ظاهرة «ماينس وان» لسهرات العام الجديد تعم لبنان

بعض اللبنانيين يفضل سهرات رأس السنة «ناقص 1» لأنها أوفر وأكثر هدوءاً
بعض اللبنانيين يفضل سهرات رأس السنة «ناقص 1» لأنها أوفر وأكثر هدوءاً
TT

ظاهرة «ماينس وان» لسهرات العام الجديد تعم لبنان

بعض اللبنانيين يفضل سهرات رأس السنة «ناقص 1» لأنها أوفر وأكثر هدوءاً
بعض اللبنانيين يفضل سهرات رأس السنة «ناقص 1» لأنها أوفر وأكثر هدوءاً

تعم لبنان منذ سنوات قليلة، ظاهرة سهرات رأس السنة من نوع «ماينس وان» (ناقص واحد) التي تعني الاحتفال بالعام الجديد قبل يوم من نهايته.
فهذا النوع من الحفلات بات يعتمد في المقاهي والمطاعم والمسارح في مختلف المناطق اللبنانية ولأسباب كثيرة. لماذا تنظيم السهرات في 30 ديسمبر (كانون الأول) بدلا من 31 منه؟ لأنها - حسب بهجت هندي - أحد الموسيقيين المشاركين الدائمين في هذا النوع من الحفلات تكون أقل كلفة من ناحية، ولا حالات اكتظاظ وزحمة فيها وخاصة على الطرقات.
ويروج هذا النوع من السهرات في هذه المناسبة تحت عنوان «NYE – 1» وهي الأحرف التي تختصر عبارة سهرة رأس السنة بالإنجليزية مضافا إليها «ناقص واحد». فيما يعتمد إضافة رقم 2 و3 للسهرات التي تجري قبل نهاية العام بيومين وثلاثة.
«باتت شريحة كبيرة من الشباب اللبناني تعتمد هذه السهرات للاحتفال بقدوم العام الجديد لأنها تكون أكثر هدوءا. ففيها تؤمن الخدمات المطلوبة من قبل رواد محل السهر بوقت أسرع وبشكل أفضل من تلك التي يعمها الفوضى في محلات أخرى». يوضح هندي في حديث لـ«الشرق الأوسط».
واللافت أن منظمي هذه الحفلات يجعلونها نسخة طبق الأصل من تلك التي تقام في 31 ديسمبر (كانون الأول) ليلة رأس السنة. فيجري العد العكسي للوقت وتوزع المفرقعات والأقنعة والمعروفة بـ«كوتيون» فيشعر الساهرون بأنهم يحتفلون بالعام الجديد. بعض أماكن السهر في بيروت كـ«ميوزك هول» لصاحبه الموسيقي ميشال ألفتريادس يطبق هذه القاعدة قبل أسبوع من موعد انتهاء العام. ويقصد الساهرون هذه الأمكنة للاستمتاع باستقبال السنة الجديدة لأكثر من مرة. «البعض يرتاد سهرات (الناقص واحد) دون أن يغيبوا عن الأصلية أي التي تجري في 31 ديسمبر (كانون الأول) إذ يعتبرون هذه الأخيرة أساسية في أجندتهم للسهرات». يقول بهيج هندي موضحا.
وتختلف أسعار حفلات رأس السنة «ناقص واحد» عن تلك التي تجري ليلة العيد. فتتدنى أسعار بطاقات الدخول بنسبة 50 و80 دولارا. وفي المقابل يصل سعر بطاقات حفلات أعياد رأس السنة في الفنادق وأماكن السهر إلى ما فوق 500 دولار للشخص الواحد.
ومن جهته، يقول الفنان جو أشقر صاحب محل «كازينو» للسهر في منطقة السوديكو في بيروت الذي يعد من المرابع الليلية الشهيرة في بيروت، إن هذه الظاهرة هي نوع من «البيزنس» لكسب أرباح طائلة من قبل أصحابها. فيعتمدها أصحاب أماكن السهر من هذا المنطلق فقط. وعما إذا كان يطبق هذه الظاهرة في محله يرد: «لا لأنني أبحث عن يوم راحة أمضيه بعيدا عن عملي. فصحيح أن هذه الحفلات تجذب عدداً كبيراً من الناس إذ يفضلونها على تلك التي تجري في ليلة رأس السنة ولكن فترة الأعياد بشكل عام تشهد كثافة سهر، وبالتالي تتطلب مني ومن فريق العمل مجهودا أكبر، مما يدفعني إلى عدم تنظيم سهرات الـ(ناقص واحد) والاكتفاء بأجندة السهر العادية».
وفي جولة سريعة على بعض أماكن السهر في بيروت التقينا عدداً من الشباب اللبناني للوقوف على رأيهم بهذه الظاهرة. «إنني من الأشخاص الذين يفضلون السهر واستقبال العام الجديد قبل يوم من نهايته بحيث أمضي ليلة رأس السنة مع أصدقائي في المنزل بهدوء دون أن أتكبد مشاق اجتياز شوارع وطرقات تزدحم بالسيارات وتطبعها (عجقة) السير»، يقول مايكل حداد لـ«الشرق الأوسط». أما كارل عفيف وهو موسيقي (دي جي) يجمع عادة ما بين هذه المناسبة وطبيعة عمله فيقول: «أسهر عادة في حفلات الـ(ناقص واحد) وفي ليلة رأس السنة بفعل طبيعة عملي ولا اختلاف كبيراً بين الاثنين سوى التوقيت. وهناك بعض ممن يتمسك بالموعد الأصلي للاحتفال إذ يعتبره مناسبة لا تأتي إلا مرة واحدة في العام وعليه أن يغتنم الفرصة لتمضيتها في وقتها».
تكثر السهرات ذات الطابع الغربي في ظاهرة احتفالات ليلة رأس السنة (ناقص 1) وبينها ما شهدتها بيروت في 28 الحالي أي من نوع (ناقص 3) فاستضافت فيها موسيقيين عالميين كفريق «تايلوفاس» المشهور بعزفه موسيقى التكنو والذي نظم له حفلا في مركز «دي بيروت» الفني. ومن الحفلات ذات الطابع العربي القليلة التي أقيمت من هذا المنطلق عرض مسرحي للمقدم التلفزيوني والممثل الكوميدي هشام حداد بالاشتراك مع الفنان ناصيف زيتون من باب حفلات رأس السنة «ناقص 3».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».