محمد بنطلحة يقرأ شعره في الرباط... «كذئب منفرد»

الموساوي: يسوقنا إلى عالم الدهشة الذي ينسجه منذ نصف قرن

من أمسية الشاعر المغربي محمد بنطلحة في الرباط
من أمسية الشاعر المغربي محمد بنطلحة في الرباط
TT

محمد بنطلحة يقرأ شعره في الرباط... «كذئب منفرد»

من أمسية الشاعر المغربي محمد بنطلحة في الرباط
من أمسية الشاعر المغربي محمد بنطلحة في الرباط

كان الشاعر المغربي محمد بنطلحة، أول من أمس، بالرباط، في الموعد، بشكل أكد أنه يمثل فعلاً «تجربة رائدة في حركة الشعر المغربي المعاصر».
وكتب مراد القادري، رئيس «بيت الشعر في المغرب»، متفاعلاً مع الأمسية الشعرية، التي تابعها جمهور نوعي ومتنوع: «كذئب، انفرد بنا وبأحلامنا، الشاعر محمد بنطلحة، لنلوح معاً لسنة 2018 بتحية وداع على إيقاع الغيم والحجر. تحية للشاعر السدومي الذي قرأ علينا من آخر ديوان له (كذئب منفرد)».
من جهته، قال الشاعر جمال الموساوي، الذي بدا مرتاحاً وهو يقدم الشاعر بنطلحة، لـ«الشرق الأوسط»: «لا يزال لدينا شاعر قادر على جمع شملٍ مشتت».
وتعدّ أمسية بنطلحة، الثانية ضمن برنامج ثقافي وشعري، ينظمه «بيت الشعر في المغرب»، بالرباط، بشراكة مع «مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير»، تحت عنوان «شعراء مغاربة في ضيافة محمود درويش»، استهلته الشاعرة مليكة العاصمي قبل نحو أسبوع.
وقال «بيت الشعر في المغرب»، إن بنطلحة هو صاحب «تجربة شِعرية خِصبة وثريّة»، أسهم بانتظام على مدى 4 عقود، في «تغْذية وإثراء المتن الشّعري المغربي بمُقترحات تخييلية وفنيّة جعلت الشعر رهانَه الوحيد، بعيداً عن أي اشتراطات أخرى سياسية أو آيديولوجية»، مع تشديده على أنّ تعدّدَ الخيارات الثقافية والجمالية وتنوّعَ المرجعيات الفكرية والفلسفية التي تحاورت معها قصيدة بنطلحة «أهّله دوماً ليكون صوتاً مميّزاً في النسيج الشعري المغربي. صوتٌ قادر على الاشتباك مع أسئلة وجودية تضع الذات الإنسانية أمام استحقاقات مستمرة ولا نهائية، يمتزج فيها الكائن بالممكن، التخييلي بالواقعي، المادي بالروحي».
وقال الموساوي، في معرض كلمته في حق بنطلحة: «تقف العبارة حيرانة. ذلك أن الشاعر بنطلحة متعددة أبواب قصيدته، فلا تدري أي باب منها تطرقُ لتدخل، مع الغيوم والبحيرات والطيور والأشجار، مباشرة إلى فضائها دون مطبات، ودون أن تقع في فخاخ المعنى المزروعة كألغام. منذ التقيت به في ديوانه (نشيد البجع)، وبعده في (سدوم) وقعت أسيراً لتلك الفخاخ».
وزاد الموساوي، تحت عنوان «الشاعر وأسراهُ»: «لقد خرج الشاعر من رماد السبعينات سالماً معافى. فمحمد بنطلحة حافظ على تلك المسافة التي يحتاجها الشاعر كي تبقى قصيدته، وإن كانت تقولُ ما كان يلزم أن يقال في إبانها، عالية محافظة على كثافة العبارة وعلى جمال الصورة، ولا تصهر الذات صهراً في الجماعة بحيث لا يبقى لها وجود... أيها الشاعر - يا من في كل مرة يضع بيضه في أعشاش غيره - زاعماً، بكل أسف - أنه نحن».
ولاحظ الموساوي أن هذا الوعي بالشعر، المنفلت من أسر الآيديولوجيا المباشرة، الذي لم يكن «في حاجة إلى نصائح الرماد» هو الذي جعل الشاعر، وقد بدأت ملامح القصيدة المغربية تتغير، يطوع كتابته للانخراط في هذا الأفق، أفق التغيير والمستقبل، «حتى تحت - هنالك أكثر من تشاكل - بين الطبيعة البشرية - والشبكة العنكبوتية». إنه شعرٌ يتفاعلُ مع شروط الحياة التي لا تتوقفُ عند محطة، ولا تمضي رتيبة في مدار مغلق. شعر «هو جوهر الرماد»، هو تلك النار المليئة بالأسرار. الخفية التي تحرق أدوات الإدراك لديك، أنت القارئ، إذا لم تجد له ما يكفي من أدوات التأويل، التي قد لا يسعف معها حتى التعسف أحياناً، ولا لي أعناق الكلمات. ففي حضرة بنطلحة تجد نفسك في بحر عميق من المعارف: «لي – فقط - مزمار يقودني إلى مكتبة - في قاع البحر - يقودني إلى نفسي».
وأبرز الموساوي كيف تجتمع، في القصيدة التي يكتبها بنطلحة «رموز من الأسطورة وأحياناً سياقات أسطورية، إلى جانب فلسفة مساءلة للوجود، وعناصر من اليومي ورموز ذات حمولة سياسية نضالية وسخرية من مبتذل الأمور، وأسماء ثقافية من أزمنة مختلفة، وتحضر فيها حرب الذات مع الواقع وعناصره، حرب من أجل البقاء، أو من أجل ذلك الخلود الذي ينشده الشاعر. إن الشعر هو الروح التي لا تموتُ، بها يسمو الشاعرُ فلا هو وُلد في سابق من الزمن ولا هو سيموتُ في لاحقٍ».
ورأى الموساوي أن الشاعر يجدد نفسه ليواصل الرحلة: «ينهل من النهر المتدفق للمعرفة التي أنتجتها البشرية شعراً وفكراً وتاريخاً وأساطيرَ ويكتبُ شعراً كي تستمر الحياة، لأنها الغاية، نوع من سدرة المنتهى التي لا يعلو فوقها شيء. أنا - (عند الضرورة، ومهما أصر دانتي) - سوف أفتح ثغرة في النص - وأعبر منها فوق جسر متحرك - بين الفردوس والجحيم - على دراجة هوائية».
وختم الموساوي بالحديث عن الكيفية التي يعيش بها بنطلحة شعره: «عبور متواصل بين المعرفة والحياة ذهاباً وجيئة، منتقلاً من معنى إلى معنى، ناصباً فخاخهُ لنا بين قصيدة وأخرى، وهو يظفر، في كل الحالاتِ، بانتباهنا ويسوقنا إلى عالم الدهشة الذي ينسجه منذ نصف قرن».
في ديوانه الأخير، الذي أتحف به جمهوره، نقرأ لبنطلحة: «مهما يكن - لن أموتَ وأنا نائمٌ - ولن أخبر أحداً سواي - أنا سواي - قبل أن أموت - سوف أهدم جميع البيوت - سوى بيتٍ واحدٍ - لغتي - منفرداً عشتُ - ومنفرداً أموتُ - بلا مزايا، وبلا نعوت. أنا الذئب الأخير».
ولد بنطلحة عام 1950، بمدينة فاس، وتابع دراساته العليا بين مسقط رأسه والرباط وفرنسا، التي حصل بها على الدكتوراه من جامعة إكس إن بروفانس عام 1987.
وتتميز الأعمال الشعرية لبنطلحة، الذي فاز سنة 2016 بـ«جائزة الأركانة العالمية للشعر»، بالغزارة والانتظام والقيمة والتميز. ومن دواوينه «نشيد البجع» (1989) و«غيمة أو حجر» (1990) و«سدوم» (1992) و«بعكس الماء» (2000) و«ليتني أعمى» (2000) و«قليلاً أكثر» (2002) و«صفير في تلك الأدراج» (2013) و«أخسر السماء وأربح الأرض» (2014)، فضلاً عن ديوانه الأخير «كذئب منفرد».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».