ارتفاع أجرة المواصلات في موسكو نتيجة زيادة الإنفاق العام الماضي

ارتفاع أجرة المواصلات في موسكو نتيجة زيادة الإنفاق العام الماضي
TT

ارتفاع أجرة المواصلات في موسكو نتيجة زيادة الإنفاق العام الماضي

ارتفاع أجرة المواصلات في موسكو نتيجة زيادة الإنفاق العام الماضي

أعلنت سلطات العاصمة الروسية موسكو عن رفع أجور النقل على شبكة المواصلات العامة، وأحالت قرارها إلى زيادة الإنفاق خلال العام الماضي، دون أي ربط أو إشارة إلى التغيرات المرتقبة في العام الحالي، الأمر الذي أثار تكهنات باحتمال إقرار رفع جديد، على خلفية حزمة القرارات التي كان من المفترض أن يبدأ العمل بها في الأيام الأولى من العام الحالي وستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام بما في ذلك أسعار الوقود.
ومن أبرز تلك القرارات رفع ضريبة القيمة المضافة من 18 حتى 20 في المائة، وزيادة رسوم المحروقات من 8192 روبلا لطن البنزين حتى 11892 روبلا، ومن 5558 حتى 8258 روبلا لطن الديزل. وكان من المفترض أن يبدأ العمل بتلك القرارات اعتباراً من 1 يناير (كانون الثاني) الحالي، لكن لم يظهر حتى الآن ما يدل على دخولها حيز التنفيذ، إذ لا تزال أسعار الوقود على حالها في المحطات، حتى يوم أمس على الأقل. ويبدو أن «تأجيل التنفيذ» يعود إلى عطلة الدولة خلال أعياد راس السنة والميلاد، التي تستمر في روسيا لغاية 10 يناير.
وقال مصدر من مديرية المواصلات في بلدية موسكو لوكالة «تاس» إن سلطات المدينة قررت رفع أجور النقل على المواصلات العامة بنسبة 5.1 في المائة، اعتباراً من 2 يناير الحالي، وأشار إلى أن «ضرورة رفع أجور النقل، مسألة أثارتها شركات المواصلات الكبرى في المدينة»، موضحاً أن هذا الأمر «مرتبط بمعدل التضخم، وارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية، ووقود المحركات، وقطع الغيار. وتدعم سلطات العاصمة شركات المواصلات، لذلك قررت رفع أجور استخدام وسائل النقل في المدينة ضمن حدود 5.1 في المائة، وهو ما يتناسب مع متوسط معدل التضخم السنوي». وأكد المسؤول من بلدية موسكو في الوقت ذاته أن السلطات تراقب بشكل دائم وتحلل نفقات شركات النقل و«لن تسمح بأي رفع غير مبرر لأجور النقل».
وأحالت بلدية موسكو قرار رفع أجور النقل بزيادة النفقات خلال العام الماضي، وقال المصدر إن «الإنفاق على وقود الديزل ارتفع خلال عام 2018 بنسبة 26.7 في المائة، بينما أصبحت قطع الغيار الرئيسية للحافلات أغلى بنسبة الثلث تقريباً. علاوة على ذلك تعود زيادة الإنفاق إلى توسيع شبكة المترو، حيث تم افتتاح 15 محطة مترو أنفاق جديدة خلال العام الماضي، بالتزامن مع تطوير مستمر لشبكة الموصلات الأرضية، وفتح خطوط نقل جديدة لخدمة المواطنين».
وتعتمد موسكو على شبكة مواصلات ضخمة متنوعة ومتشعبة، يطلق عليها «ثلاثي النقل العام»، وتضم شبكة مترو الأنفاق (تحت الأرض) ووسائل نقل عامة (أرضية) مثل الحافلات التي تعمل على وقود الديزل والبنزين، والحافلات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، فضلاً عن الترامواي. وتوفر شركات النقل أكثر من نوع وتعريف للنقل، منها بطاقات يمكن استخدامها في أي من «الثلاثي»، ولفترات مختلفة.
وبموجب القرار الجديد، اعتباراً من 2 يناير الحالي، يرتفع أجر الرحلة الواحدة على متن أي وسيلة باستخدام «البطاقة الموحدة للثلاثي» من 36 حتى 38 روبلاً. أما «البطاقة الموحدة» بصلاحية 60 رحلة، فيصبح سعرها 1900 روبل، عوضاً عن 1765 روبلاً العام الماضي، وتم تقليص فترة صلاحيتها حتى 45 يوماً، بينما كانت صلاحيتها لمدة 90 يوماً. وارتفع كذلك سعر «البطاقة الموحدة» بعدد غير محدود من الرحلات، بصلاحية 30 يوماً، من 2075 حتى 2170 روبلاً. بينما ارتفع سعر ذات النوعية من البطاقات لكن بصلاحية لمدة 90 يوماً، من 5190 روبلاً سابقاً حتى 5430 روبلاً وفق القرار الجديد. ويرى مراقبون أن إسراع سلطات موسكو لإقرار رفع أجور النقل، قبل بدء العمل بقرارات رفع ضريبة القيمة المضافة وزيادة رسوم الوقود، ربما جاء بغية تسوية الوضع في قطاع النقل العام، لنقله إلى مستويات تتناسب مع التغيرات التي طرأت العام الماضي، تمهيداً لتعامله مع المرحلة الجديدة التي يرجح أنها ستحمل معها زيادة أنفاق القطاع، مما يعني زيادة جديدة على أجور النقل.



التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
TT

التشكيلية اللبنانية زينة الخليل... الألم خطَّاطُ المسار

الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)
الرسوم تتحوّل انعكاساً للروح كما تغذّي الروح الفنّ فيتكاملان (زينة الخليل)

كانت على الدوام فنانة، تتمدَّد كمَن يُراقب الكون، وتحلُم. ألحَّ شعورٌ بالانسلاخ عن العالم والبحث المرير عن شيء مفقود تُطارده ويهرُب. فضَّلت التشكيلية اللبنانية زينة الخليل العزلة. طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر: «مَن أنا وما معنى الحياة؟». تعجَّبت لانشغال رفاق الصفّ باللعب دون سيطرة الهَمّ. «لِمَ يلهون ولا ألهو؟»، تساءلت. تأمّلت من دون أن تدري ماهية التأمُّل، وفكَّرت في الوجود من دون علمها بأنها الفلسفة.

ولمَّا رسمت؛ فوجئت: «آه، إنني أرسم! لا أدري كيف ولكنني أرسم! أستطيع نقل الأشياء إلى الورق. ذلك يُشعرني ببهجة». الرسم ضمَّد جراح العقل. وجَّه طاقتها نحو شيء آخر غير البحث المُنهك عن شرح. ومن هنا بدأت.

من التأمُّل والتفكير في الوجود رسمت للمرة الأولى (زينة الخليل)

تُخبر الفنانة زينة الخليل المقيمة في لندن «الشرق الأوسط» أنّ نشأتها في أفريقيا أتاحت الوقت الكافي للتفكير. شدَّتها الطبيعة، وراحت تشعر برابط بين الجسد الإنساني والأرض. وبالصلة بين جبّارين: الروح والتراب. تقول: «عبر النجوم والأشجار، حدث اتصالي مع الوجود. بالتأمّل والرسم، كتبتُ الفصل الأول من حياتي».

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي (زينة الخليل)

عام 1994 عادت إلى لبنان. كانت مدافع الحرب الأهلية قد هدأت، مُتسبِّبةً بعطوب وبرك دم: «كنتُ في الـ18 حين شعرتُ بأنّ شيئاً يجرُّني للعودة ويقذفني نحو بلدي المُثقل. أتيتُ وحيدةً، وعائلتي في نيجيريا. اليوم أتفهّم عمق العلاقة بالأرض والطاقة. تلك التي لاحت في الطفولة ولم أستقرّ على تعريف لها. جسَّدها شعور تجاه صخرة أو شجرة أو ورقة تتساقط. الصوت الذي ناداني للعودة، سمعتُه جيداً. لم أقوَ على صدِّه. ورغم هواجس العيش على أرض هشَّمتها الحرب، اخترتُ المجيء».

طَرْحُ الأسئلة الصعبة نَبَت منذ الصغر وألهمها الرسم (زينة الخليل)

الفنّ عند زينة الخليل ليس للنفس فقط، وإنما للآخرين. وفي وقت واجهت التجارب القاسية في بلد شهد عقدين من احتدام المعارك، شعرت، بكونها امرأة، بالاعتداء المستمرّ عليها. مسلّحون يتجوّلون ومظاهر تفلُّت. ذلك يفسِّر ميل أعمالها المُبكرة إلى «النسوية المُفرطة»: «أردتُ إيجاد مكاني بوصفي امرأة والنضال للشعور بالأمان. لم أجسِّد الحركة النسوية المألوفة التي شهدتها أوروبا وأميركا آنذاك. مواجهة الميليشيا والإحساس بالخطر الفردي جعلا نسويتي تتجاوز حيّزها. راحت أعمالي تنتقد الحرب والأسلحة. وضعتُ فنّي بمواجهة هذه الإشكالية: هل حقاً يحتاج الإنسان إلى سلاح لإثبات نفسه؟».

الرسم ضمَّد جراح العقل (زينة الخليل)

ولمحت مُحرِّك العنف ومؤجِّجه: «البشر والدول يتقاتلون حول الموارد والثروات. العناوين الأخرى، منها الأديان، ذريعة. أدخلتُ مادة البلاستيك في أعمالي لإدراكي قوة العلاقة بين المُستهلك والمعركة. البلاستيك مصنوع من النفط، والنفط يُشعل الحروب. تجرَّد الإنسان من الحسِّ وأصبح العالم مُجمَّعاً تجارياً ضخماً. بتبنّي (الكيتش) في الرسم، سجّلتُ موقفي ضدّ تغليب القوة والحلول السريعة على وَضع استراتيجيات السلام. طغى اللون الزهريّ على رسومي مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى. شكَّل فنّي محاكاة للعبة الباربي بصورتها النمطية وما مثّلته من سطحية وانعدام العمق».

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة (زينة الخليل)

تسلُّل السخرية إلى الموضوع الجدّي محاولةٌ لجَعْل النقاش أقل غرابة. لسنوات واصلت الفنانة تبنّي هذا الأسلوب وبه عرفت. وباندلاع حرب 2006 في لبنان، تحوَّلت إلى تدوين الأحداث، وإنما الرغبة بمواصلة الرسم تأجَّجت: «دوري ناشطةً ومدوّنةً لم يُشبع نهمي. وذات يوم، عشتُ تجربة صوفية لا أملك شرحها. كأنني عدتُ إلى زينة في أفريقيا والرابط بين الوجود والإنسان. البعض يسمّيه النداء الروحي. فجأة، لم يعُد عالم المادة مهماً، وشعرتُ بحبل في داخلي يُقطَع. غمرني الشعور بألم الأرض، فلم أجد منزلاً لي. مسقطا أمي وأبي، كلاهما تألّم بتداعيات الحروب. سمعتُ نداء الأرض: (تعالي لنُشفى معاً!). كأنني كنتُ أتعرّف إلى وجعي من أوجاعها. كان نداء عميقاً. أمضيتُ الوقت في تلمُّس التراب. شعوري بأنني لستُ في منزل؛ لا أنتمي، ولا أعرف مَن أنا، جرَّ فنّي إلى مكان آخر. رسمتُ ولم أدرك ماذا أرسم. أجريتُ مراسم لشفاء الأرض، فأشعلتُ النار من أجلها ورفعتُ الصلاة. سألتُ الطاقة أن تتبدَّل. والأشياء العالقة في الكون أن تتّخذ مجراها. مثل مَن ماتوا بلا دفن لائق، وبلا جنازة ووداعات. طاقة هؤلاء ظلَّت عالقة. لم تحدُث المصالحة بعد الحرب. بزيارتي الأماكن حيث حلَّت مجازر، وإشعالي النار، حَدَث التواصل. كأنني أقول للموتى الذين أرسم أرواحهم بأنني هنا؛ أراكم وأعترف بكم. أنتم منسيّون بجميع الطرق. الدولة لم تعترف بكم، لم تُؤبَّنوا. أنا هنا لأراكم وأكون شاهدة. بهذا بنيتُ اتصالاً فريداً مع لبنان».

طغى اللون الزهريّ مُجسِّداً البلاستيك والعلكة واللامعنى (زينة الخليل)

أرادت لفنّها التصدّي للعنف، فوظَّفت رماد النار التي أقامتها للمراسم مادةً للرسم. أنجزت مجموعات بتلك المادة السوداء ومن الحبر. وبدل الفرشاة، فضَّلت الأقمشة. بالكوفية مثلاً، لمست وحدة الشعوب، فأدخلتها في لوحاتها: «كل حفل شفاء أردتُه لنفسي وللبنان وللشرق الأوسط والكون. غمّستُها بالحبر ورسمتُ بها لنحو 10 سنوات. في الهند، درستُ الروحانيات ولمستُ اختفائي. الرسوم تتحوّل انعكاساً لروحي، كما أنّ روحي تُغذّي فنّي، فيتكاملان تماماً».

وظَّفت رماد النار التي أقامتها لمراسم الشفاء مادةً للرسم (زينة الخليل)

يأتي الألم بوعي مختلف لم يُعهَد من قبل ويتيح النموّ الداخلي. الألم أحياناً يختار المرء؛ يتعرّف إليه. ولا ينتظره. يُناديه ليخطَّ مساره. تقول: «بعد انفجار بيروت عام 2020، شاهدتُ الدخان والتصدُّع. سرتُ على شوارع يفترشها الزجاج. في تلك اللحظة، تجمَّد الزمن كأنه سينما. بحركة بطيئة، رأيتُ انهيار جانب ضخم من سقف منزل، ووجوهاً مُدمَّاة، وهلعاً. فكّرتُ أنها الحياة. كفَّ الوقت عن التحلّي بأي معنى. لمحتُ التقبّل المريع لفكرة أنّ العنف جزء من الوعي الإنساني. هنا شعرتُ بأنني فكرة تأتي وتعبُر. أو لحظة ونَفَس. جسدٌ مُعرَّض لانتهاء تاريخ الصلاحية، وجوهر واحد يُعبِّر عن نفسه بمليارات الطرق. فنّي إعلان للسلام الداخلي ولحقيقة أننا مُنتقلون. ألم الانسلاخ هو الأقسى. في موضع إحساسنا بالانفصال عن الكون، عن الهوية، وعن الفردية؛ تبدأ رحلة الشفاء».