مسرحية «زمن»... عندما نستعيد أيام الشباب في العقد الثالث

تتناول التغييرات التي يمكن أن نحققها مع الوقت

طلاب مسرح «شغل بيت» يتقمصون شخصيات مسنين يستعيدون شبابهم لبرهة من الوقت
طلاب مسرح «شغل بيت» يتقمصون شخصيات مسنين يستعيدون شبابهم لبرهة من الوقت
TT

مسرحية «زمن»... عندما نستعيد أيام الشباب في العقد الثالث

طلاب مسرح «شغل بيت» يتقمصون شخصيات مسنين يستعيدون شبابهم لبرهة من الوقت
طلاب مسرح «شغل بيت» يتقمصون شخصيات مسنين يستعيدون شبابهم لبرهة من الوقت

ماذا لو أتيحت لك الفرصة للعودة إلى الوراء واستعادة أيام الشباب؟ فالعمر يمر بلمح البصر، ومرات كثيرة نتمنى أن يتوقف لبرهة، لنستعيد أنفاسنا، ونحقق ما فوّتناه علينا من أحلام وتمنيات. وفي مسرحية «زمن»، لطلاب الدفعة الخامسة لمسرح «شغل بيت»، نتابع عملاً فنياً تتخلله حوارات ثنائية ومونولوجات، وأخرى لمجموعة من الممثلين (عددهم 10) يتحدثون مع الزمن، بعد أن صاروا في سن متقدمة، ليخلعوا عنهم أعمارهم الحقيقية، ويستعيدون شبابهم لنحو 90 دقيقة.
يستقبلك الممثلون أنفسهم على باب المسرح وهم عجائز، يوجهون إليك النصائح ويعطونك وجهة نظرهم في موضوع العمر. ومن ثم ستلتقيهم على الخشبة وقد غيروا أشكالهم ومظهرهم الخارجي، ليعودوا شباباً بعد أن يعلقوا عمرهم المتقدم على حاملة ثياب تتوسط الخشبة، ويبدأون بمعاتبة الزمن، ويطالبونه بأمانيهم.
«سيتحاورون مع الزمن، ويحققون ما عجزوا عن القيام به في فترة شبابهم، إذ مر العمر وكأنه لحظة بالنسبة لهم».. يوضح شادي الهبر مخرج العمل في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «ترتكز المسرحية على ضرورة إجراء التغيير في حياتنا، وعلى ضرورة تسلحنا دائماً بالحب في أي زمان ومكان نوجد فيه. فلماذا علينا أن نمارس مهنة لا تشعرنا بالشغف؟ ولماذا علينا غض النظر عن أمور كثيرة لأن المجتمع والتقاليد تمنعنا عنها؟ هذه المواضيع، إضافة إلى أسئلة كثيرة أخرى، يطرحها الممثلون في العمل، وتترك أثرها لدى الحضور، حتى بعيد مغادرته المسرح، فهي تحمل كثيراً من الوجع والمشاعر المدفونة التي تخنقنا في أعماقنا، ولا نلاقي فرصة للتعبير عنها».
وتأتي هذه المسرحية، التي ستعرض على مدى يومين متتاليين (اليوم وغداً (الأحد)؛ 5 و6 يناير الجاري) على مسرح بيريت في الجامعة اليسوعية (طريق الشام) في بيروت، لتكون بمثابة فسحة أمل ووسيلة لإجراء التغيير، بعد أن يفرّغ هؤلاء المسنون ما في داخلهم على خشبة المسرح. «اليوم بات المسرح بشكل عام يشكل منصة توعية يتفاعل معها الناس بعيداً عن الناحية الترفيهية الملتصقة به عادة. ففي الماضي، وعبر التاريخ، كان هذا الفن منبراً يستخدم لإجراء التغيير في نواحٍ اجتماعية كثيرة، وكذلك على أنفسنا، فيقوي خصال كثيرة فينا، كالثقة بالنفس وحرية التعبير والاستقلالية».. يعلق شادي الهبر في سياق حديثه.
وكتب سيناريو العمل الممثلون أنفسهم، بعد أن أجروا تمرينات مكثفة استمرت لـ7 أشهر. ويقول شادي الهبر «إننا نعلمهم الأداء والكتابة، بحيث يصبح الممثلون متمكنين من مهمتهم، فهم جاؤوا من خلفيات مختلفة بعيدة كل البعد عن فنون المسرح، لأنهم كانوا يحلمون بالوقوف على خشبته يوماً ما. ومن هذا المنطلق، يجتهد فريق مسرح (شغل بيت) على تخريج دفعات من طلاب فنون المسرح، وعلى مدى أشهر قليلة». وعن كيفية اختيار موضوع المسرحية، يرد الهبر: «لقد قاموا خلال خضوعهم لفترة التدريب (5 أشهر) بأبحاث عن المسنين وحاجاتهم ومطالبهم، وعن أمنيات لم يحققوها طيلة عمرهم. بعدها، قرروا أن يتناولوهم في (زمن)، ويعبروا عن المعاناة التي يعيشها هؤلاء، اجتماعياً ونفسياً».
ويشرف على إدارة الممثلين مايا سبعلي، التي حرصت على أن تتضمن المسرحية لوحات تعبيرية بالجسد وحركات راقصة ومشهدية معاصرة، لتشكل عملاً مسرحياً متكاملاً. ومن المواضيع التي سيتم تناولها حالات الانتظار بأشكالها المختلفة، وفرص حياة مرت من دون أن يغتنموها، وعلاقة الموت بالحياة، وتعنيف المرأة والعناد، وتأثير الأهل على قرارات أولادهم. كما تسلط الضوء على محرمات اجتماعية يعيش كثيرون في كنفها خوفاً من البوح بها أمام مجتمع لا يرحم تأثيرها على الهوية الجنسية.
ومع فانيسا مراد، وبوب جريج، وحسين قنبر، وألفت خطار، وإبراهيم خليل، وغيرهم من الطلاب الممثلين، سنتعرف إلى ردود فعل مسنين عادوا شباباً يقاومون ممنوعات الماضي، ويبحرون في حب التغيير وأوجاع الكبت التي عاشوها.
ويتراوح أعمار المشاركين في هذا العمل بين 19 و45 عاماً، وقد جاؤوا من بيروت ومناطق أخرى من لبنان لإيصال رسالة أساسية من خلال «زمن»، وهي أن نقوم بما نحبه لتحسين ظروف حياتنا، شرط أن تكون على المستوى المطلوب، ولو تطلّب منا الأمر بعض الجرأة.


مقالات ذات صلة

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».