة الديانات الأخرى.
انطلاقاً من هذا الوضع، فإن الغرض الإصلاحي الثاني يتمثل بـ«مواكبة المسلمين في سعيهم لإعادة تنظيم شؤونهم الدينية». وخلال السنوات العشرين الأخيرة، سعى كافة رؤساء فرنسا من اليمين واليسار إلى ترك بصماتهم في موضوع إعادة تنظيم شؤون الإسلام. لكن الرئيس الوحيد الذي حقق شيئاً ما هو نيكولا ساركوزي (2007 ــ 2012)، الذي نجح عندما كان وزيراً للداخلية في دفع المسلمين لإنشاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي ما زال قائماً. لكن الانتقادات التي توجه للمجلس تنصبّ عليه من كل حدب وصوب، وبرزت هشاشته مع تكاثر الأعمال الإرهابية التي يدعي مرتكبوها زيفاً وبهتاناً دفاعهم عن الإسلام.
وتريد باريس تحويل «الإسلام في فرنسا» إلى أن يكون قادراً على إدارة شؤونه بنفسه وإعداد وتأهيل الأئمة من المسلمين الفرنسيين وفي فرنسا بحيث يكونون متمكنين من ثقافتها وقيمها. وأخيراً تريد الدولة الفرنسية من رعاياها المسلمين ومن الهيئات التي تمثلهم أن يكونوا رأس الحربة في مقارعة ودحض الفكر المتطرف والجهادي، وأن يدعوا إلى مفهوم ديني وسطي منفتح ومتسامح، أي إلى عكس القراءة المتشددة التي تروج في عدد من المساجد وأماكن العبادة. وجدير بالذكر، أن السلطات الأمنية عمدت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى إبعاد الكثير من الأئمة وإغلاق مساجد وأماكن عبادة بسبب الخطاب الراديكالي المتطرف.
ويعتبر الرئيس ماكرون ومعه الحكومة الفرنسية أن تحقيق هذه الأهداف يمرّ بالدرجة الأولى عبر تعديل بعض نصوص قانون عام 1905، ودفع المؤسسات الدينية المسلمة في فرنسا إلى اقتباسه، حيث إن غالبيتها تخضع لأحكام قانون الجمعيات الصادر في عام 1901. وبحسب المسؤولين والخبراء، فإن لكل قانون حسناته وسيئاته، وانخراط المؤسسات الإسلامية في صيغته المعدلة سوف يتيح لها الاستفادة لجهة توفير مواردها المالية الخاصة، إلا أنها في الوقت عينه سيكون عليها الالتزام بالشفافية المالية، وهو الهدف الضمني الذي تسعى إليه الحكومة. وقال نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة المسلمة، أنور كبيبيش، عقب اجتماع الأمس في قصر الإليزيه: إن ماكرون طمأن الوفد بأن «التعديلات ليست موجهة ضد الإسلام»، وإن غرضها التخلص من بعض الأحكام التي عفّى عليها الزمن. وبالمقابل، فإن أوساط الإليزيه تؤكد أن الغرض الأول هو تعزيز العلمانية وتمكين الديانات من إدارة شؤونها بنفسها وتعزيز استقلاليتها، لكن أيضاً ضمان احترام القانون والنظام ومحاربة خطاب الكراهية والتطرف.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

توافق أممي نادر في مجلس الأمن حول سوريا

فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)
فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)
TT

توافق أممي نادر في مجلس الأمن حول سوريا

فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)
فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)

قال دبلوماسيون أميركيون وروس، يوم الاثنين، إن أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيعملون على إعداد بيان بشأن سوريا في الأيام المقبلة، وذلك بعد اجتماع مغلق بشأن سيطرة قوات المعارضة على العاصمة دمشق والإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا للصحفيين بعد اجتماع المجلس المؤلف من 15 عضوا "أعتقد أن المجلس كان متحدا إلى حد ما بشأن الحاجة إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها، وضمان حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين". وأكد نائب السفير الأميركي روبرت وود أن أغلب الأعضاء تحدثوا عن هذه القضايا، وقال للصحفيين إن المجلس سيعمل على إصدار بيان. وتتولى الولايات المتحدة رئاسة المجلس في ديسمبر (كانون الأول). وقال وود "إنها لحظة لا تصدق بالنسبة للشعب السوري. والآن نركز حقا على محاولة معرفة إلى أين يتجه الوضع. هل يمكن أن تكون هناك سلطة حاكمة في سوريا تحترم حقوق وكرامة الشعب السوري؟"

وقال السفير السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك للصحفيين خارج المجلس إن بعثته وكل السفارات السورية في الخارج تلقت تعليمات بمواصلة القيام بعملها والحفاظ على مؤسسات الدولة خلال الفترة الانتقالية. وقال "نحن الآن ننتظر الحكومة الجديدة ولكن في الوقت نفسه نواصل العمل مع الحكومة الحالية والقيادة الحالية"، مضيفا أن وزير الخارجية السوري بسام صباغ - المعين من قبل الأسد - لا يزال في دمشق. وقال للصحفيين خارج المجلس "نحن مع الشعب السوري. وسنواصل الدفاع عن الشعب السوري والعمل من أجله. لذلك سنواصل عملنا حتى إشعار آخر". وأضاف "السوريون يتطلعون إلى إقامة دولة الحرية والمساواة وسيادة القانون والديمقراطية، وسوف نتكاتف في سبيل إعادة بناء بلدنا، وإعادة بناء ما دمر، وبناء المستقبل، مستقبل سوريا الأفضل".

وتحدث نيبينزيا وود عن مدى عدم توقع الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع في سوريا. وقال نيبينزيا "لقد فوجئ الجميع، بما في ذلك أعضاء المجلس. لذلك يتعين علينا أن ننتظر ونرى ونراقب ... ونقيم كيف سيتطور الوضع". ووفرت روسيا الحماية الدبلوماسية لحليفها الأسد خلال الحرب، واستخدمت حق النقض أكثر من 12 مرة في مجلس الأمن، وفي العديد من المناسبات بدعم من الصين. واجتمع المجلس عدة مرات شهريا طوال الحرب لمناقشة الوضع السياسي والإنساني في سوريا والأسلحة الكيميائية.

وقال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونغ بعد اجتماع المجلس "الوضع يحتاج إلى الاستقرار ويجب أن تكون هناك عملية سياسية شاملة، كما يجب ألا يكون هناك عودة للقوى الإرهابية". وبدأت هيئة تحرير الشام الهجوم الذي أطاح بالأسد. وكانت تُعرف سابقا باسم جبهة النصرة التي كانت الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا حتى قطعت صلتها به في عام 2016. وتخضع الجماعة لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال دبلوماسيون إنه لم تحدث أي نقاشات بشأن رفع هيئة تحرير الشام من قائمة العقوبات.