«عيار 12» في مواجهة «عبده تلوث»... و«البغل» و«الجحش» يتنافسان

الأسماء الفكاهية والرسائل الدعائية وسيلة المطاعم لجذب الزبائن في مصر

مطعم «سعد الحرامي» بوسط القاهرة
مطعم «سعد الحرامي» بوسط القاهرة
TT

«عيار 12» في مواجهة «عبده تلوث»... و«البغل» و«الجحش» يتنافسان

مطعم «سعد الحرامي» بوسط القاهرة
مطعم «سعد الحرامي» بوسط القاهرة

اجتهاد المطاعم في البحث عن حيل فعالة لجذب الزبائن يرتبط دائماً بفهم نفسية الزبون في أي مجتمع، فكثير من المطاعم في مصر تحمل أسماء تبدو للبعض فكاهية، لكنها تظل صادمة للغالبية، بينما اتجهت مطاعم أخرى لابتكار أسماء مختلفة للأصناف التقليدية المعروفة، تنطوي على قدر كبير من الخداع، وتحمل رسائل دعائية لا تقل سخرية عن أسماء المطاعم.
حققت تلك المطاعم التي اختارت أسماء صادمة شهرة واسعة، تجاوزت كونها مطاعم شعبية، لتصبح في غضون سنوات قليلة مقصداً للشخصيات المرموقة والفنانين والمثقفين.
ولعل أبرز الأمثلة للمطاعم الشعبية التي استمدت شهرتها من أسماء غريبة، مطعم «البغل» المتخصص في وجبات «الفول والفلافل» الشعبية بحي السيدة زينب التاريخي في جنوب القاهرة، ويمتلك فروعاً عدة في مناطق مختلفة من البلاد، وأيضاً مطعم «الجحش» بنفس الحي القديم، الذي تحول إلى أهم أحد الأماكن التي يحرص الأثرياء والفنانون والمثقفون على ارتيادها، ووصلت سخرية الاسم مداها بلافتة وضعت على الواجهة عبارة عن رسم لحمارين يقبلان أحدهما الآخر.
كما ذاع صيت مطعمي «بحه» و«بجه» بنفس الحي الشعبي الشهير، وتحولا إلى مقصد لكثير من رموز المجتمع، ويقدم المطعمان المتنافسان ما يسمى بـ«فواكه اللحوم»، وهي عبارة عن بعض أجزاء الذبائح المختلفة من «كوارع وفشة وكبدة وعكاوي (ذيل العجل) وممبار وطحال ولحمة الرأس».
ووصل إطلاق الأسماء على المطاعم إلى أبعد من «بحه» و«البغل»، في ظل وجود أسماء مطاعم مثل «عبده تلوث» و«زيزو نتانة»، غير أن هذه الأسماء الصادمة حققت أيضاً لأصحابها شهرة واسعة.
ويقول جمال محمود، أحد أقدم العاملين بمطعم «بجه»، لـ«الشرق الأوسط»: «الشهرة الكبيرة التي حققها المطعم يرجع جزء كبير منها إلى غرابة الاسم»، متابعاً: «فحسب خبرتي في المطاعم المختلفة منذ أكثر من 30 عاماً، فإن الأسماء الغريبة تحقق نجاحاً كبيراً لأنها تجذب الناس ولا ينسونها أبداً».
ويبدو أن الفكاهة والسخرية تعد مدخلاً جيداً للتأثير على الزبائن في مصر، ففي منطقة وسط القاهرة الخديوية تجد لافتة أحد المطاعم، كتب عليها اسم صاحبه «سعد الحرامي»، وبالطبع هو ليس لصاً كما يوحي الاسم، لكنه أحد أشهر باعة الفول في وسط العاصمة، يعرفه معظم الكتاب والمثقفين والأدباء منذ سنوات طويلة.
وتعود قصة الاسم التي رواها «العم سعد» مراراً لوسائل الإعلام منذ سنوات إلى عام 1979 عندما كان يجلس ليلاً يلعب «الدمينو» بجوار مسرح نجيب الريحاني بوسط القاهرة، وأثناء مرور الفنان الراحل فريد شوقي توقف ليلعب معه، وقام بائع الفول بالاحتيال عليه وهزيمته في اللعبة، فأطلق عليه اسم «الحرامي» الذي التصق به من وقتها.
ويقول سعد الحرامي لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لي لا أخجل من الاسم، بل على العكس أحبه جداً، فقد كان سبب شهرتي، فالشعب المصري يحب النكتة والفكاهة والسخرية، وهو ما تسبب في شهرة المطاعم التي تحمل أسماء غريبة».
وتعتبر الشعارات الخادعة واحدة من أهم وسائل جذب الزبائن، فقد تجد لافتة على أحد المطاعم كتب عليها «استمتع بالكهرمان»، غير أنك تفاجأ عقب الجلوس إلى طاولتك أنك ستتناول طبق «العدس» التقليدي المعروف، بالطبع يعرف كثير من الزبائن قبل دخولهم المطعم أنه لا يوجد صنف يحمل اسم كهرمان، لكن يبدو أن هذه الحيل تعجبهم.
ولفت عامل في أحد المطاعم بوسط القاهرة أنهم يلجأون إلى حيلة أخرى لجذب الزبائن بإطلاق أسماء جديدة على أطباق معروفة، وفي معظم الأحيان لا يوجد أي اختلاف في الأطباق التي تحمل اسماً جديداً، ويتم أحياناً وضع إضافات غير مؤثرة على الطبق ليوحي بأنه ابتكار جديد، وهي حيلة تساهم في جذب مزيد من الزبائن.
وتنتشر خدعة الأسماء الجديدة للأصناف القديمة في كثير من المطاعم، خاصة تلك التي تقدم الأنواع المختلفة من الساندوتشات، التي يتم الترويج لها بشعارات تنطوي أيضاً على مزيد من الخدع.
واستخدم مطعم «تشيكن الفيل» أو«فراخ الفيل» اسمه لصياغة رسائل دعائية مختلفة، إذ يوحي الاسم للزبائن بضخامة حجم الفراخ لتصل مجازياً إلى حجم الفيل، ويطلق على عمال التوصيل في فروعه المختلفة بمناطق المنيل والمهندسين ومدينة السادس من أكتوبر وشبرا والمعادي وصف «الأفيال»، كما يُطلق اسم «جودزيلا» على الساندوتش الرئيسي، وهو عبارة عن قطع دجاج مقلية وعليها جبن تركي مدخن وسويت تشيلي وخس، وبعدها بفترة أعلن في رسالة دعائية أن «جودزيلا» أنجبت ساندوتشاً جديداً تحت اسم «بيبي جودزيلا»، ويرتبط كل ابتكار جديد برسالة دعائية فكاهية تنطلق من اسم المطعم، فساندوتش «الفيل الياباني» عبارة عن قطعتين من الدجاج محشيتين جبنة، وعليهما أصابع الكابوريا المقلية والخس، مضافاً إليهم الصوص الياباني.
ولجأ مطعم «درب شكمبة» بمنطقة شيراتون مصر الجديدة، إلى الترويج لمفهوم الكم في رسائله الدعائية، التي تنطلق من شعاره «من فات قديمه تاه» ويقدم ساندوتشات الكبدة والسجق والفطير، ويولي اهتماماً كبيراً بوجبات الإفطار الشرقية، ويركز في دعايته على إحدى وجباته التي تحمل اسم «عيار 12»، وهي عبارة عن 12 ساندويتشاً، عبارة عن كبدة وسجق إسكندراني معاً.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».