«الأزرق الكبير»... بحر أطباق تونس بين يديك

قبلة للسياح الأجانب والشخصيات السياسية والفنية

«الأزرق الكبير»... قِبلة عشاق الطعام
«الأزرق الكبير»... قِبلة عشاق الطعام
TT

«الأزرق الكبير»... بحر أطباق تونس بين يديك

«الأزرق الكبير»... قِبلة عشاق الطعام
«الأزرق الكبير»... قِبلة عشاق الطعام

ما إن تدخل مطعم «الأزرق الكبير» أو (Le grand bleu) كما هو معروف في تونس حتى تتشابك أحاسيسك بالجوع مع عطر بحر تونس وعبق روائح أطباقها من ثمار بحر وغيرها.
فهنا ستجتاحك مشهدية بحر أزرق أبحرت منه في أحد الأيام الملكة أليسار قادمة من صور اللبنانية. وفي أركانه الداخلية سيصحبك تاريخ قعدات قصور فرنسية وأناقة دواوين تونسية. فهذا المطعم الذي تأسس في عام 1993 يعد قبلة السياح العرب والأجانب الذين يزورون تونس. كما أنه واحدة من المحطات الأساسية لرجال سياسة ورؤساء جمهورية ونجوم فن عرجوا على «الأزرق الكبير» كي لا يفوتوا الفرصة عليهم.
أعلام بلدان العالم على اختلافها وبأحجامها الصغيرة تستقبلك على مدخل المطعم. فهي بمثابة تحية تكريمية يطالعك بها المشرفون على هذا المكان كي تشعر منذ اللحظة الأولى بأنك ضيف عزيز. فيوسف الميموني صاحب المطعم فكر بكل ما يمكن أن يوثق العلاقة بزبونه. ولذلك استحدث جلسات وقعدات مختلفة ستشعرك تارة وكأنك في بلاط أحد القياصرة وتارة أخرى وكأنك في مقهى شعبي أنيق. ومع كراسيه المغطاة بالمخمل الأحمر ستمضي جلسة بحرية فارهة، جدرانه وأسقفه المطرزة برسومات هندسية منمنمة تتدلى منها حدائق معلقة. أما الستائر المخملية الملونة فهي ترخي بظلالها على أبواب وشبابيك أخذت أشكالها الهندسية من العمارة التونسية العريقة. مجسمات لخيول سوداء عربية وأخرى لأوانٍ من البورسلين التونسي، إضافة إلى لوحات زيتية ومرايا مزخرفة وثريات تتدلى من السقف مع إنارة موزعة على كل أرجائه تؤلف ديكورات هذا المكان ذات الأرضية الرخامية الفخمة. وعلى مقاعد مخملية وثيرة تلتصق بطاولات من أحجام كبيرة وصغيرة تبدأ رحلتك مع «الأزرق الكبير».
فريق من الندلاء يصطفون حولك ينتظرون إشارة منك كي يقدموا خدماتهم لك. أما لائحة الطعام فهي غنية بأطباق بحرية وأخرى تابعة للمطبخ التونسي العريق. فأبواب مطبخه المفتوحة أمام الجميع برهان مدموغ بالثقة لرواده ولأصحابه معاً. فالطباخون يلتزمون بزي منتظم وهم مجهزون قلباً وقالباً بالقواعد والأدوات الخاصة بالنظافة مما يوفر لك فرصة تناول الطعام براحة وطمأنينة. وبين المشهيات الباردة أو «المفتحات» كما يسمونها في تونس من قلب الخس مع الجبن والجوز وقلب النخيل وسلطة غلال البحر مع سمك السلمون والبيض المقطع، وسلطة الأخطبوط اللذيذة والهريسة الحارة المشهية، وصولاً إلى أخرى ساخنة من أنواع حساء وغيرها من كلامار مشوي وربيان مع شرائح اللوز وصلصة الترتار، ستعرف بأن مشوارك طويل في هذا المطعم لتنوع مأكولاته وأطباقه التي تفوق المائة. وبين الكمونية بالقنبيط والجمبري المخبوز مع جوز الهند أو المشوي مع صلصة الثوم تكون بحالة تحضير لتناول الأطباق الساخنة من سمك مقلي ومشوي متبل. فهنا شريحة السمك مع صلصة البرتقال تعرف بـ«سمك سليمان» والربيان من الحجم الكبير مع صلصة القرقنة ذات الطعم الحامض مشهورة بـ«الطبق الرويال». أما الأطباق التقليدية من كسكسي مع لحم الخروف أو مع السمك فلها قصة أخرى بمذاقها الخارج عن المألوف. عدا أطباق المعجنات «سباغيتي» التي تزين المائدة التونسية على طريقة «معكرونة المناني» مع سمك الهامور أو «تالياتيل» مع جبن الماعز والفطر. أما طبق السباغيتي المشهور في هذا المطعم ولا يمكنك أن تصادفه في مكان آخر في تونس فهو «سباغيتي غران بلو» والمؤلف من صلصة الكريما وحبات البندورة الكرزية مع قطع الربيان من الحجم الكبير وبيض السمك الأبيض.
كل شيء في «الأزرق الكبير» سيناديك لتقوم بزيارته مرة ثانية فجدرانه تحمل ذكريات الصغار والكبار، وأصداء خطوات وفود أجنبية وعربية زارته كونه يعد واجهة المطاعم البحرية في تونس.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».