أشهر شرطي مرور في العراق ترجم قوانين الشارع بمعزوفات صفارته

عمل في وظيفته نحو 40 عاما ولقب بـ«بلبل بغداد»

رجل المرور عدنان محسن
رجل المرور عدنان محسن
TT

أشهر شرطي مرور في العراق ترجم قوانين الشارع بمعزوفات صفارته

رجل المرور عدنان محسن
رجل المرور عدنان محسن

أكثر من 40 عاما مضت على وقوفه في الشارع، حاز محبة الناس وتعاطفهم على الرغم من أنه يملك سلطة تنفيذ القوانين بحقهم، إلا أنه استعان بصفارته الشهيرة وأنغامها التي ابتكرها بشكل يحاكي به تغريدات البلبل، كي ينظم السير ويخفف من مخاطر الطريق، هو مفوض المرور عدنان محسن (أبو غسان) أشهر رجل مرور فيها ومعروف لدى عامة الناس باسم «بلبل بغداد».
استعان عدنان ومنذ تعيينه في سلك المرور في عام 1975 وحتى كتابة هذه السطور بصفارته الشهيرة، التي لا تطلق أصواتا تشابه غيرها، لأنه ابتكر نغماته حسب نوع المخالفة أو الحالة التي أمامه في الشارع، واستطاع ترجمة قوانين المرور بأنغام صفارته التي لا تفارقه، وصار كل من يمر أمامه يقدم له التحية تحببا به وفرحا بوجوده، وقليلة هي المرات التي اضطر فيها (أبو غسان) تحرير مخالفة مرورية لأن معظم من يمرون قرب موقع عمله يحاولون إرضاءه والالتزام بالتعليمات المرورية.
عن بداياته، وصفارته ومفارقات عمله، يقول مفوض المرور أبو غسان لـ«الشرق الأوسط» أحب مهنتي كثيرا، وحاولت أن أبتكر طريقة لمخاطبة السواق عبر صفارتي، وصارت لي ألحان خاصة لكل مخالفة أو توجيه مروري، وعلى مر السنين صارت تلك النغمات معروفة ومفهومة للجميع، وبات معظم الناس ينتظرون مني تحية بالصافرة كلما مروا قرب التقاطع الذي أعمل فيه.
ويواصل حديثه ليقول: «ألحان صفارتي تختلف حسب الإشارة التي أريد إطلاقها، فالمخالف له نغمة خاصة، وحتى مواكب الأفراح أقوم بمشاركتها عبر نغمات خاصة ابتكرتها». واستدرك قليلا ليكمل: «معظم رجال المرور من الشباب عزفوا عن استخدام الصفارة في حين أن لها فوائد كثيرة».
ومن ذكرياته المميزة خلال رحلة عمله يخبرنا: «أتذكر مرة أن الفنان المرحوم الموسيقار منير بشير أرسل في طلبي وقابلني، بعد أن سمعني أستخدم الصافرة. وقال لي إن تقسيماتي مدروسة وتحبها الأذن. وفي الفترة التي عملت فيها قرب معهد الفنون الجميلة في المنصور، كان أساتذة الموسيقى يبدون إعجابهم بأسلوبي هذا.. أما أكثر ما يسعدني فهي اللحظات التي أقوم فيها بحل أزمات الازدحام وهي كثيرة في الشارع العراقي اليوم، وأستطيع أن أجزم بأن أكبر ازدحام يأخذ مني وقتا قصيرا وأنجح في معالجته. ومن هنا أشعر بأهمية وجودي في الشارع».
هناك من طالب بأن يكون لك تمثال في وسط بغداد كونك أصبحت أحد معالمها الجميلة، ما رأيك؟ قال: «فرحت للأمر فعلا، وأنا فخور بعلاقتي مع الناس، التي أسهمت بالتخفيف كثيرا من المخالفات على الأقل في المكان الذي أوجد به، لأن معظم السائقين يحاولون الالتزام بقوانين الشارع كي يرضونني، وهنا أشعر بالنجاح وحب الناس هو الكنز الذي حصدته بعد كل هذه السنين، لكنني متعب اليوم وهناك أمراض سلكت لها طريقا في جسدي ولا أطلب سوى أن أحال إلى التقاعد ولو أعطاني الله صحة وعافية لواصلت عملي حتى آخر يوم في عمري».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».