الولايات المتحدة تقتحم الفضاء المجهول... والصّين تحمل دود القزّ إلى الوجه المخفي للقمر

الولايات المتحدة تقتحم الفضاء المجهول... والصّين تحمل دود القزّ إلى الوجه المخفي للقمر
TT

الولايات المتحدة تقتحم الفضاء المجهول... والصّين تحمل دود القزّ إلى الوجه المخفي للقمر

الولايات المتحدة تقتحم الفضاء المجهول... والصّين تحمل دود القزّ إلى الوجه المخفي للقمر

عندما يكون مئات الملايين من البشر يتأهبون لاستقبال العام الجديد، يدخل فريق من العلماء غرفة المراقبة التابعة للوكالة الدولية للفضاء الخارجي، بينما يجلس زملاء لهم في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» أمام حواسيبهم المتطورة، فيما يقف مجموعة من المهندسين الصينيين أمام شاشات مركز متابعة البرامج الفضائية بالقرب من بكّين، يراقبون جميعاً المراحل الأخيرة لثلاث من البعثات العلمية الأولى من نوعها في تاريخ غزو الإنسان للفضاء.
على الشّاشة الكبيرة في وسط غرفة مراقبة وكالة الفضاء الخارجي في فيينا، ستظهر المركبة الفضائية المسيّرة «Osiris - Rex» عندما تشعل محرّكاتها الصّاروخية على بعد 110 ملايين كيلومتر من الأرض لتبدأ بالدوران حول النيزك «Bennu» على مسافة لا تزيد عن 1500 متر من سطحه، في مناورة هي الأولى من نوعها ويتوقّف نجاحها على دقة قياس قوة جاذبية النيزك. الإنجاز التاريخي الأول لهذه البعثة سيكون دخول المركبة في مدار الدوران قبل الانتقال إلى تحقيق الهدف النهائي بالهبوط على أرض النيزك لخمس ثوانٍ والتقاط عيّنة من التراب لإرسالها إلى موقع لم يُكشف عنه في الولايات المتحدة، حيث ينتظر أن تصل في العام 2023.
ويعتبر «Bennu» من أقدم النيازك المعروفة في المنظومة الشّمسية، ويُعتقد أنّه لم يطرأ عليه أي تغيير منذ الفترة التي تشكّل فيها منذ نحو أربعة آلاف مليون سنة. ويحتوي هذا النّوع من الأجسام على مركّبات عضويّة أساسية للحياة على كوكبنا، لكنّه يحترق حال ارتطامه بالأرض مما يحول دون دراسة مواصفاته. ويقول خافيير ليكاندرو من معهد الفيزياء الفلكية الذي يتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية، «إنها المرة الأولى التي سيتاح لنا أن نحلّل هذه المادة النقيّة من الشوائب»، ويضيف أنّ فريقه مكلّف قراءة الصّور التي ترسلها الكاميرات الثلاث على متن المركبة، لتحديد تركيب النيزك والمساعدة على اختيار موقع الهبوط واستئصال العيّنة.
وفي اليوم الأول من العام الجديد، وعلى بعد ستة آلاف مليون كيلومتر من الأرض، ستنقل مركبة أميركية أخرى تدعى «New Horizons» الصور الأولى لأبعد جسم مرصود في المنظومة الشمسية يعرف باسم «Ultima Thule»، ويقول الأخصائيون إنّ هذا الجسم يقع ضمن قرص من المنظومة الشّمسية، يرجّح أنّه يحتوي على آلاف النيازك ومليارات الكواكب الصغيرة. وقد اكتُشف في العام 2014 بفضل بعثتين فلكيّتين في الأرجنتين والسنغال حدّدتا قطره بنحو 20 كيلومتراً.
ولدى استفسارها عن اسم النيزك تقول آدريانا أوكامبو مديرة برنامج «آفاق جديدة» التابع لوكالة الفضاء الأميركية، والمشرف على البعثتين المذكورتين، «إنها عبارة لاتينية تعني: من هنا يبدأ المجهول»، وتضيف أنّ هذه البعثة من شأنها المساعدة على توضيح دور النيازك التي تدفع الكواكب الصغيرة خارج مساراتها باتجاه المنظومة الشمسية، مما قد يؤدي إلى حدوث نوع من الحياة على كوكب الأرض بسبب الارتطام.
وتؤكّد أوكامبو أنّ «اللقاء» بين المركبة والنيزك سيكون «عابراً ومثمراً»، إذ إنّها ستمرّ على بعد 3500 كيلومتر من سطحه، أي أقرب بثلاث مرات من المركبة التي دارت حول بلوتون، والتقطت صوراً عزّزت النظرية التي مفادها أن تحت طبقة سميكة من الجليد يرجّح وجود محيط غير سائل يحوي من المياه المالحة قدر ما تحويه الأرض. وستدور المركبة Horizons» New» حول النيزك طوال 72 ساعة، تلتقط خلالها الصور وتبحث عن أقماره وحلقاته، وتحدّد ما إذا كان مكوّناً من جسمين متلامسين يحركان معاً أو جسماً واحداً. وتضيف أوكامبو، المتحدرة من أصل كولومبي، أنّ وكالة الفضاء الأميركية تتوقع نشر الصور الأولى من هذه البعثة التاريخية في اليوم الثاني من العام الجديد.
في غضون ذلك، وخلال الأيام الأولى من العام 2019، تتوقّع الصين أن تهبط إحدى مركباتها الفضائية للمرة الأولى فوق الوجه المخفي للقمر، وهو ليس مظلماً كما كان يسود الاعتقاد بل تتخلّله فترات من الليل والنهار تدوم نحو 14 يوماً، حسب التوقيت الزّمني الأرضي.
المركبة الصينية التي تحمل اسم «Chang’e - 4» أطلقت إلى الفضاء في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ودخلت في مدار القمر بعد يومين من إطلاقها. ويقول أحد العلماء من برنامج الفضاء الصيني إنّ أجهزة الهبوط وسيارة الاستكشاف تحتاج للنور من أجل تغذية لوحاتها الشّمسية بالطاقة، مما يرجّح نزول المركبة على سطح القمر في الأيام الأولى من العام.
وتحمل المركبة الصينية قمراً للاتصالات ومجموعة من الأدوات والأجهزة العلمية، إضافة إلى علبة تحوي عدداً ممن قد يكونون أوّل سكّان القمر: دزّينة من دود القزّ.


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكويكبات الجديدة رُصدت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً

تمكن فريق من علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة من رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق رحلة ولادة الكسوف الاصطناعي (أ.ب)

«عرض تكنولوجي» فضائي يمهِّد لولادة أول كسوف شمسي اصطناعي

انطلق زوج من الأقمار الاصطناعية الأوروبية إلى الفضاء، الخميس، في أول مهمّة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي من خلال تشكيل طيران فضائي مُتقن.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال فلوريدا )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».